لبنان
29 أيلول 2017, 10:17

د. كلوديا أبي نادر شمعون من المؤتمر الإعلاميّ الثّاني "الإعلام المسيحيّ... نحو الاتّحاد": "همّ الإعلام أن يزيل الهمّ"

"همّ الإعلام أن يزيل الهمّ" هذا ما أكّدته رئيسة مجلس الفكر د. كلوديا شمعون أبي نادر في كلمتها في مؤتمر "الإعلام المسيحيّ... نحو الاتّحاد"، وقالت فيها:

 

"هو الإعلام المرئيّ سيفٌ ذو حَدَّين، خشبة خلاص أو مهلكة! هو بمتناول الفقير كما الغنيّ، البسيط كما الذّكيّ، الخلوق كما الشّرّير، والمثقّف كما الجاهل! يدخل الإعلام المرئيّ، كما النَعَسْ، على العقول بدون استئذان! ويكون أحيانًا ضيفًا مزعجًا إذ يفرض ذاته بتسلّط مُحْكمٍ، لا بل ديكتاتوريًّا.

لا شكّ أنّ الإعلام المرئيّ، عامّةً، قد وُصِمَ بالتّرفيه حصرًا، فشُوِّهَت رسالته الحقيقيّة، التّثقيفيّة والتّربويّة.

أيّها الحضور الكريم،

نحن اليوم ضيوف على محطّة تيلي لوميار، والّتي غزت القارّات الخمس (إذا استثنينا أميركا الجنوبيّة وقارّة الأنتركتيكا)، كأعجوبة تتحقّق يوميّاً في لبنان، ومنه إلى العالم. والمعجزة تكمن في الإعجاز اليوميّ الّذي تواجهه هذه المحطّة، مادّيًّا أوّلاً، ومعنويًّا ثانيًا. والشِّقّ الّذي يعنينا أكثر هو المعنويّ. لا يُخْفَى على أحد أنّ المسيحيّة تواجه حربًا ضروسًا تهدّد رسالتها السّامية الألفيّة في أقدس مقدّساتها، وبأبشع الأساليب الملتوية والمنحرفة والكاذبة والمدعومة من أخطبوط التّجديف والطّائفيّة والمال الحرام!

إلاّ أنّ تيلي لوميار باقية وستبقى بجهود كلّ من يدعمها، وبمتابعة مئات الألوف، محلّيًّا وإقليميًّا ودوليًّا. ومشروع التّنسيق بين مختلف الدّول العربيّة، في ما خصّ المحطّات الدّينيّة المسيحيّة، أعجوبة جديدة، ستتحقّق بإذن الله.

أيّها الأحبّاء،

عنوان مداخلتي: "هَمُّ الإعلام أن يزيل الهَمّْ". عنوان مُلتَبِسٌ في مبتغاهُ الأسمى، والهَمُّ هنا لا يقارب المادّيّة إلاّ من بعيد! فالهمُّ الوجوديّ والإيمانيّ هو بيت القصيد. والتيلي لوميار تأخذ بِيَدِ كلّ تائه وقَلِقٍ، تنير دربه وتداوي جِراحَهُ البشريّة، وتهديه كلمة البشارة، وسبيل الخلاص.

أيّها الحفل الكريم،

حين تتصارع في فكرنا أسئلة لا نجد لها أجوبةً، وحين نشعر أنّ الصّخرة الّتي نستند إليها ليست سوى حَصاةٍ تافهة! وحين نلاحظ أنّ ما اعتبرناه هدفًا، لا يستحقّ سعينا اللّجوج إليه، وحين نصبح ضحيّة عبثيّة الحياة، نشعر بانهيارنا الكلّيّ، ونَشْهَدُ موتنا الفعليّ!

حين تُسْكِرُنا الحياة نتقبّلها، ولكن حين نخرج من حالة السُّكر، ندرك أنّ ما عشناه كان مجرّد خدعة!

هو الإيمان الدّينيّ يَعْضُدَنا في صِراعنا مع القلق الوجوديّ الرّافض لنهايتنا المُحتَّمة، وقَلَقٌنا، وبالمعنى الفلسفيّ، نابعٌ من خوفنا المُتَشَعّب: الخوف من المرض والألم واللّاأمان والعزلة والإعاقة، والأهَمّ عدم قدرتنا على تَحَمُّل أعباء مسؤوليّاتنا! ويصبح القلق الوجوديّ غير مُحْتَمَل حين يغدو اليقين شَكًّا فاضحًا! وحين يُغَشّي الشَكُّ مستقبلنا، نتأرجح كبهلوان على خطٍّ وهميّ بين الحقيقة والخيال! أمرٌ وحيد قادرٌ على انتشالنا من عدميّة ضياعنا، الحُبُّ أو المحبّة، أو العطاء بدون مقابل. وهنا يأتي دور الإعلام الخلاصيّ، والصّورة الأبهى له تبقى محطّة تيلي لوميار الّتي تزوّدنا بالامتلاء الرّوحيّ كي نَرْسوَ على شاطىء الحقيقة الحقّة!

أحبّائي،

منفتحة هي، هذه الشّاشة على الأديان والطّوائف، وتُغذّي الرّوح والعقل وحتّى الجسد. وتيلي لوميار، الأُم أنجَبَت أولادًا، وكلٌ منهم يتميّز بأفق علميّ أو أدبيّ أو فنّيّ أو رياضيّ. وُلِدَت تيلي لوميار من رَحِم معاناة اللّبنانيّين، وفي رَحمِها تَكوّنَتْ الحياة الجديدة.

مدعوّون نحن، ومن خلال شاشة تيلي لوميار وجميع المحطّات المسيحيّة، للنّظر في عيون الآخرين، كي تكون رؤيتنا أعمق، وكي نُقِرَّ بجمال الرّبّ المنعكس في كلّ كائن بشريّ.

وكما يقول أحد رجال الدّين: ليس المُهِمّ بمكان من أيّ جهة من الجبل نتسلّق، بل المُهِم هو أن نساعد بعضنا البعض كي نَصِلَ إلى مكان مشترك يؤمّن لنا صداقات عديدة.

والمسألة ليست مستعصية كما يعتقد الكثيرون، إن قرّرنا التّحاور ومشاركة الهواجس والهموم. وتيلي لوميار تزيل الهَمَّ عن كاهل مشاهديها في لبنان والعالم، لأنّها مفعمة بالثّقة بذاتها وبالآخرين. فحين تتوجّه إلى الآخر المختلِف، لا تتملّقه، ولا تستزلم له، لا سمح الله، ولا تخاطبه بلغته كي تَدْرَأ شرّه. فتيلي لوميار لم تفاوض يومًا على هويّتها المسيحيّة، اليسوعيّة الحقّة، إلّا أنّها تحترم قناعة وحيثيّات هذا الآخر الّذي يتابعها عَلَنًا أو سرًّا.

تيلي لوميار ليست معنيّة بالوعظ المتحجّر، والتّأنيب المُنَفِّر، ولا تَحْمِلُ سوطًا بل صوتًا حنونًا وجازمًا في الوقت عينه، يُعلي من شأن الإيمان الحقّ، والساّطع ببهاء نورانِيّته!

هي تيلي لوميار تُزيل الهمَّ حين تركّز على العيش معًا، مع اختلاف الدّين والطّائفة والميول السّياسيّة، والأفكار المعيشيّة، وتَعْمَلُ على مشاطرة الآراء والمواقف الرّصينة والموثّقة والموضوعيّة والإيجابيّة.

وتيلي لوميار تُزيل الهَمَّ برسالتها الإنسانيّة، فضيلة المسيحيّة المكرّسة لخلاص البشر. وكما يقول البابا فرنسوا: "حين نسلك درب قلب يسوع، يستحيل أن نجد في طريقنا أيتامًا، وضعفاء، وأشخاصًا مجروحين، وبؤساء، ومُهمَلين، جميعهم يتغذّوْن ويَتَلَقَّون حماية وترحيب العائلة أو الأفراد الممتلئين بشرّ القربان المقدَّس"، كما وشدّد الحبر الأعظم على بناء جسور المحبّة بين الشعوب.

أيّها الأحبّاء،

منذ الهجمة الهمجيّة الدّاعشيّة سنة 2011 ولغاية اليوم، أظهرت تيلي لوميار الوجه الوضّاح للمشرقيّة المسيحيّة الملتزمة بإيمانها وبتعايشها مع الآخرين.

إلى من حَلِمَ يومًا بمحطّة شريفة ولائقة بالإنسان الّذي خُلِقَ على صورة الله، إلى الأخ نور الّذي حقّق رؤيته بدعم مادّيّ جبّار يوفرّه أشخاص آمنوا برسالة تيلي لوميار الّتي تلاقي نجاحًا منقطع النّظير، إليك أخ نور، أقول: سلام عليكَ، وبُوركت جهودك. أيّها الشّاشة اللّبنانيّة المسيحيّة النّبيلة، يتابعك مئات الألوف في لبنان والعالم، وكُثُرٌ يُدمنون عليكِ، ترافقيهم في اللّيل والنّهار، تواسيهم، وتضمّدي خيباتهم، وتبثّين روح الأمل في أوقات ضعفهم، وتهزّين ضمائرهم في لحظات تخاذلهم.

أيّها القيّمون على محطّة تيلي لوميار أعطيتُم درسًا لا يُنسى لكلّ من يعتقد أنّ النّجاح الإعلاميّ مُلزَمٌ بالارتهان لإله المال بفجوره، وكذبه، ولا أخلاقيّاته. لقد نَجحتُم بجلالٍ ونُبْلٍ ورُقيّ، وبَرْهَنْتُم أنّ ما من استمراريّة للنّجاح المزيَّف والآني والمُشَوّه لكرامة الإنسان.

عاش الإعلامُ المُشَرِّف، وعاشت محطّة تيلي لوميار".