لبنان
23 أيلول 2016, 11:48

د. جورج صدقة من سيّدة البير: ثورة الإعلام تحتاج إلى مواكبة أخلاقيّة.. والكنيسة هي في خطّ المسؤوليّة الأوّل

أطلّ عميد كلّيّة الإعلام والتّوثيق في الجامعة اللّبنانيّة د. جورج صدقة من على منبر "المؤتمر المسيحيّ في الشّرق: قضيّة ورؤية موحّدة" في كلمة طرح فيها إشكاليّة "أيّ مساحة للمفاهيم الأخلاقيّة المسيحيّة في الإعلام؟"، قائلاً:

 

"أنطلق من بعض المسلمات للدلالة على اهمية التزام وسائل الاعلام والاتصال بمبادئ اخلاقية: هذه الوسائل على انواعها تشكل اليوم المصدر الاول للثقافة والمعرفة، وتحتل النشاط الثاني في حياة الانسان بعد العمل، وتنافس العائلة والكنيسة  والمدرسة في التربية، وربما تلعب الدور الاول في ذلك.

لذلك الاخلاق الاعلامية ضرورية واساسية لوسائل الاعلام كي تلعب دورا ايجابيا في بناء المجتمع. ومنذ مطلع القرن العشرين سعت دول ومنظمات اجتماعية ونقابات اعلامية الى وضع شرعات اخلاقية ومواثيق شرف للاعلاميين والمؤسسات الاعلامية من اجل تعزيز المسؤولية الاجتماعية لوسائل الاعلام.
كذلك الكنيسة التي كانت في البدء حذرة من استخدامات الاعلام المتنوعة والخطورة التي يحملها، طوّرت موقفها الى محاولة توجيهها ضمانا لاستخدام ايجابي لها وباتت تدعو الى اوسع مشاركة فيها.
الكنيسة في لبنان اطلقت مؤسسات اعلامية تحمل رسالة البشارة، لكنها ايضا حددت في نصوص المجمع البطريركي الماروني 2004  مبادئ لمناقبية اعلامية هي بمثابة المفاهيم الاخلاقية المسيحية.  بالامكان الانطلاق من هذه المبادئ للاجابة على السؤال عن المساحة المتوفرة   في الاعلام للاخلاق المسيحية.

لكن قد يعتبر البعض ان الاعلام الخاص ليس مدعوا بالضرورة ان يكون اعلاما مسيحيا. وبالتالي ليس عليه الالتزام بالقيم المسيحية. الجواب على هذا ان القيم المسيحية الاجتماعية والاخلاقية هي قيم تلتقي مع القيم الانسانية ومع مبادئ حقوق الانسان: كمثل الحرية، الحقيقة، النزاهة، السعي للسلام، العدالة،  احترام كرامة الانسان، العمل من اجل المصلحة العامة وتقديمها على المصالح الشخصية. وهذه مبادئ اساسية في الشرعات الاخلاقية المدنية لوسائل الاعلام.

ومنها ما ورد ايضا في نص المجمع الماروني كمثل: التصدي للاعلام المسوّق للاستهلاك، ومناهضة تسليع المرأة، والعنف وتمجيد السلطة.

يمكننا ان نضيف قيما اخرى مشتركة بين القيم المدنية والمسيحية كمثل قيم العمل، التمسك بالارض، العائلة، القناعة، التواضع، احترام الاخر المختلف.

اذا نظرنا عن قرب الى كيفية تعاطي وسائل الاعلام مع هذه المبادئ من السهل الاستنتاج انها لا تشكل اولوية في التعاطي الاعلامي  ونرى ان مساحة الالتزام بالمفاهيم الاخلاقية ضيقة جدا.

ان واقع الاعلام اليوم سواء على الصعيد العالمي او الصعيد المحلي يصعب عليه الالتزام بهذه المبادئ. فاذا استعرضنا البرامج التي تبثّها محطاتنا التلفزيونية كمثل:

البرامج الساخرة، التي  تعتمد لغة التسطيح والسوقية والاباحية ،
برامج الفضائح او تلك التي تدّعي محاربة الفساد التي تعتمد الاثارة والتعرض للكرامات وتدين الناس كأنها القضاء،
برامج التنجيم التي تستخف بعقول المواطنين وتستغل طيبتهم وسذاجتهم،
الافلام او البرامج التي تسوّق انماط حياة للشباب تقوم على البذخ والترف والرفاهية والمجتمع الاستهلاكي،
نشرات الاخبار المليئة بمشاهد  الجثث والدماء وتسخيف العنف،
غياب شبه كلي لأي برامج تربوية وتثقيفية للاطفال،
فتح الفضاء الاعلامي امام النجوم والاغنياء واصحاب السلطة والترويج لما يمثلونه...
لغة الاتهام والتحريض والعنف المستخدمة من المسؤولين والتي يروجها الاعلام لاسيما من خلال برامج التوك شو...
عناوين اخبار المواقع الالكترونية التي تعتمد التشويق والاثارة الى حد تشويه مضمون الخبر.

هذه امثلة من ضيق مساحة المسؤولية الاخلاقية في وسائل الاعلام اللبنانية.

واذا تمعنّا نرى ان مشاكل الاعلام اللبناني والصعوبات التي يعاني منها تعيقه عن الارتقاء بممارسات افضل، ومنها ما هو مشترك مع الاعلام العالمي لاسيما سيطرة رأس المال على المؤسسات الاعلامية ووضع اهداف الربح المادي وكسب الجمهور والتسويق في اولوياته، وهذا يستتبعه اعتماد اساليب الاثارة والجذب، وتراجع دور الخدمة العامة التي هي في الاساس رسالة وسائل الاعلام.

ويمكن تعداد بعض المعوقات التي تقيّد مساحة الاخلاق في الاعلام اللبناني كمثل:

تبعية المؤسسات الاعلامية  لسلطة المال:  تعاني المؤسسات اللبنانية الإعلامية، على تنوعها،  من صعوبات جمة وتعجز عن  تأمين التمويل الذاتي الضروري لمسيرتها. هذا  الامر يشكل تهديدا لاستقلاليتها ولاستمراريتها.   ومن البديهي ان توازن المؤسسة المالي هو الضامن الاول لحريتها واستقلالها ومستواها، كي لا تضطر الى الارتهان واعتماد اساليب الارتزاق الرخيصة.
تراجع حرية الصحافيين:  ان حرية الصحافي مرتبطة اولا باستقلاله المادي وبقدرة مؤسسته على تأمين راتب كاف له وضمان تقديمات اجتماعية تحميه وعائلته، والا اضطر الى رهن قلمه او الى مضاعفة عمله وارتباطاته المهنية ما قد يعيقه عن الابداع والعطاء الناجح. ومؤسساتنا اليوم عاجزة عن ضمان حاجات العاملين فيها. فضلا عن غياب الاستقرار الوظيفي للصحافيين وغياب الضمانات الاجتماعية.

ج-  كفاءة الصحافيين: يلاحظ غالبا ان التغطيات الاعلامية لقضايا اجتماعية او اقتصادية مهمة تقتصر على خطابات السياسيين بمعزل عن اهمية الموضوع او عن رأي الاختصاصيين فيه. كما ان تغطية الحدث غالبا ما تتوقف مع مغادرة السياسي للحفل. فضلا عن الاخطاء الكثيرة في التغطيات.

د- الفساد في المهنة:  كتحوير المعلومات والمحاباة والتهويل والتحريض والرشوة وإستغلال الموقع المهني، الى هذا يضاف التبعية الحزبية للصحافيين وتقاضي مداخيل موازية لرواتبهم من مصادر سياسية او غيرها، وتبني لغة الشتم وغيرها.

الحلول المقترحة

يبدو صعبا في الوقت الراهن تحرير الاعلام اللبناني من الواقع الصعب الذي يعيشه. لذلك الى جانب العمل على تعزيز مبادئ الاخلاق، يمكن العمل على خطوط اخرى كمثل:

تعزيز الاعلام الديني الهادف دينيا واخلاقيا،
احياء الاعلام العام الممول من الدولة كي يشكّل ملتقى للبنانيين وللعائلة،
التربية على الاعلام الجديد وصحافة المواطن من مدونات ومواقع تواصل اجتماعي  للتحرر من الاعلام التجاري  والعقائدي وللتصدي له،
دور المجتمع المدني من جمعيات ومؤسسات ومثقفين  للقيام بدور رقابي نقدي.
: ان ثورة الاعلام والاتصال التي تغيّر المجتمعات العالمية اليوم تحتاج الى مواكبة اخلاقية حثيثة كي تكون هذه الثورة لخير المجتمعات، والكنيسة هي في خط المسؤولية الاول. "