درويش في لقاء المعايدة الفصحية للاكليروس والراهبات في زحلة والبقاع: ليس مهمّاً أن ندّعي بأنّنا أخوة متّحدين معاً بل أن نكون بروح وفكر وحب واحد بيسوع
كانت بداية اللّقاء بترانيم فصحيّة، أدّتها جوقة من الكهنة، ومن ثمّ كانت كلمة تأمّل بمعاني عيد الفصح للمطران درويش، جاء فيها بحسب الوكالة الوطنيّة: "كل شيء تم...يا أبت، في يديك أستودع روحي". (يوحنا 19/30). بهذه الكلمات ختم يسوع المسيح حياته على الأرض! كلمات بسيطة لكنّها عميقة أتم رسالته بأمانة، واقتضت هذه الأمانة أن يدفع حياته ثمناً. صليب المسيح لم يكن إلا محبّة والمحبّة تتميّز بالعطاء. لذا قال بولس عن المسيح "إنّه أخلى ذاته". وقال في المحبة "إنّها لا تطلب ما هو لها". فهي انفتاح على الآخر، وتضحية بالذات في سبيله. وهذا يفسر ما قاله بولس رسول الأمم: "إنّي صُلبت مع المسيح. فما أنا أحيا بعد، بل هو، المسيح، يحيا فيّ. وإن كنت الآن أحيا في الجسد، فإنّي أحيا بالإيمان بابن الله، الذي أحبني وبذل نفسه عني"(غلاطية 2: 20).
دعوتي ككاهن، راهب، راهبة هي أيضاً صليب وقيامة، يطلب منّا أن نموت أولا لنولد من جديد في المحبة. لنتذكّر معاً يوم جمع المسيح التلاميذ في العلية، آنذاك فتح يسوع قلبه لتلاميذه وأخبرهم بسر الفداء، لقد كانت ساعة اختلط فيها الحزن والفرح، ساعة ظلام وضياء. في خضم حزن الفراق تغلب الحبّ والرّجاء: "فأي حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه؟"، "أنتم تحزنون الآن ولكني سأعود فأراكم فتفرح قلوبكم وما من أحد يسلبكم هذا الفرح" (يو16/20).
في هذا الاجتماع أسّس يسوع سرّ الليتورجيا عندما "أخذ خبزا وبارك ثم كسر وناول تلاميذه، وقال: خذوا فكلوا، هذا هو جسدي. ثم أخذ كأساً وشكر وناولهم، وقال: إشربوا منها كلكم، هذا هو دمي، دم العهد يراق من أجلكم لغفران الخطايا" (متى 26/26-28).
إنّ حياتنا كمكرسين هي صورة لذلك اللّقاء، الذي جرى في العلية، فهي مزيج من الصليب والقيامة، من الألم والفرح، من التغرب والواقع، من الصحراء والواحة. فيسوع يدعو المكرس ليحمل كل يوم، ليس فقط صليبه بل صليب الآخرين أيضاً، وهذا يتطلّب منّا شجاعة وسخاء: "صليبي لين وحملي خفيف" (متى11/30). أمّا أنا فمعاذ الله أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، فإنّي أحمل في جسدي جراحات يسوع ربي" (غلا 6/17). بدون شك تعرفون أن هذا الألم والصليب والموت يولد فينا الحياة والخلاص: "هذا الكنز نحمله في آنية خزفية ونحمل في أجسادنا كل حين موت المسيح، لتظهر في أجسادنا حياة المسيح أيضاً" (2كو 4/7-11).
علينا إذن أن نتخلّى عن ذاتنا وأن نولد كل يوم من جديد لنتخذ لنا حياة جديدة: "من لا يولد من جديد لا يستطيع أن يدخل ملكوت السماوات" (يو3/3)، "إنّ حبة الحنطة التي تقع في الأرض، إن لم تمت، تبق وحدها. وإذا ماتت أخرجت ثمراً كثيراً" (يو12/24)". "يقول لنا القديس بولس: "إنّ روح الله يثمر فينا ثماراً خاصّةً تسهل معرفتها. فثمار الروح هي: المحبة، الفرح، السلام، الصبر، اللطف، التواضع، كرم الأخلاق، المثابرة، اللين، الإيمان، الوداعة، العفاف، الاعتدال والطهارة" (غلا 5/22). "أنتم الذين اختارهم الله فقدسهم وأحبهم، إلبسوا عواطف الحنان، واللطف، والتواضع، والصبر. احتملوا بعضكم بعضاً، واصفحوا بعضكم عن بعض إذا كانت لأحد شكوى من الآخر. فكما صفح الرب عنكم، اصفحوا أنتم أيضاً. والبسوا فوق ذلك كلّه ثوب المحبة فإنّها رباط الكمال" (كول 3/12).
إنّ روح الله يوحد الأخوة معاً ويصهر القلوب والنفوس ويجعلنا واحدا. إنّ صلاة يسوع بعد العشاء السري: "ليكونوا بأجمعهم واحداً هي حاجة ماسة علينا أن نفهمها ونعيشها، فليس مهما أن ننادي وندعي بأنّنا أخوة متحدين معا ومع أسقفنا ولكن المهم أن نكون متّحدين معاً بروح واحد وفكر واحد وحب واحد بيسوع المسيح.
والكاهن هو رجل مشاركة، لذلك لا يمكنه أن يعبر عن حبه للمسيح وللكنيسة بدون أن ينقل بواقعية وبدون شروط حبه للكل وبدون تمييز، فالكاهن مثلاً هو كالمسيح يجب أن يكون في وسط رعيته مع المؤمنين، الذين أوكلهم الله إلى عنايته. بقدر ما يكون موحداً عائلات الرعية ويجلبهم إلى الكنيسة، يصير جسراً بين الله والإنسان ويصير أخاً، أباً ومعلماً للانسان. على الكاهن أن يقود الآخرين، فيساعدهم ليكتشفوا معنى حياتهم ويجعلهم يلتقون شخصيّاً مع المسيح. بهذا يضع ذاته كخادم لشعب الله ويقدم نفسه كخبير في الإنسانية، كرجل الحقيقة والمشاركة وكشاهد يتضرع باستمرار إلى الراعي الأول من أجل خير كل واحد من رعيته. وهكذا ترى الرعية غيرته وجهوزيته وعمله التبشيري وحبه اللامحدود. على الكاهن أيضا أن يقيم علاقات خاصة مع أخوته المكرسين ويظهر لهم الكثير من التقدير لعملهم الروحي والرعوي ويحترم مواهبهم الخاصة. وبتعاونه معهم تبدو الحياة المكرسة أكثر إشراقاً، وهذا يكون لخير الكنيسة كلّها، وبخاصّة يبدو أكثر جاذبية للأجيال الجديدة.
نحن في زمن القيامة وهو أجمل وقت نتعلم فيه كيف نحيا مع المسيح، فالقيامة تجعلنا ننقاد إلى روح الرّب وتصيرنا بنعمة الروح القدس أبناء حقيقيين، كما كتب بولس الرسول في رسالته إلى مسيحيي روما: "إنّ الذين ينقادون إلى روح الله يكونون حقّاً أبناء الله. لم تتلقوا روحاً يستعبدكم ويردكم إلى الخوف، بل روح يجعلكم أبناء" (روم8/14). فلا تيتم بعد الآن ولا حزن ولا انغلاق، لأنّ القيامة أولدتنا من جديد وحررتنا وأفاضت فينا الحياة."
بعدها، كانت قراءة لرسالة القديس يوحنا فم الذهب من المطارنة معوض، الصوري وسفر.
وفي نهاية اللّقاء، كانت كلمة للأمين العام للمدارس الإنجيلية في لبنان الدكتور نبيل كوستا، الذي تحدث عن "النشاط الذي ينظّمه مركز سكيلد في مطرانية سيدة النجاة في زحلة يوم السبت 14 نيسان 2018 تحت عنوان "التنوع...معرفة علمية ورسالة روحية. ويأتي هذا النشاط ضمن حملة اليوم الوطني للتلامذة ذوي الصعوبات التعليمية، ويتخلله ورش عمل علمية وعملية تهدف إلى دمج الأولاد على اختلاف قدراتهم في ألأنشطة الكنسية، المدرسية وفي المجتمع."
ودعا الجميع إلى "المشاركة في النشاط الأول من نوعه في البقاع".
وكان للمطران درويش كلمة شكر فيها باسم المطارنة، الأب بطرس عازار الذي كان أمين سر مجلس أساقفة زحلة والبقاع منذ تأسيسه ولغاية اليوم، وتمنّى له التوفيق في مهامه.