درويش في عيد الدّنح: لتعزيز روح الإخاء ونبذ التّفرقة والعدواة
وللمناسبة، ألقى المطران درويش عظة قال فيها: "أحيّيكم جميعًا في عيد الظّهور الإلهيّ، المعروف شعبيًّا بعيد الغطاس، سمّته الكنيسة بعيد الظّهور لأنّ الله ظهر للبشريّة بأقانيمه الثّلاثة، واتّخذ له تسمية شعبيّةَ بعيد الغطاس لأنّ المسيح غَطَسَ في ماء الأردنّ معتمدًا من يوحنّا المعمدان، ومعكم أرحّب بأصدقائنا من مجلس العموم البريطانيّ، وأشكر تلبيتهم الدّعوة لزيارة زحلة والأبرشيّة، كما أشكر حضور السّيّد نيفيل كيرك سميث، مدير مكتب "عون الكنيسة" في بريطانيا، هذه الجمعيّة التي تقف إلى جانب الكنيسة في الشّرق وتساهم في بناء الكنائس والمساجد والمساكن في سوريا والعراق، وتساهم بشكل كبير في أعمالنا الإنسانيّة.
ظهر لنا الآب السّماويّ عندما انفتحت السّماوات عند معموديّته ونادى بأنَّ "هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت" (متّى 3/17). يقول القدّيس يوحنّا فم الذّهب إنّ "الصّوتَ وحدَه لم يكن كافيًا.. لذلك نزلَ الرّوح القدس بشكل حمامة، فلفت الأنظار إلى يسوع وبيّن بوضوح الإشارة إلى يسوع المعتمِد لا إلى يوحنّا المُعَمِّد.
الظّهور إذًا هو ظهور الثّالوث الأقدس، إلهًا واحدًا، هذا الظّهور يُبيّن ويُظهر أنّ الله محبّة، أحبّ الإنسان، وأراد أن يقول له أنت أيضًا ابني الحبيب.
الله محبّة ومحبّة فقط، ظهر لنا ورفعنا إليه وشاركنا بملكوته السّماويّ، صرنا أحبّاءه وهو ينتظر منّا أن نقابله بالمحبّة، ينتظر منّا أيضًا أن نسير سيرة حسنة ليتوافق قلبنا مع قلبه. نصلّي لنحب الله، نفعل الخير لنحبّ الله، نصوم لنحبّ الله ونُحبّ قريبنا لنرى فيه وجه الله. فكلّ عمل لا يُزيد حبّنا لله هو باطل ولا منفعة فيه ولا يؤتي بثمر.
في عيد الظّهور الإلهيّ أنار الله الإنسان "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور النّاس" (يوحنّا 4/4) النّور الحقيقيّ هو يسوع المسيح "الّذي ينير كلَّ إنسان آت إلى العالم" (يوحنّا 4/5).
المشكلة الّتي نعيشها في هذه الأيّام أنّ الإنسان يختار العمى الرّوحيّ وهو لا يكترث لوجود الله ولا يريد أن يفهم سرّ الله، كثيرون هم الّذين يحبّون الظّلمة وأعمال الظّلمة.
في هذا العيد نتذكّر ما قاله يسوع لنيقوديموس بأنّ الولادة الجديدة شرط أساس لنصير أبناء الله وللدّخول إلى ملكوت الله: "أَلحقَّ الحقَّ أَقولُ لكَ: ليسَ أَحدٌ يَقْدرُ أَنْ يُعايِنَ مَلكوتَ اللهِ، ما لم يُولَدْ مِن فَوْق". (يوحنّا 3/3)، و"ليسَ أَحدٌ يَقدِرُ أَنْ يدخُلَ ملكوتَ السَّماواتِ، ما لم يُولَدْ منَ الماءِ والرُّوح (يوحنّا 3/5). كلّ الّذين يقبلون يسوع ملكًا وإلهًا يعطيهم نعمة ليصيروا أولاد الله (يوحنّا 1/11)، "لأَنَّكم، أَنتم جميعَ الّذينَ اعتمدوا للمسيحِ، قد لَبِسْتُمُ المسِيح" (غلاطية 3/17).
في هذا العيد نريد أن نجدّد العهد مع يسوع، وعهدنا أن نسلك في النّور كأبناء النّور. نريد أن نسهر على أن تكون سيرتنا لائقة بدعوتنا ونسهر على أن تكون توبتنا صادقة ونعيش كلَّ أبعاد شركتنا الرّوحيّة مع الله، فنحن أصبحنا بحكم المعموديّة ومسحة الميرون، أبناء الله، وصرنا قادرين أن نعيش بسلام ونكون صانعي سلام، لأنّ المسيح هو سلامُنا وجعلنا أخوة وبه ومعه انتهت العداوة بين البشر (أفسس 2 /14).
في هذا العيد أدعوكم أيضًا أن تعزّزوا روح الإخاء وأن نعمل معًا لنبذ كلّ تفرقة وعداوة ونميمة وحسد، كما طلب بولس الرّسول من تلميذه وولده تيطس، وكلّنا اليوم تلاميذ لبولس: "يا ولدي تِيطُس، لقد ظَهَرت نعمةُ الله الْمُخلِّصةُ جميعَ النّاس، مُؤَدِّبةً إيّانا لِنُنكِرَ الكُفرَ والشَّهواتِ العالميَّة... فلمَّا ظهَرَ لُطفُ اللهِ مُخلِّصِنا ومحبَّتُه للبشر، خلَّصَنا هو، لا اعتبارًا لأعمالِ بِرًّ عمِلناها، بل بحَسَبِ رحمتِه، بغَسلِ الميلادِ الثّاني وتجديدِ الرُّوحِ" (تيطوس 2/11 و3/4).
وفي الختام، بارك درويش المياه ورشّ المؤمنين مباركًا إيّاهم في عيد الظّهور الإلهيّ.