درويش في رسالة الميلاد: يطلب منّا الميلاد هذا العام تضامنًا حقيقيًّا بين الأغنياء والفقراء
"تردّد الكنيسة على مسامعنا في هذه الأيّام إنجيل الميلاد وتخبرنا بالأحداث المتعلّقة بولادة يسوع المسيح: دعوة أغسطس للإحصاء، سفر العذراء من النّاصرة إلى بيت لحم، مغارة بيت لحم، الولادة العجيبة، الملائكة، الرّعاة وبعدها قدوم المجوس من بلاد فارس. يتحدّث الإنجيليّون عن هذا الحدث بكلمات بسيطة وسهلة الفهم ويصفون بها حدث الميلاد، لكنّنا عندما نتأمّل بها نكتشف أنّها كلمات عميقة لأنها تحدثنا عن سر عظيم يفوق إدراكنا نحن البشر، وعن تنازل الله من العلاء ليصير قريبا منا، فقد اختار أن يصير إنسانا مثلنا، أخضع جسده للألم وللموت، لكنّه أيضًا ظهر لها، فصنع العجائب، وأشبع الجياع، وأقام الأموات، وبعد ما صلب قام منتصرًا على الموت.
لن ننتهي أبدًا من التّأمّل بعظائم ميلاد يسوع المسيح، ولن نتوقّف عن التّعجّب من مدى حبّ الله لنا، إنّه حبّ عظيم ومجّانيّ ولا حدود له. والكتاب المقدّس في عهديه القديم والجديد، يروي لنا كيف قدّم يسوع نفسه مخلّصًا، فهو لم يأت إلينا إلّا ليعطينا ذاته ويشترينا بدمه الكريم وينقذنا من العدم وبخاصّة من الخطيئة. لكن مشروع الله لم يتوقّف عند هذا الحدّ فقد أراد بتجسّده أن يؤلّهنا ونبلغ بواسطته إلى الله الآب في شركة روحيّة معه كما علّمنا القدّيس أتناسيوس الإسكندريّ "الله صار إنسانًا ليصير الإنسان إلهًا."
لكن ميلاد هذه السّنة وبسبب الأزمات الّتي نمرّ بها، وبخاصّة بوجود وباء كورونا، سيكون مغايرًا عن باقي السّنوات، فلا حفلات ولا تجمّعات ولا هدايا، لكنّنا ونحن في قلب هذه الأزمات يدعونا الميلاد إلى التّركيز على المعنى الحقيقيّ لعيد الميلاد وعلى الرّسالة المطلوبة منّا لنحقّق الميلاد في مجتمعنا. فيسوع سيبقى معنا لأنّه الرّجاء الوحيد الّذي يجعلنا نتأمّل بمستقبل أفضل للإنسانيّة. وبسبب الأزمة الاقتصاديّة الّتي تعصف فينا يدعونا الميلاد أيضًا، هذه السّنة، لمزيد من التّضامن مع بعضنا البعض، تضامنٌ حقيقيّ بين الأغنياء والفقراء لنتقاسم مع المحتاجين ما جاده الله علينا.
أيّها الأحبّاء،
محبّتي الأبويّة تحثّني في هذا العيد المبارك أن أتوجّه إلى كلّ واحد منكم صغارًا وشبابًا وكبارًا، متمنّيًا أن يكون عيد الميلاد، مدخلاً لنجدّد حياتنا المسيحيّة، ونقوّي التزامنا بخدمة ومحبّة أختنا وأخينا الّذي من أجلهما تجسّد المسيح، كلمة الله الابن الوحيد. وأشاطر كلّ واحد منكم وكلّ عائلة، فرحة العيد، طالبًا من الله أن يكون مباركًا عليكم وعلى جميع أحبّائكم وليكن العام الجديد فائضًا بالخيرات والبركات بشفاعة الأمّ العذراء مريم، والدة الإله، الّتي تجسّد المسيح، خالق السّماء والأرض، من أحشائها وصار طفلاً من أجل خلاصنا.
ولننشد مع الكنيسة: المسيح ولد فمجّدوه، المسيح أتى من السّموات فاستقبلوه."