درويش في خميس الصّعود: المؤمنون وحدهم يمكنهم رؤية المسيح القائم
بعد الإنجيل، ألقى درويش عظة قال فيها: "نحتفل بصعود المسيح إلى السّماء في الأسبوع السّادس بعد القيامة. المسيح "قام وصعد بمجد إلى السّماء وجلس عن يمين الآب". هذا ما نعلنه في قانون إيماننا، وفي إنجيل الصّعود يعزّي يسوع التّلاميذ ويقول لهم إنّه عائد إلى أبيه لكنّه لن يتركهم وحدهم يتامى (يو14/18)، رغم أنّه لن يكون معهم كما كان سابقًا ولن يتمكّنوا من لمسه ورؤيته بأعينهم، لكنّه سيكون معهم بطريقة أخرى. نحتاج إلى أعين الإيمان لنشعر بحضوره بيننا: "بعد قليل لن يراني العالم، وأمّا أنتم فتَروْني حيًّا، وتَحْيَونَ أنتُم أيضًا" (يو14/19). العالم لن يرى المسيح القائم أمّا المؤمنون فوحدهم يمكنهم رؤيته، المؤمنون وحدهم يعرفون أنّ يسوح حيّ...
في حياتنا الّتي يهدّدها الموت بشكل مستمرّ، نحن المؤمنين نعرف أنّ المسيح هو في الآب وأنّنا نحن في المسيح، هذه هي تعزيتنا الّتي تركها لنا يسوع قبل صعوده. هو لن يسير معنا كما سار مع تلميذي عمّاوس، ولن نعد قادرين أن نراه في شكله الإنسانيّ، لكنّنا نعرف أنّه معنا ونحن سنكون معه. لذلك نعتبر أنّ الصّعود جعلنا نكون أقرب إليه، وصرنا قادرين أن نسمعه في دقّات قلبنا وفي تنهّداتنا وفي صلواتنا. صرنا قادرين أن نلمسه في السّلام الّذي يمنحنا، وعندما نكون في صمت وسكينة معه.
عرف يسوع أنّ غيابه سيملأ قلوب تلاميذه حزنًا وألمًا، لكنّه وعدنا بأنّ حزننا سيتحوّل إلى فرح، كالتّلاميذ عندما رُفع إلى السّماء، "رجعوا إلى أورشليم يملأُهم الفرح" (لو24/52). أو كالمرأة "حين تلد تحزن لأنّ ساعتها قد حانت. ولكنّها عندما تضعُ الولدَ تنسى شِدَّتها وتفرح لأنّها ولدتْ إنسانًا في العالم. كذلك أنتم أيضًا فإنّكم على حزنٍ ولكنّي سأعودُ فأراكم فتفرحُ قلوبُكم، وفرحُكُم هذا لا ينتزِعُه منكم أحد" (يو/16/21).
نحن بصعود يسوع وعودته إلى الآب، نختبر نوعًا من الولادة الجديدة!.. كيف لنا أن نفعل ذلك؟.. ننزع منّا هويّتنا القديمة ونزيل من حياتنا السّابقة كلّ إحباط وفشل، نزيلُ الحزن والألم من علاقاتنا الإنسانيّة المُحبِطة، ونتحرّر منها، ونُعطي لذواتنا هويّة جديدة فالمسيح صار فينا، وفرحه صار متجذّرًا فينا: "كما أنّ الآب أحبّني، أنا أيضًا أحببتُكم. فإثبتوا في محبّتي.. قلتُ لكُم هذا ليكونَ فرحي فيكم فيكونَ فرحُكم كاملا" (يو16/9). ربط يسوع المحبّة بالفرح، فمعه نكتشف الحبّ الحقيقيّ الّذي ينبُع منه فرحنا العميق.
إنّ يسوع دعانا بقيامته للمشاركة في غلبته الموت، ومن يغلُب معهُ يعطيه: "أن يجلسَ معي في عرشي كما غلبتُ أنا أيضًا وجلستُ مع أبي في عرشه" (رؤيا3/21).
بصعود يسوع إلى السّماء، نحن نحتاج إلى قوّة الإيمان وربّما إلى براءة الطّفل وبساطته حتّى نثبتَ في محبّة الله ومحبّة بعضنا البعض، نحتاج إلى قوّة من العلاء لنقتني لنا مكانًا في عرش الله. الرّوح القدس، المعزّي، هو الّذي يعلّمنا كلّ شيء، ويذكّرنا بما قاله لنا يسوع. يعلّمنا، كيف نفكّر وكيف نحبّ وكيف نفهم هذا الكلام، يُعلمنا كيفَ يكونُ لنا "فكرُ المسيح" (1كو2/12).
هذا الحسُّ الجميل بأنّنا بانتظار دائم للرّوح القدس، يجعلنا ندرك بأنّنا بحقّ نمتلك نورَ الله وحبَّهُ وسلامَهُ، لأنَّ هذه كلّها، عطايا صالحة، "تهبطُ من من فوق، من لدنكَ يا أبا الأنوار" (يعقوب1/17). آمين."