دينيّة
18 أيار 2017, 09:20

داعشيّ أنا...

داعشيّ أنا، بالآخرين المختلفين عنّي أكرهوني، والعنف في عقلي حمَّلوني، وعلى قتل الأبرياء أجبروني، خرجت من بيئة تكره السلام، مجبولة أرضي بدم الأطهار، ووسادتي مزروعة بشوك الحقد والانتقام؛ إلهي إله موت وكبرياء ودمار، صلاتي أناشيد تعصّب ورعب وترهيب، وصومي امتناع عن الحبّ والسكينة والأخوّة.


داعشيّ أنا، غسلوا دمائي بمياه القوّة والتسلّط والضغينة، ولفّوا جسدي بحزام ناسف القيم والأخلاق، وأرسلوني حاملاً التشدّد بذارًا أبذرها في كلّ مكان وزمان. داعشيّ أنا، فقدت هويّتي، أضعت ذاتي، وسجنت نفسي وراء قضبان الأنانيّة والدونيّة. 
داعشيّ أنا شوّهت صورة الخالق في داخلي، ورسمت الله وفق تصوُّراتي الذاتيّة وحجَّمته في قمقم شهواتي وملذَّاتي، وأملت حواسي إلى المتربّص بأرض البشر، وجعلت غريزتي تسير بي في صحراء إنسانيّتي المفقودة. 
داعشيّ أنا، أناشدكم من وجع الروح الملتهب في عمق كياني، سامحوني، لأنَّكم لم تقتلوا الإنسان فيكم، ولم تطفئوا شعلة الروح في داخلكم؛ بادلتموني الكره بالمحبَّة وأظهرتم لي أنَّ إلهكم إله حياة، وحضارتكم حضارة محبَّة، وإيمانكم بلسم الحياة الجديدة. جعلتم قلوبكم عروش سلام ورحمة، وبيوتكم صروح قيم وشيم وأخلاق، وساحاتكم مساحة تلاقٍ وانفتاح وحوار. حطَّمنا معابدكم المبنيَّة من حجارة، ولم نستطع أن نحطِّم الإله في حياتكم والإنسان في داخلكم. طعامنا لا طعم له وضعتم فيه ملحًا، وطرقات حياتنا ظلمة قاتلة، أضأتموها بنوركم الذي لا ينطفئ. قضينا على حضارات عمرها آلاف السنين، فكسَّرنا الآثار والتماثيل، وأحرقنا المتاحف، ولم نستطع أن نزيل حضارة المحبَّة والحياة من إنسان ينبض قلبه طريقًا وحقًّا وحياة. حاولنا أن نزرع في نفوسكم اليأس والإحباط، هوَّلنا عليكم بقوَّة السلاح وقساوة السكّين، وقبضة الجلاّد، فتمسَّكتم في داخلكم بفضيلة الرجاء والإيمان والمحبَّة، لأنَّكم تلبسون الرجاء خوذة، والمحبَّة درعًا، والإيمان سلاحًا. حاولنا تحويل حياتكم إلى موت ودمار، فإذا بكم لا تعرفون الظلمة والانكسار، لأنَّ قبركم فارغ، وصليبكم ممجَّد، وإلهكم قائم من بين الأموات.
داعشيّ أنا، جعلتموني أخاطبكم بلساني وأقول: لا تكرهوا شيئًا لعلَّه خير لكم... ولو كرهتموني وارتعبتم من وجودي وحاربتم إرهابي، فأنا خير لكم لتكتشفوا قيمة الكنز الذي تحملونه في آنية من خزف، وتحافظوا على مسيحكم لأنّه حرَّركم من سجن العبوديّة وأصبحتم تعرفون الحقّ، والحقّ دومًا يحرِّركم، فهنيئًا لكم في الحرّيّة التي إليها أتوق ولا تخافوا بل تمسّكوا بالإنسان فيكم. والسلام...