لبنان
11 شباط 2025, 07:30

خيرالله: يا أبناء مارون تعالوا نجرؤ على اتّخاذ المبادرة لإطلاق حوار وطنيّ حقيقيّ مع اخوتنا اللّبنانيّين

تيلي لوميار/ نورسات
"ماذا لو طلب منك الله، يا مار مارون، أن تعود اليوم، في عيدك، لتتفقّد كنيستك وأبناءك والشّعب الّذي يحمل إسمك؟".

بهذا التّساؤل بدأ راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله عظته خلال القدّاس الإلهيّ الّذي ترأّسه في عيد مار مارون في كفرحي.

وتابع خيرالله قائلًا: "لا شكّ إنّك ستطيع أمر الرّبّ وتنزل من سمائك، من ملكوت الله الآب الّذي استحققت أن تكون فيه بين جوق القدّيسين بفضل حياتك النّسكيّة وزهدك في العالم وقربك من الله. فكنتَ، مثل سيّدك وربّك يسوع المسيح، حبّة الحنطة الّتي وقعت في الأرض فماتت وأعطت ثمارًا كثيرة في القداسة والشّهادة للقيم الإنجيليّة.

إنّك ستراهم ضحيّة انقسامات سياسيّة ومنهمكين بلملمة جراحهم وإحصاء الأضرار الجسيمة النّاتجة عن خمسين سنة من أزمات إجتماعيّة وإقتصاديّة وماليّة متلاحقة ومن حروب مدمّرة دارت على أرضنا في لبنان ولا تزال تدور في بلدان الشّرق الأوسط وبلدان أخرى من العالم، ولا يزال الحقد والبغض والانتقام جميعها فاعلٌ في قلوب قادة العالم وبعض الشّعوب ومتسبّبٌ بالقتل والدّمار والتّهجير والإفقار وانتهاك الكرامات.

لكنّك ستراهم أيضًا يحتفلون بانطلاقة السّنة اليوبيليّة المقدّسة الّتي أعلنها قداسة البابا فرنسيس من روما "سنة الرّجاء"؛ إذ يعتبرون هذا الإعلان نبويًّا يتحققّ معه رجاؤهم بالمسيح الّذي لا يخيّب.

إنّهم يقرأون علامات الرّجاء تتجلّى في أحداث الزّمن الرّاهن، ومنها: التّغيير الجذريّ الّذي حصل في سوريا، إقرار وقف إطلاق النّار في لبنان وإسرائيل وفلسطين ولو لم تكن تامًّا وشاملًا، انتخاب رئيس للجمهوريّة وتكليف رئيس مجلس وزراء يحظيان كلاهما بثقة اللّبنانيّين والأسرة الدّوليّة ويعملان معًا على تحقيق الإصلاحات المطلوبة في سبيل إعادة بناء الدّولة ومؤسّساتها؛ بناء دولة، كما قال رئيس الجمهوريّة في خطاب القسم، على مبادئ أعلنها المكرّم البطريرك الياس الحويّك باسم اللّبنانيّين سنة 1920 في إعلان دولة لبنان الكبير حيث "العيش المشترك الّذي يشهد له جميع اللّبنانيّين هو ميزة تكشف عن تطوّر عميق عظيم التّبعات، إذ تُحلُّ الوطنيّة السّياسيّة محلّ الوطنيّة الدّينيّة، والانتماء الوطنيّ قبل الانتماء الطّائفيّ."

إنّك يا مار مارون ستدعو أبناءك وجميع اخوتهم اللّبنانيّين والمنتشرين في العالم، في هذه السّنة اليوبيليّة، إلى الانطلاق في مسيرة حجّ إلى جذورهم الرّوحانيّة والتّاريخيّة من جبال قورش إلى دير مار مارون العاصي، إلى جبال جرود جبيل والبترون والجبّة حيث تأسّست كنيستهم هنا في كفرحي مع البطريرك الأوّل مار يوحنّا مارون، إلى وادي قنّوبين حيث ترسّخت ببطاركتها ونسّاكها وقدّيسيها، وإلى كلّ بلدان العالم حيث انتشرت حاملة لواء القداسة والثّقافة والرّيادة؛ وذلك بهدف استكشاف مقوّمات الرّوحانيّة النّسكيّة الّتي وضعتَها أنت، شهادةً للمسيح المائت على الصّليب والقائم من الموت على مبادئ الزّهد والصّلاة والسّهر والصّمت العميق والانفتاح على الله وعلى الإنسان، والّتي سمحت لهم بالصّمود في وجه السّلطنات على أنواعها وبالثّبات في إيمانهم وفي وحدتهم حول بطريركهم في مواجهة الاضطهادات.

إنّك ستدعوهم، يا مار مارون، إلى وقفة ضمير، إلى فعل توبة صادق، إلى الاهتداء إلى الله وإلى بعضهم البعض، وإلى الحوار والمصالحة، لكي يعودوا إلى لعب دورهم الرّوحيّ والاجتماعيّ والثّقافيّ والوطنيّ من أجل إعادة بناء لبنان دولة الحقّ والقانون، وإلى مدّ الجسور إلى محيطهم العربيّ والإسلاميّ ليكونوا فيه رسل المحبّة والأخوّة والسّلام.

يا أبناء مارون، ويا أخوتنا اللّبنانيّين، 

تعالوا ننطلق معًا في مسيرة الحجّ اليوبيليّة لنعيش خبرة اليوبيل بكلّ متطلّباتها، الّتي تقوم على التّوبة والمصالحة والغفران، فنستغفر من الله لننال رحمته الّتي تشفينا من خطايانا ونغفر لبعضنا لبعض.

يا أبناء مارون، 

تعالوا نجرؤ على اتّخاذ المبادرة لإطلاق حوار وطنيّ حقيقيّ وصريح ومحبّ مع اخوتنا اللّبنانيّين لنعيد قراءة التّاريخ بروح علميّة ونقديّة وننقّي الذّاكرة ونتعاون على إعادة بناء وطننا لبنان في دعوته التّاريخيّة ورسالته الفريدة ليبقى نموذجًا في العيش الواحد بالحرّيّة والدّيمقراطيّة واحترام التّعدّديّة. فنسلّمه إرثًا عريقًا لأولادنا.

تعالوا نشهد معًا أنّنا أبناء الرّجاء نضع ثقتنا الكاملة بالله ونرجو بالمسيح يسوع الّذي لا يخيّب.

ونتطلّع في مسيرتنا هذه إلى العذراء مريم، سيّدة قنّوبين وسيّدة كلّ لبنان، رسولة الرّجاء الأولى، ورفيقة دربنا منذ تأسيس كنيستنا وإلى ما شاء الله متوسّلين إليه أن يبقينا رسل الرّجاء والمحبّة والسّلام."