لبنان
02 آذار 2020, 10:30

خيرالله للمسؤولين من كفرحيّ: لا أحد يفلت من الدّينونة أمام الله الدّيّان العادل

تيلي لوميار/ نورسات
ترأس راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله، قدّاس عيد البطريرك الأوّل للموارنة مار يوحنّا مارون، في الكرسيّ الأسقفيّ في كفرحيّ، عاونه فيه رئيس دير مار يعقوب- دوما الأب جورج طربيه ورئيس دير مار أنطونيوس- حوب الأب ميشال اليان، بحضور فعاليّات المنطقة وحشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى خيرالله عظة بعنوان "أنتم ملح الأرض، أنتم نور العالم"، قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "نحتفل اليوم معًا بعيد مار يوحنّا مارون شفيع الأبرشيّة والبطريرك الأوّل ومؤسّس الكنيسة البطريكيّة المارونيّة ومطلق مسيرتها من هنا من كفرحي في رسالة أمميّة حملتها إلى العالم وما زالت ملحًا ونورًا بالمسيح يسوع.

دخلنا منذ أسبوع في مسيرة الصّوم الكبير الّتي هي طريق المحبّة، كما يسمّيها قداسة البابا فرنسيس، طريق التزام المحبّة والرّحمة نحو الآخرين، وبخاصّة الضّعفاء منهم. مناسبة هذا العيد، كما مناسبة مسيرة الصّوم، تدعواننا للعودة إلى أصالة إيماننا بالله- الآب والابن والرّوح القدس- وإلى جذور روحانيّتنا النّسكيّة الّتي غرسها فينا القدّيس مارون وعلى هديها سار تلاميذه وشعبه من بعده على مدى أجيال وتقدّسوا في عيشها. وإمتازت هذه الرّوحانيّة بعيش النّسك في العراء على قمم الجبال أو في قعر الوديان، صونًا للإيمان وحرّيّة العيش بأمان وكرامة بتجرّد وصوم وسهر وصلاة وتأمّل وعمل في الأرض. وفي مواجهة تحدّيات البشر وعواصف الدّهر، من حروب واضطهادات ودمار ونزوح، صمد يوحنّا مارون وشعب مارون بفضل إيمانهم الرّاسخ وعيشهم بأمانة مقوّمات الرّوحانيّة النّسكيّة ووحدتهم الإيمانيّة وتكوكبهم حول شخص البطريرك الأب والقائد والمرجع والملهم.

في مسيرة صومنا هذه السّنة، يدعونا الرّبّ يسوع إلى أن نعبر من التّراب إلى الحياة، لأنّ الله الآب جبلنا منذ البدء من التّراب وخلقنا للحياة على صورته كمثاله، ويريد أن يخلقنا من جديد لنستحقّ الخلاص والقيامة والحياة، لا في هذه الدّنيا بل في البيت السّماويّ في الملكوت. يطلب منّا أن نتشبّه بآبائنا وأجدادنا القدّيسين فنلتزم بعيش نسكيّتنا في التّرفّع عن مغريات هذا العالم. وقبل كلّ ذلك يطلب منّا أن نعود إلى ضمائرنا ونقف أمام ذواتنا وأمام الله أبينا ونتوب عن خطايانا ونطلب المغفرة. ويذكّرنا أنّ أهل نينوى تابوا بالأصوام والمسح والرّماد بإنذار يونان، وأنّ الجيل الفاسد الشّرير يطلب آية ولن يعطى سوى آية يونان النّبيّ.  

نحن مدعوّون إذًا إلى أن يعود كلّ واحد منّا إلى ضميره ليحاسب نفسه ولا يدين الآخرين. نحن مدعوّون إلى أن نصوم لساننا، وأن نلزم الصّمت، ولو لمدّة، فالصّمت في هذه الأيّام هو ربّما أقوى من الثّرثرة وصف الكلام واختلاق الأخبار، وأن نصوم عن الحكم المتسرّع والإدانة غير المحقّة والكلام الجارح. نحن مدعوّون إلى أن نسمو بأفكارنا وأن نلجأ إلى الله فيباركنا ويقوي عزيمتنا على الصّمود، فنعمل بصمت ولكن بفعاليّة على محاربة إبليس وعملائه. فيثمر صومنا أعمال محبّة ورحمة. وإذا أردنا أن نوقظ ضمائر المسؤولين والفاسدين والطّامعين بالثّروات والمال الحرام، نقول لهم بكلام السّيّد المسيح: لا تعبدوا ربّين، الله والمال، وللرّبّ إلهكم تسجدون وإيّاه وحده تعبدون. ونكلّمهم بالأمثال، مذكّرين إيّاهم بمثل الغنيّ ولعازر، قائلين لهم: لا أحد يفلت من الدّينونة أمام الله الدّيّان العادل. وهناك، يوم الدّينونة، تنقلب كلّ المقاييس. وسيقول لكم ابراهيم من سمائه حيث تشاهدونه ولكن من بعيد، لأنّ هوّة عميقة تفصل بينكم وبينه: لقد تنّعمتم بالخيرات في حياتكم، وتعدّيتم على أموال النّاس ونهبتم المال العامّ، وصممتم آذانكم عن سماع صراخ الكثيرين مثل لعازر، وأغمضتم عيونكم عن رؤية مآسيهم اليوميّة. ولم تستفيدوا من الفرصة الّتي منحكم الله إيّاها لتسمعوا تعاليم موسى ويونان والأنبياء ولتسلكوا طريق الخير والمحبّة. توبوا إذًا منذ اليوم، ولتكن عندكم جرأة زكّا العشار التّائب لتقولوا معه: يا ربّ، ها إنّي أعطي الفقراء نصف أموالي، وإذا كنت قد ظلمت أحدًا شيئًا، أردّه عليه أربعة أضعاف. فيجيبكم الرّبّ: اليوم حصل الخلاص لهذا البيت، فهو أيضًا ابن ابراهيم.

أعطنا يا ربّ في عيد مار يوحنّا مارون وفي مسيرة الصّوم أن نعود إليك تائبين، وأن نبقى في إيماننا ثابتين، وأن نواجه تحدّيات الزّمن واقفين، فنعمل معًا موحّدين متضامنين، على إحلال المحبّة والسّلام وإعادة بناء بيتنا المشترك لبنان الوطن الرّسالة، فنستحقّ أن نكون فعلاً ورثة الّذين بنوا دولة لبنان الكبير في مناسبة المئويّة الأولى على إعلانها. وطوبى للّذين يستطيعون ويريدون أن يكونوا ملح الأرض ونور العالم".

تقبّل خيرالله بعد القدّاس التّهاني بالعيد في صالون الدّير، وكانت مائدة محبّة.