لبنان
08 تموز 2025, 06:30

خيرالله في قدّاس البحر: تعالوا نترك لأجيالنا الطّالعة ذاكرة منقّاة من كلّ حقد وبغض وانتقام

تيلي لوميار/ نورسات
على متن قارب صيد في ميناء الصّيّادين في البترون، وجريًا على العادة السّنويّة، أحيت مدينة البترون ورعيّة مار إسطفان وتعاونيّة صيّادي الأسماك والسّياحة والتّراث ذكرى الصّيّادين الّذين قضوا في البحر، خلال قدّاس ترأّسه راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله، عاونه فيه خادما الرّعيّة الخوري بيار صعب وفرانسوا حرب، والخوري أندريه ضاهر والخوري جان كحاله، وخدمته جوقة رعيّة مار إسطفان بحضور فعاليّات المنطقة وأبنائها.

بعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى المطران خيرالله عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "نحتفل اليوم، كعادتنا كلّ سنة، بقدّاس البحر، ونذكر فيه شهداءنا الأحبّاء في السّماء، وأبناء مدينتنا البترون الحبيبة، وجميع إخوتنا اللّبنانيّين الّذين لا يزالون يغامرون ويبحرون في بحر هائج وسط عواصف شديدة الخطورة تهبّ على وطننا لبنان بعد خمسين سنة على اندلاع الحرب فيه، وتهدّد كيانه وهويّته، وهم يعانون من أزمات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة. 
لكن قدّاسنا هذه السّنة له طعم الرّجاء، إذ نجدّد إيماننا وثقتنا بالرّبّ يسوع المسيح، ربّان السّفينة وقائدها، الّذي لا يخيّب من يؤمن به. إنّه يلاقينا ماشيًا على المياه فوق الأمواج ومتحدّيًا والعواصف، ويمدّ يده لينتشلنا، كما فعل مع سمعان بطرس. 
ويقول لنا: يا قليلي الإيمان لماذا شككتم؟ ثقوا، أنا هو، لا تخافوا!
وبدل أن نمدّ أيدينا إليه لينتشلنا، نرى أنّنا ما زلنا نتلهّى في صراعاتنا الضّيّقة وغارقين في تفاصيل متاهاتنا الفارغة ومهاتراتنا الكلاميّة ونتعامل بالكيديّة والانتقام السّياسيّ. ونرى أنّ بعض المسؤولين عندنا لا يزالون غارقين في الفساد وفي تأمين مصالحهم الشّخصيّة وتغذية حسابات الرّبح والخسارة ومصرّين على مقاومة كلّ محاولات الإصلاح الّتي يسعى إلى تحقيقها المسؤولون في الدّولة، بدعم من الدّول الشّقيقة والصّديقة.

هل نحن واعون أنّنا نغامر في السّفينة نفسها ونواجه المخاطر ذاتها، وجميعنا مهدّدون على السّواء بالغرق والموت؟!
إنّي أرى أنّ وضعنا اليوم هو أشبه بوضع بولس الرّسول ورفاقه عندما كانوا مُبحرين في طريقهم إلى روما، "وهبّت عليهم ريح عاصفة واندفعت السّفينة ولم تقوَ على مغالبة الرّيح. فاستسلموا إليها يُساقون على غير هدىً، وكانت العاصفة تهزّهم هزًّا شديدًا"، كما نقرأ في كتاب أعمال الرّسل. فاضطروا إلى أن يرموا الحمولة في البحر، وحتّى أغراضهم الشّخصيّة، ليُنجوا بأنفسهم من الغرق المحتّم. 

نريد اليوم يا يسوع أن نتابع الرّحلة معك من على متن هذه السّفينة، بعد أن خسرنا تقريبًا كلّ شيء، وأن نبتعد معك إلى العمق، ونترك جانبًا همومنا ومآسينا وانشغالاتنا اليوميّة وقلقنا على المستقبل والمصير، لنخوض معك مغامرة الحبّ الّذي هو وحده سترةُ النّجاة والخلاص. 
معك يا يسوع لن نيأس ولن نستسلم. كلّنا ثقة، يا معلّم، أنّك تقود السّفينة إلى ميناء الأمان وأنّك تردّد على مسامعنا كلّما اعترانا الخوف: "ستعانون الشّدّة والاضطهاد في العالم، لكن ثقوا، لا تخافوا، أنا غلبت العالم."

تعالوا يا أخوتنا البترونيّين واللّبنانيّين نخوض مغامرة الثّورة على الأنا المنغلقة على ذاتها، ونتحرّر من الخوف وروح الانتقام، ونجرؤ على مواجهة الواقع المؤلم بالإيمان والرّجاء والمحبّة. 
تعالوا نضحّي بمصالحنا الشّخصيّة، ونرمي من السّفينة كلّ ما هو ليس ضروريًّا للنّجاة، ونحتفظ فقط بما هو ضمانة لوحدتنا وللخير العامّ.

تعالوا نجلس معًا، ونعيد قراءة تاريخنا بواقعيّة وموضوعيّة وروح متجرّدة ونقديّة، وننقّي الذّاكرة، فنصل معًا إلى مصالحة وطنيّة، ونترك لأولادنا وشبابنا وأجيالنا الطّالعة ذاكرة منقّاة من كلّ حقد وبغض وانتقام، تبشّر بالاحترام والسّلام وفرح العيش معًا. 
وعند ذاك يعود الهدوء ويعود لبنان وطن رسالة، تكونون أنتم، يا صبايانا وشبابنا، أبطال العهد الجديد، وأنبياء الرّجاء، ورسل المحبّة والمصالحة والسّلام!".

وبعد القدّاس، أبحر القارب في عرض البحر لرمي أكاليل من الزّهر في المياه، تكريمًا لشهداء البحر.