خيرالله في قدّاس البحر السّنويّ في البترون: يا ربّ نجنا، ألا ترى أنّنا نهلك!
بعد الإنجيل، ألقى خيرالله عظة قال فيها: "نحتفل اليوم بقدّاس البحر السّنويّ على نيّة شهدائنا البحّارة وجميع الّذين قضوا في البحر مجدّدين إيماننا ورجاءنا بالمسيح قبطان السّفينة، بينما نحن نُبحر مغامرين في بحر هائج وسط عواصف شديدة تهبّ على وطننا لبنان، وعلى دولتنا المسرعة في الانهيار، وعلى شعبنا الّذي يعاني من أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة وسياسيّة، وحتّى من أزمة الطّحين والرّغيف، أوصلته إلى حالة ذلٍّ وفقر وبطالة وعوز لم يشهدها من قبل، وأجبرت الكثير من عائلاتنا وشبابنا ونخبة مجتمعنا على الهجرة. وهي ظاهرة تشكّل خطرًا داهمًا على هويّة لبنان ومستقبله ودوره ورسالته.
ونلاحظ أنّنا لسنا لوحدنا مبحرين في البحر الهائج، بل نرى في العالم دولاً كثيرة، وقريبةً منّا، غارقة هي أيضًا في أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة وتعاني من حروب بالواسطة أو بالتّقسيط، فقط من أجل مصالحها وحساباتها بالرّبح والخسارة، ولا يهمّها لبنان ولا أيّ بلدٍ آخر إلّا بقدر ما يخدم مصالحها.
ونحن لا زلنا نتلهّى في صراعاتنا الضّيّقة وغارقين في متاهاتنا الفارغة ومهاتراتنا الكلاميّة.
ولكن هل نحن واعون أنّنا مبحرون في السّفينة نفسها، كما يقول قداسة البابا فرنسيس، وأنّنا نواجه معًا الخطر نفسه؟
هل نحن واعون أنّنا متساوون في هذه السّفينة؟ فلا كبير فيها ولا صغير؛ ولا غنيّ ولا فقير، ولا زعيم ولا متزلّم؟ جميعنا مهدّدون بالغرق والموت على السّواء !
أرى أنّ وضعنا اليوم يشبه وضع بولس الرّسول ورفاقه عندما كانوا مبحرين في طريقهم إلى روما "وهبّت عليهم ريح عاصفة واندفعت السّفينة ولم تقوَ على مغالبة الرّيح، فاستسلموا إليها يُساقون على غير هدىً؛ وكانت العاصفة تهزّهم هزًّا شديدًا". فاضطرّوا إلى أن يرموا الحمولة في البحر، وقال لهم بولس: "إنّي أدعوكم الآن إلى الاطمئنان، فلن يفقد أحد منكم حياته؛ إطمئنّوا، إنّي واثق بالله؛ فلا يفقد أحد منكم شعرةً من رأسه!". (أعمال 27/9-37).
وأنا بدوري أتوجّه إليكم يا إخوتي وأخواتي أبناء وبنات البترون ولبنان، وبخاصّة الشّباب والصّبايا منكم، قائلاً لكم:
بالرّغم من كلّ ما تعانون، وبالرّغم من الرّياح والعواصف والأمواج الّتي تضرب سفينتنا، كنيسة المسيح، وتضرب المجتمع والدّولة والوطن، إنّي أدعوكم إلى الاطمئنان على مصيركم ومصير كنيستكم ووطنكم.
إنّي واثق بالله وبالرّبّ يسوع المسيح، فهو القبطان، وهو سيّد البحر "يأمر الرّياح والعواصف فتطيعه، ويحدث هدوء تامّ"؛ تمامًا كما وثق به الرّسل عندما "ركبوا السّفينة واضطرب البحر اضطرابًا شديدًا حتّى كادت الأمواج تغمر السّفينة". يكفي أن نفعل مثلهم ونلجأ إليه وهو في مؤخّر السّفينة، ونقول له: "يا ربّ نجنا، ألا ترى أنّنا نهلك".
فيقوم ويزجر الرّياح والبحر ويحدث هدوء تامّ". (متّى 8/23-27).
إنّه يبحر معنا، ويعيش معاناتنا، ويزجرنا قائلاً: "ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟". "ثقوا أنا هو لا تخافوا".
تعالوا نستعيد الثّقة بالقبطان يسوع المسيح.
تعالوا نرمي في البحر كلّ حمولتنا الزّائدة، وأثقالنا، ومصالحنا الخاصّة ومهاتراتنا وحروبنا الكلاميّة.
وليكن عندنا الجرأة الكافية لنطلب المغفرة من الله ومن بعضنا البعض.
فنتصالح ونتوحّد ونكتف الأيدي لنعمل معًا للخير العامّ وفي سبيل خلاصنا وخلاص وطننا والحفاظ على رسالة كنيستنا في المحبّة والانفتاح واحترام التّعدّديّة.
العواصف لن تستمرّ إلى ما لا نهاية. فهي عابرة. والخلاص قريب !
نحن في مسيرة سينودسيّة نمشي فيها معًا في اللّقاء والإصغاء والتّمييز، لنسمع صوت الله ونصغي إلى بعضنا البعض.
نريد، في إبحارنا اليوم من على هذه السّفينة، أن نبتعد قليلاً عن الشّاطئ، عن عالمنا اليوميّ وهمومنا وانشغالاتنا، وأن نُفرغ أنفسنا من كلّ حمولتها الدّنيويّة، لنختلي مع يسوع للصّلاة ولنسمعه يلقي علينا كلمة الله.
نحن نسير معًا بهدي الرّوح القدس الّذي يملأنا بأنّاتٍ لا توصف. نسير معًا لتكون كنيستنا كنيسةَ المسيح في البترون، كنيسة القرب من النّاس، كنيسةً تصغي إلى صوت الله وإلى صوت شعب الله، كنيسةً تصلي وتشهد للرّجاء، وكنيسةً تسير نحو القداسة! إنّها دعوتنا المميّزة.
إخوتنا الشّباب والصّبايا، آمنوا بقدراتكم على رفض الواقع الشّاذّ وعلى بناء مستقبل لكم في دولة حديثة، دولة المواطنة والقانون.
المهمّ أن نثبت ونبقى صامدين إلى أن تهدأ العاصفة.
وعندما يعود الهدوء التّامّ، تكونون أنتم أبطال العهد الجديد، وأنبياء الحقّ، ورسل المحبّة والسّلام.
فتبنون معًا، كمواطنين متساوين، لبنان الجديد، بشفاعة العذراء مريم سيّدة لبنان وسيّدة البحار ومار اسطفان وجميع قدّيسينا. آمين".