لبنان
29 كانون الأول 2021, 13:30

خيرالله في رسالة الميلاد: ليكون الميلاد ولادة جديدة لوطن الإنسان لبنان

تيلي لوميار/ نورسات
أمل راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله بأن يكون الميلاد "ميلاد الفرح والسّلام وولادةً جديدة لوطن الأخوّة والكرامة والحرّيّة، وطنِ الانفتاح واحترام التّعدّديّة، وطن الإنسان، لبنان"، وذلك في رسالته الميلاديّة الّتي جاء فيها:

"يولد يسوع في بيوتنا لا دفء فيها ولا نور ولا عيش كريم !

في ملء الزّمن، وبعد مسيرة انتظار عابرة للأجيال- "من ابراهيم إلى داود، ومن داود إلى سبي بابل، ومن سبي بابل إلى المسيح" (متّى 1/17)- أراد الله الآب في تدبيره الخلاصيّ أن يحقّق الوعد وأن يولد ابنُه يسوع إنسانًا كاملاً، دون أن يفقد طبيعته الإلهيّة. فإختار له سلالة بشريّة وعائلة، هي عائلة يوسف ابن داود ابن ابراهيم، وأرضًا، هي أرض فلسطين، أرض الميعاد. فأدخله التّاريخ والجغرافيا ليكرّس له انتماءه البشريّ وأخضعه للشّريعة والدّستور والقوانين.

فأطاع يوسف أمْرَ "القيصر أوغسطوس بإحصاء جميع المعمورة، وصعد من الجليل من مدينة النّاصرة إلى اليهوديّة إلى مدينة داود الّتي يقال لها بيت لحم، لأنّه كان من بيت داود وعشيرته، ليكتتب هو ومريم خطيبته وكانت حاملاً. ولمّا حان وقت ولادتها، ولدت ابنها البكر فقمّطته وأضجعته في مذود". (لوقا 2/1-7). والمولود الموعود هو يسوع "ابن الله" و"ابن العليّ"، وهو الملك الّذي "يملك على عرش أبيه داود ولن يكون لملكه نهاية" (لوقا 1/32-35)، "وهو الّذي سيخلّص شعبه من خطاياهم" (متّى 1/21). إنّه عمّانوئيل إلهنا معنا وُلد فقيرًا متواضعًا متروكًا في مذود للحيوانات "لأنّه لم يكن له في بيت الضّيافة مكان". (لوقا 2/8).

وُلد في أدنى درجات الوضع الاجتماعيّ لكي يتبنّى البشريّة كلَّها- من أفقر الفقراء إلى أغنى الأغنياء، من أضعف الضّعفاء إلى أقوى الأقوياء، من أوضع الوضعاء إلى أكبر العظماء، من أقرب الأقربين إلى أبعد الأبعدين، أبناء البيت والغرباء- لكي يمنحهم جميعًا ومجّانًا الخلاص ويدعوهم إلى الملكوت.

لم يكترث بولادته أهلُ بيته ولم يعترفوا به إلهًا ومخلِّصًا. وحدهم الرّعاة والمجوس، الغرباء عن "شعب الله"، استقبلوه ورتّلوا له المجد وسجدوا له إلهًا.

الرّعاة، "وهم يسهرون على قطعانهم في هجعات اللّيل"، سمعوا صوت الملاك يبشّرهم "بفرح عظيم يكون فرح الشّعب كلّه: وُلد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود، وهو المسيح الرّبّ... فجاءوا مسرعين فوجدوا مريم ويوسف والطّفل مضجعًا في المذود". (لوقا 2/8-16). تمامًا كما فعلت مريم لدى بشارة الملاك لها، "فمضت مسرعةً إلى الجبل إلى مدينة في يهوذا" لتقوم بخدمة إليصابات نسيبتها وهي حبلى في شيخوختها. (لوقا 1/39-40).  

أمّا المجوس "فقَدِموا أورشليم من المشرق وقالوا: أين ملك اليهود الّذي وُلد؟ فقد رأينا نجمه في المشرق فجئنا لنسجد له". (متّى 2/1-2).  

لكن هيرودس الملك لم تَرُقْ له هذه الولادة؛ فخطّط لقتل الصّبيّ لئلّا يزاحمه على عرشه. وبعد هرب يسوع إلى مصر مهجَّرًا مع يوسف ومريم، انتقم هيرودس وأمر بقتل كلّ أطفال بيت لحم.  

لم يتوقّف التّدبير الخلاصيّ عند حدث ولادة يسوع، الّذي أصبح محور البشريّة والتّاريخ، بل تحقّق بموته على الصّليب وقيامته من بين الأموات، بعد أن دعا الجميع إلى التّوبة، وبخاصّة السّلاطين والحكّام والفرّيسيين إذ قال لهم: "إذا لم تؤمنوا بأنّي أنا هو تموتون في خطاياكم" (يوحنّا 8/24).

2021 سنة مضت على ولادة يسوع، وبعضُ البشر ما زالوا يعيشون في خطاياهم ولا يؤمنون بالمخلّص الوحيد.

القيصر أغوسطوس وهيرودس وقيافا وكلّ الحكّام والسّلاطين من بعدهم ماتوا في خطاياهم: بكبريائهم، بحبّهم للمال وللمصلحة الشّخصيّة، بخوفهم على فقدِ عروشهم وكراسيهم، وبروح الانتقام الّتي كانت تسكن قلوبهم! وحده يسوع المسيح باقٍ الرّبّ والإله والملك، ملك المحبّة والرّحمة والسّلام.

وهو يولد اليوم من جديد في كلّ بيت من بيوتنا الّذي أصبح مذودًا جاهزًا لاستقباله، لا دفء فيه ولا نور ولا عيش كريم. ويولد في كلّ عائلة من عائلاتنا المحرومة من أدنى متطلّبات الحياة الكريمة، ولكن ليس من الفرح باستقبال المولود الجديد والإيمان والرّجاء بالخلاص به ومعه.

وهو يقول لنا، نحن شعب لبنان:

إذا كنتوا بردانين أنا بدّفيكن بمحبّتي المطلقة،  

إذا كنتوا جيعانين أنا بشبّعكن بخبز الحياة،  

إذا كنتوا بالعتمة غرقانين أنا بضوّيلكن بنوري يلّي ما بينطفي،  

إذا كنتوا حزنانين أنا بعزّيكن بالرّحمة الإلهيّة،

إذا كنتوا مظلومين أنا بنصُركن بعدالتي السّماويّة،  

إذا كنتوا خايفين عا حالكن وعا مصيركن ومصير ولادكن ووطنكن أنا بقوّيكن بثقتي فيكن،  

إذا كنتوا يئسانين، أنا رجاءكن. فلا تخافوا!  

ويقول لحكّامنا والمسؤولين بيننا: إستفيدوا من ولادة يسوع في وطنكم وفي شعبكم لكي تؤمنوا به وتتوبوا لئلّا تموتوا في خطاياكم!

عودوا إلى ضمائركم وتحرّروا من خوفكم على فقد كراسيكم ومراكزكم وامتيازاتكم ومن روح الانتقام السّاكنة قلوبكم، وارأفوا بشعبكم الّذي سلبتموه كلّ شيء حتّى مالَه وكرامته. توبوا وعوّضوا عليه. تخطَّوا مصالحكم الشّخصيّة وتوحّدوا في سبيل خدمة الخير العامّ وإعادة بناء لبنان وطنًا رسالة.  

رجاؤنا أن يكون ميلاد 2021، لنا ولكم وللجميع، ميلاد الفرح والسّلام وولادةً جديدة لوطن الأخوّة والكرامة والحرّيّة، وطنِ الانفتاح واحترام التّعدّديّة، وطن الإنسان، لبنان".