خيرالله في الاستقلال: لنعش فترة صمت لكي نصغي من جديد لصوت الله ونتصالح ونؤمن بانتمائنا للبنان الوطن الرّسالة
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران خيرالله عظة قال فيها:
"نلتقي اليوم مع أخويّات أبرشيّتنا جريًا على العادة في عيد الاستقلال الّتي بدأناها في ذكرى تطويب رفقا سنة 1985، لكي نجدّد إيماننا ورجاءنا ومحبّتنا وانتماءنا إلى الكنيسة. شعار مسيرتنا لهذه السّنة هو "مع رفقا نصلّي من أجل لبنان".
إنّ حضور السّيّدات النّاشطات في الأخويّات يثبت أهمّيّة دور المرأة في الكنيسة كما في المجتمع، وهذا ما اختبرناه ولمسناه في أبرشيّتنا على مدى سنتين خلال الأعمال التّحضيريّة لسينودس الأساقفة وخلال شهر تشرين الأوّل في انعقاد الدّورة الأولى للسّينودس في روما حول قداسة البابا فرنسيس وفي حضور ممثّلين عن كلّ الكنائس في العالم.
في إنجيل اليوم، وهو إنجيل عيد القدّيسة رفقا، نسمع يسوع يقول إنّ مرتا مهتمّة بأمور الخدمة ومريم اختارت النّصيب الأفضل الّذي لا ينزع منها، ولنا في كلمات الرّبّ يسوع تعليم وتوصيات. نفهم أنّه علينا أن نضع كلمة الله في الصّدارة، في أولويّات حياتنا، ونختار فيها النّصيب الأفضل لأنّها غذاؤنا اليوميّ. وذلك من دون أن نهمل الخدمة مثل مرتا الّتي تقوم بواجبات المنزل والضّيافة والخدمة المضحّية والمجّانيّة. نفهم أيضًا أنّه دور المرأة في الكنيسة وفي المجتمع، في المنزل والعائلة والعمل والمدرسة والجامعة. عليها أن تربّي بشهادة حياتها حيث تعيش أوّلاً إيمانها بالله واستنادها على كلمة الله تتغذّى منها لتقوم بواجباتها الكنسيّة والعائليّة والاجتماعيّة، فتؤدّي الخدمة المطلوبة منها وتربّي على الخدمة المجّانيّة من أجل الخير العامّ. فالأجيال تحتاج إلى شهادة صادقة في الخدمة، خارجة عن الأنانيّة والمصلحة الشّخصيّة.
نحن مدعوّون اليوم إلى أن نضع أنفسنا في حالة إصغاء لسماع كلمة الله ومن ثمّ لسماع بعضنا البعض. وهذا يفترض أن نلجأ إلى الصّمت لكي نصلّي ونسمع، فنتوصّل إلى تمييز إرادة الله في حياتنا، وإرادته هي أن ننال الخلاص. هذه هي الرّسالة الّتي يوجّهها إلينا يسوع المسيح إليوم نحن اللّبنانيّين في عيد الاستقلال، وهذه هي رسالة القدّيسة رفقا لنا، هي الّتي عاشت حرب 1840-1860 وعرفت كيف تلتجئ للرّبّ وتطلب عنايته وتعيش الغفران والمصالحة واليوم هي تشهد معنا من السّماء للحرب الّتي لم تنته منذ 48 عامًا. ونسأل لماذا؟ والجواب الأسهل لدينا نحن اللّبنانيّين أن نرمي التّهم على غيرنا ولكن لماذا لا نحمّل أنفسنا المسؤوليّة ونحن بحاجة إلى فعل توبة لأنّنا ابتعدنا كثيرًا عن ربّنا وتخلّينا عن التزامنا بإيماننا وبمندرجات غنى الإيمان والمحبّة والرّجاء، وقد نكون وصلنا إلى اليأس واستسلمنا لهذه الحالة الّتي نعيش فيها ولم نعد نسمع بعضنا لبعض، ولم نعد نعرف أن نصغي ونحترم بعضنا، وأن نتحاور مع بعضنا البعض، وأن نسامح بعضنا البعض. في كلّ ذلك، نحن مخطئون. اليوم نقف في عيد الاستقلال الـ80 أمام ربّنا وأمام ذاتنا وأمام بعضنا البعض ونطلب المغفرة من الله والجرأة لكي نغفر لبعضنا البعض ونفتح قلوبنا ونجري حوارًا صريحًا، صادقًا بالمحبّة. وعندها ننقّي الذّاكرة من كلّ ما تعلّق فيها من أحقاد وضغائن ونعود معًا للسّير نحو بناء لبنان جديد يستحقّه أبناؤنا وأحفادنا لكي يعيشوا فيه بكرامة.
نطلب اليوم من الرّبّ، بشفاعة القدّيسة رفقا، أن يعطينا نعمة المغفرة والتّواضع، ونطلب منه بنوع خاصّ، ونحن في أسبوع بشارة زكريّا، أن يرسل إلينا ملاكه لكي يقف أمامنا جميعًا، وأمام المسؤولين عنّا ويقول لهم: ستكونون صامتين، وليكن كلّ واحد منكم أبكم لا يستطيع الكلام لأنّ كلامكم حقد وكراهيّة واصمتوا وعودوا إلى ذواتكم وقوموا بفعل توبة، لأنّ النّصيب الأفضل أراده الرّبّ لنا جميعا، نحن وأنتم، وليس فقط لمريم ولرفقا، ولكلّ قدّيسينا وشهدائنا. لنعش فترة صمت لكي نصغي من جديد لصوت الله ولبعضنا البعض ونسامح ونتصالح ونؤمن بانتمائنا للبنان الوطن الرّسالة، وهو انتماء يجب أن يكون فوق كلّ انتماءاتنا الأخرى، كما أراد البطريرك الياس الحويّك عندما طلب إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920، لبنان لجميع أبنائه. هذا هو معنى الاستقلال الّذي يحتاج إلى تضحيات وجهود جبّارة منّا جميعًا، لا من أجل مصالحنا الضّيّقة بل من أجل لبنان ومن أجل الخير العامّ ومن أجل دولة في لبنان، دولة المواطنة والقانون يعيش فيها كلّ لبنانيّ ولبنانيّة بحرّيّة وكرامة".