دينيّة
13 حزيران 2021, 07:00

خاصّ– الحلّاق: أسرار الملكوت تتجلّى من خلال العيش في الحبّ

غلوريا بو خليل
"في زمنٍ بات فيه الابتهاج بعيدًا عن واقعنا اليوميّ، وأصبح الإحباط رفيقنا حيث لا حديث إلّا عن كلّ ما هو سلبيّ، وغمر قلبنا الحزن والغمّ... يدهشنا ابتهاج يسوع بالرّوح القدس ويدفعنا لنعيد النّظر بموضوع ابتهاجنا وبسبب فرحنا الحقيقيّ. هذا التّأمّل ليس محاولة للخروج من الواقع، إنّما هو إعادة توجيه البوصلة لندخل من جديد في تواصل وحوار مع الحقيقة الّتي تكشفها لنا الحياة يومًا بعد يوم. نعم، البحث والتّأمّل في الحقيقة، ولو لبضعة دقائق، بعيدًا عن الأوهام والأكاذيب الّتي تأسر قلوبنا وعقولنا وأفكارنا." بهذا الوصف الدّقيق لواقعنا الأليم استهلّ الخوري المعاون في رعيّة مار بطرس وبولس – الأشرفيّة الخوري كريستيان الحلّاق تأمّله الرّوحيّ للأحد الرّابع من زمن العنصرة للقدّيس لوقا (10/ 21 – 24).

وتابع: "أولى وصايا الرّبّ هي: "أحبب الرّبّ من كلّ قلبك وكلّ نَفسك، وكلّ قدرتك وكلّ فكرك..." (لو 10، 27). هذه القوّة الّتي وهبنا إيّاها الله، معطينا من خلالها إمكانيّة اتّحاد النّفس بخالقها - مصدر سعادتها الحقيقيّ -، باتت مشغولة بأمور كثيرة غير أنّ المطلوب واحد. لم يكن ابتهاج يسوع مرتبطًا بكمال صحّته الجسديّة أو بوفرة خيرات هذه الدّنيا، إنّما بفعل الرّوح، روح الله، روح الحرّيّة، حرّيّة أبناء الله. فلم ينفصل فكر يسوع الابن وقلبه وعقله عن قلب وفكر الآب. فإنّ الابن، يسوع المسيح، أراد أن يكشف لنا، نحن الّذين أصبحنا أبناء الله بِنَيْلنا الرّوح القدس في العماد المقدّس، عن مشيئة الله ألا وهي تقديسنا. تقديسنا بفعل الحبّ، الّذي هو جوهر الله، الحبّ الّذي يجمع الآب والابن بالرّوح القدس. وهذا ما أراد أن يكشفه الله، في الابن بفعل الرّوح القدس، للإنسان صورته ومثاله في الحبّ."

وأضاف: "الرّوح الّذي حلّ على الرّسل القدّيسين ومريم العذراء في العلّيّة، هو الرّوح ذاته الّذي يسكن فينا بفعل المعموديّة. وهذا الرّوح يتوق ليملأنا كما ملأهم فرحًا وجرأة لإعلان أسرار ملكوت الله في العالم أجمع بالقول والفعل. إنّ أسرار ملكوت الله، تجلّي الحبّ الإلهيّ، بحاجة إلى قلب طاهر كقلب الأطفال، قلب شفّاف لا يحمل الخداع، قلب قابل للتّعلّم، بعيدًا عن التّصلّب الّذي أصاب الكثيرين فجعلهم حكماء وفهماء بنظر أنفسهم ملبّين بذلك رغبة العالم. أن نكون أطفالًا هو شرط أساسيّ لقبول هذا الحبّ؛ فكما أنّ الطّفل يستقبل الحبّ بدون حساب، كذلك نحن الأبناء نقبل حبّ الله واثقين أنّه يمحو آثامنا بمجرّد أن نتوب إليه. أليس هذا الغفران الّذي يعيد إلينا رسالتنا وهويّتنا هو سبب سرور بالرّوح؟ أن نفكّر بأنّ الله يرغب بجعل قلوبنا مسكنًا له ولأبيه، أليس هذا مصدرًا للابتهاج؟ أن نكون هيكلًا لهذا السّرّ الإلهيّ وإناءً مختارًا منه وله؟"

وعن ماهيّة الحبّ وأسراره استطرد موضحًا: "إنّ أسرار الملكوت تتجلّى من خلال العيش في الحبّ. والعيش في الحبّ الحقيقيّ على الأرض ليس البحث عن رفاهيّة شخصيّة، إنّما هو الارتقاء في صعود جبل الجلجلة مع يسوع، والنّظر إلى الصّليب نظرتنا إلى كنز، تمامًا كما كانت تتأمّل القدّيسة تريزيا الطّفل يسوع الكرمليّة. العيش في الحبّ هو عطاء بدون حساب، حتّى بذل الذّات لأجٍل من نحبّ. أمام هذه الأسرار يمكن أن يكون موقفنا تمامًا كموقف بعض التّلاميذ الّذين تخلّوا عن يسوع لاحقًا قائلين: "إنّ هذا الكلام كلام صعب، من يطيق أن يسمعه؟" (يو 6، 60). نعم، إنّه كلامٌ صعب ومَن يطيق أنّ يسمعه، لأنّ حكمة الله بعيدة عن حكمة هذا العالم و"كلمة الصّليب عند الجاهلين حماقة وأمّا عندنا نحن المخلّصين فهي قوّة الله" (1قو1، 18)."

وبمناجاة قلبيّة اختتم الخوري الحلّاق تأمّله قائلًا: "نصلّي في هذا اليوم المبارك طالبين من الله، إله المحبّة، خالقنا وفادينا، أن يفيض في قلوبنا روحه القدّوس، فيذكّرنا بأنّنا جُبلنا وخُلقنا بفعل الحبّ، وبأنّ غاية وجودنا هي الارتقاء جسدًا ونَفسًا لنتّحد بالله. فلا يعود هذا العالم مصدر قلق وخوف، وإنّما فسحةً زمنيّة لنكون فيها منارةً للحبّ الإلهيّ نضيء فيه كالنّيّرات. يا روح الله، روح المعرفة، اجعلنا تلاميذك فنتعلّم فنون الحبّ، اجعلنا أطفالًا يقبلون أسرار الله فنصل إلى قلب الحكمة والسّعادة الحقّة، حيث نعيش في الحبّ والحبّ يعيش فينا."