دينيّة
22 آب 2021, 07:00

خاصّ– أبي عون: مرتا ومريم تمثّلان مسارًا روحيًّا تاريخيًّا... "الصّلاة والعمل"

غلوريا بو خليل
أمام شغف مريم بالإصغاء إلى كلمة يسوع وشغف مرتا بالاهتمام به وحسن ضيافته، نتساءل تصرّف أيّ منهما كان الأفضل. ولكن لو جمعنا هذين الشّغفين وأعطينا كلٍّ منهما حقّه بتفانٍ لرأينا توازنًا وتكافلًا رائعين يقوداننا إلى الطّريق الصّحيح، طريق المحبّة الحقّة. وما أحوجنا اليوم في لبنان والعالم لعيش هذين الفعلين، الصّلاة والعمل، بتناغم وعمق لننهض بالإنسانيّة ونرتقي بها إلى قلب الآب. نعم، في الأحد الرّابع عشر من زمن العنصرة، ومن خلال إنجيل القدّيس لوقا (10/38 – 42)، نجد جوابًا على أهمّيّة هذين الدّورين الأساسيّين المرتبطين للمضيّ قدمًا في حياتنا على أسس متينة. وللتّعمق في هذا الإنجيل، كان لنا حديث مع رئيس أنطش سيّدة التّلّة - دير القمر وخادمه، الرّاهب المارونيّ المريميّ الأب جوزف أبي عون الذي شرح قائلًا:

"بعد هذا الحدث للرّبّ يسوع هنا في الإنجيل وموقفه تجاه مرتا، نرى أنّ كلامه لها ارتقى عبر كلّ الأجيال إلى مستوى الأقوال المأثورة، بحيث صار كلّ من يريد أن يوجّه ملاحظة لأحد ما أو خصوصًا لسيّدة تهتّم كثيرًا ولا "تجلس معهم"، يقول لها: مرتا مرتا تهتمين بأمورة كثير والمطلوب واحد…

في الواقع، إذا قرأنا جيّدًا جواب المسيح لمرتا وتعمّقنا به، نكتشف أمرًا آخر فيه الكثير من الأهمّيّة. يسوع، مثلاً، لم يقل لها "توقّفي عن الخدمة، أو لا تهتمّي بعد، ولا حتّى كان في كلامه تجريح أو توبيخ".

بالعكس، نرى شيئًا من الإشادة والثّناء لما تقوم به، إذ كان يعرف في قرارة نفسه أنّ مرتا كانت تقوم بكلّ هذا حبًّا به واحتفاءً لوجوده في بيتها. فلم يرد أن يكسر من خاطرها، ولا أن يقلّل من شأنها، فأجابها، بحبّ واحترام، على اعتراضها الانفعاليّ ببقاء أختها أمامه وعدم قوله لها بأن تساعدها في خدمة المطبخ "مرتا مرتا إنّك تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد…"، أيّ ما تقومين به يا مرتا مشكورة عليه. أنا ممتنٍ لك ومقدّر لك تعبك وخدمتك وتحضيرك الاحتفاليّ لي بالأكل والشّرب، لكنّك تهتمّين فوق الحاجة وبأمورٍ تُلهيك الآن عن سماع كلامي، بينما أختك مريم "اختارت النّصيب الأفضل الآن". كأنّه أراد بهذا الجواب إفهامها بأنّ للوقت أهميّته القصوى، والوقت في تلك اللّحظة تكمن أهميّته بالجلوس إلى جانبه والإصغاء إلى كلامه، وليس إعطاء كلّ الوقت لخدمة المطبخ.

كان يسوع يدرك أهميّة الخدمة عامةً والخدمة في المطبخ خاصّة. فعندما أعلمته أمّه مريم في عرس قانا الجليل عن فقدان الخمر هادفةً بذلك التّدخّل وصنع المعجزة، لم يُجبها بـ"أنّك تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد…"، بل عدّل في توقيت ساعته واجترح الآية الأولى بتحويله الماء إلى الخمر فأكمل الفرح في العرس واكتمل… فكان هو الخمرة الجديدة والفرح الحقيقيّ.

مرتا ومريم تمثّلان مسارًا روحيًّا تاريخيًّا طبع قسمًا كبيرًا من أنماط الحياة الرّهبانيّة حيث كان العنوان الرّئيسيّ "الصّلاة والعمل". عندما نصلّي نعطي الوقت الكافي للصّلاة وعندما نعمل نعطيه أيضًا الوقت الكافي للعمل. فلا نعمل عندما يحين وقت الصّلاة ولا نتحجّج بالصّلاة عندما يكون وقت العمل".

وفي الختام أعطانا الأب أبي عون الأمثولة من هذا الإنجيل وهي: "أن نضعَ جانبًا كلّ شيء يوم الأحد ونأتي إلى الكنيسة للمشاركة في القدّاس والصّلاة وسماع الكلمة والتّرنيم والتّوبة وتناول جسد الرّبّ وحمل سلامه معنا إلى بيوتنا، ثمّ نقوم بعدها بكلّ ما يلزم. نجاح كلّ عائلة وكلّ مؤسّسة روحيّة ورعويّة هو في احترام هذين الدّورين في الوقت المناسب: دور مرتا ودور مريم فننال النّصيب الأفضل...".