حرارة "منعشة"
فبين حرارة الجسم الّتي إن ارتفعت أرهقته وارتدّ أثرها على صحّته سلباً، وحرارة الطّقس الّتي كلّما ارتفعت كلّما حوّلت المناخ إلى حارّ وتسبّبت بحالات اختناق لدى البشر وألهبت الأرض بنيران تأكل أحراجها وتقضي على خضارها وتمتدّ إلى بيوتها وتقتل مواسم زراعيّة بكاملها وتدمّر تعب إنسان... وكلّما أشارت تلك إلى ارتفاع كلّما انتشرت الأمراض والفيروسات في المجتمعات. حرارة واحدة إن ارتفعت عكست صحّة روحيّة وشفاء نفسيّاً غالباً ما ينتج عنه شفاءات جسديّة؛ إنّها "حرارة الإيمان".
تلك لا تُقاس لا بميزان ولا بآلة، بل بكمّ الحبّ الّذي في قلب الإنسان. حبّ يغذّيه الاعتراف بكلمة الله وعيش إنجيله وبناء علاقة شخصيّة معه، علاقة تولّد في داخله راحة وسلاماً وطمأنينة وثقة كبيرة بالرّبّ القادر على كلّ شيء. صلة تفعّلها الصّلاة الحارّة الصّارخة إلى الله والصّاعدة من قلب يتوق إلى الخالق.
إنّ حرارة الإيمان تنمو وتتفاعل في داخل كلّ مؤمن عبر الاعتراف بأسرار الكنيسة كذلك وممارستها، وبالأخصّ سرّي الاعتراف والإفخارستيّا؛ فيتصالح مع نفسه والله والمجتمع من خلال الأوّل وينمّي الصّلة مع الله الحيّ والحاضر في القربان المقدّس من خلال الثّاني.
وحدها تلك الحرارة لا تضرّ ولا تقتل صاحبها. بل هي تنتشله من برودة هذا العالم وتحيي كيانه كلّه وتشعل في قلبه ناراً سماويّاً قادراً أن يلفّ بلهيبه المسكونة كلّها إن عرف حاملها كيف يوقدها من حوله، نار إن ألهبت لا تحرق بل تشفي من كلّ سأم.
وكم نحن بحاجة في تلك اللّيالي الصّيفيّة أن تهبّ نسمات آتية من كلّ الاتّجاهات لترفع حرارة الإيمان في كلّ واحد منّا وتنقل العدوى إلى كلّ من يلتقي سبيلنا بسبيله؛ فيرتفع عن كلّ ما هو دنيويّ، وتنظّف نار الإيمان كلّ القشور وتنقّي البصر بعد غشاوة دامت طويلاً وتعيد البصيرة إلى فاقدها.
فهلمّ أيّها الرّوح واضرم فينا نار الحبّ وارفع حرارة الإيمان "المنعشة" واجعلها عدوى متنقّلة بيننا حتّى يصبح الكلّ قلباً واحداً ينبض باسم الله وحده!