حجّاج الرّجاء: عطيّة الحياة... رسالة البابا لليوم العالميّ للصّلاة من أجل الدّعوات
وفي تفاصيل الرّسالة، وبحسب "فاتيكان نيوز"، "تحدّث الأب الأقدس عن الدّعوة باعتبارها عطيّة ثمينة يزرعها الله في القلوب، وهي دعوة إلى الخروج من الذّات للسّير على درب محبّة وخدمة، كما وشدّد على أنّ أيّة دعوة في الكنيسة هي علامة للرّجاء الّذي يحمله الله للعالم ولكلٍّ من أبنائه.
تحدّث البابا فرنسيس بعد ذلك عن أنّ الكثير من الشّباب في زمننا هذا يشعرون بالضّياع أمام المستقبل وغالبًا ما يختبرون عدم يقين حول آفاق العمل، وبشكل أكثر عمقًا أزمة هويّة هي أزمة معنى وقيم تجعل الفوضى الرّقميّة تجاوزها أكثر صعوبة. تطرّق الأب الأقدس أيضًا إلى الظّلم الّذي يتعرّض له الضّعفاء والفقراء وإلى ما وصفها بلامبالاة رفاهيّة الفردانيّة، هذا إلى جانب عنف الحرب، وقال إنّ هذا كلّه يهدّد مشاريع الحياة الجيّدة الّتي ينمّيها الشّباب في نفوسهم. وواصل البابا أنّ الرّبّ الّذي يعرف قلب الإنسان لا يتركنا في عدم اليقين بل يريد بالأحرى أن يحفّز في كلٍّ منّا الوعي بأنّنا محبوبون وأنّنا مدعوّون ومرسَلون كحجّاج رجاء. ولهذا، تابع قداسة البابا، فإنّنا أعضاء الكنيسة الأكبر سنًّا، وخاصّة الرّعاة، مدعوّون إلى استقبال وتمييز ومرافقة مسيرة دعوات الأجيال الجديدة. وأنتم الشّباب، كتب البابا، مدعوّون إلى أن تكونوا أبطال هذه المسيرة أو بالأحرى مشاركين للرّوح القدس الّذي يحفّز لدى كلٍّ منكم الرّغبة في أن يجعل حياته عطيّة محبّة.
وواصل قداسة البابا حديثه إلى الشّباب مذكّرًا إيّاهم بأنّهم حاضر الله، وشدّد على ضرورة إدراك أنّ عطيّة الحياة تدعوهم إلى الرّدّ بسخاء وأمانة. ودعا الأب الأقدس الشّباب إلى النّظر إلى مَثل القدّيسين والطّوباويّين الشّباب الّذين أجابوا بفرح على دعوة الرّبّ. وأشار البابا فرنسيس إلى بعض هؤلاء القدّيسين والطّوباويّين الشّباب وأضاف أنّ كلًّا منهم قد عاش الدّعوة كمسيرة نحو السّعادة الكاملة في العلاقة مع يسوع الحيّ. وحين نصغي إلى كلمته تتّقد قلوبنا في الصّدور، كتب الأب الأقدس، ونشعر بالرّغبة في تكريس حياتنا لله وفي أن نكتشف بأيٍّ من أشكال الحياة يمكننا أن نبادل هذه المحبّة الّتي يهبنا هو إيّاها أوّلًا.
إنّ كلّ دعوة وحين تُلمس في أعماق القلب تجعل الرّدّ تحفيزًا داخليًّا على المحبّة والخدمة، واصل البابا فرنسيس في رسالته، وذلك كينبوع رجاء ومحبّة لا كسعي إلى تأكيد الذّات. وأضاف الأب الأقدس أنّ الدّعوة والرّجاء هما متشابكان في مشروع الله من أجل فرح كلّ رجل وامرأة حيث الجميع مدعوّون إلى تقديم الحياة للآخرين. ثمّ تحدّث البابا فرنسيس عن أنّ شبابًا كثيرين يسعون إلى معرفة الطّريق الّذي يدعوهم الله إلى السّير عليه، ويتعرّف البعض بدهشة غالبًا على الدّعوة الكهنوتيّة أو إلى الحياة المكرّسة، بينما يكتشف آخرون جمال الدّعوة إلى الزّواج والحياة العائليّة، هذا إلى جانب الالتزام لصالح الخير العامّ والشّهادة للإيمان وسط الزّملاء والأصدقاء. وشدّد قداسة البابا في رسالته على أنّ كلّ دعوة يحرّكها الرّجاء الّذي يترجَم إلى ثقة في العناية الإلهيّة. وواصل أنّ الرّجاء بالنّسبة للمسيحيّ هو أكثر من مجرّد تفاؤل بشريّ، فهو بالأحرى يقين متجذّر في الإيمان بالله الّذي يعمل في تاريخ كلّ شخص. وهكذا فإنّ الدّعوة تنضج من خلال الالتزام اليوميّ بالأمانة للإنجيل، بالصّلاة والتّمييز والخدمة. وأكّد قداسة البابا على أنّ الرّجاء في الله لا يُخيِّب لأنّ الله يقود خطوات مَن يوكل ذاته إليه، وأضاف أنّ العالم هو في حاجة إلى شباب يكونون حجّاج رجاء شجعاء في تكريس الحياة للمسيح ممتلئين فرحًا بكونهم تلاميذه ومرسليه.
هذا وكان تمييز مسيرة الدّعوة من النّقاط الّتي تطرّق إليها البابا فرنسيس في رسالته، وكتب في هذا السّياق أنّ اكتشاف الدّعوة يتمّ من خلال مسيرة تمييز وأضاف أنّ هذه المسيرة لا تتمّ أبدًا بشكل فرديّ بل تتطوّر داخل الجماعة المسيحيّة ومعها. وتابع البابا قائلًا للشّباب إنّ العالم يدفعهم إلى اتّخاذ قرارات متعجّلة وإلى ملء أيّامهم بالضّجيج حسبما كتب، ما يَحول دون أن يختبروا ما وصفه بالصّمت المنفتح على الله الّذي يخاطب القلب. دعاهم الأب الأقدس بالتّالي إلى شجاعة التّوقّف والإصغاء إلى ما في داخلهم، وإلى سؤال الله عمّا يحلم به من أجلهم، وأكّد البابا على أنّ صمت الصّلاة أمر لا غنى عنه من أجل قراءة دعوة الله والرّدّ عليها بحرّيّة ووعي.
تحدّث البابا فرنسيس بعد ذلك عن أنّ مَن يصغي إلى الله الّذي يناديه لا يمكنه تجاهل صرخة الكثير من الأخوة والأخوات الّذين يشعرون بأنفسهم مستبعَدين وجرحى ومتروكين. فكلّ دعوة تجعلنا منفتحين على رسالة أن نكون حضورًا للمسيح حيثما هناك حاجة أكبر إلى النّور والتّعزية. وأضاف قداسته أنّ العلمانيّين بشكل خاصّ مدعوّون إلى أن يكونوا ملح ونور وخميرة ملكوت الله وذلك من خلال الالتزام الاجتماعيّ والمهنيّ.
تطرّق البابا فرنسيس بعد ذلك إلى مرافقة مسيرة الدّعوات وشدّد على ضرورة ألّا يخشى العاملون الرّعويّون، وفي المقام الأوّل المرافقون الرّوحيّون، مرافقة الشّباب بثقة يطبعها الرّجاء والصّبر في التّربية الإلهيّة. ويعني هذا أن يكونوا بالنّسبة للشّباب أشخاصًا قادرين على الإصغاء والاستقبال المميَّز بالاحترام يمكن للشّباب الثّقة فيهم، أن يكونوا مرشدين حكماء مستعدّين لمساعتهم على التّعرّف على علامات الله في مسيرتهم.
وفي ختام رسالته أراد البابا فرنسيس التّأكيد على أنّ الكنيسة تصبح حيّة وخصبة حين تكون هناك دعوات جديدة، كما وسلّط الضّوء على أنّ العالم يبحث بشكل غير واعٍ غالبًا عن شهود رجاء يعلنون بحياتهم أنّ اِتِّباع يسوع هو ينبوع فرح. ودعا البابا إلى عدم التّوقّف عن أن نسأل الرّبّ عَملة جددًا لحصاده."