جامعة سيّدة اللويزة في مؤتمرٍ ساعٍ إلى إعتاق فينيق اللغة العربيّة
استُهلّ اللقاء بالنشيد الوطنيّ اللبنانيّ، ثم كان لمدير الشؤون العامّة والبروتوكول في الجامعة الأستاذ ماجد بو هدير كلمة افتتاحيّة من أبرز ما قاله فيها:
" للعربيّة خصائص ومزايا تفرّدت باجتماعها فيها عن سواها من اللغات الأخرى؛ إِذْ تَكْمُنُ بلاغتها في مزية الإيجاز والتكثيف، وتُدْهِشُكَ مُرُونَتُها في مزية الاشتقاق والتعريب، وتُبهرك باتّساعها إذا ما تعرّفت إلى مزية الترادف والمشترك اللفظيّ، ناهيك من عصبها المتين المتّكئ على مزية الإعراب، وقوّة حضورها بما في حروفها وتراكيبها من جزالة ودقّة في التعبير. وفي ذلك كلّه لا أجد أصدق من قول الشاعر إبراهيم طوقان: "فيا لغتي تيهي بِجَبْرٍ عَلى اللغى." ثمّ رحّب بو هدير بالحضور، ممثّلين لعائلة الجامعات اللبنانيّة، ومراكز البحوث ودور النشر، والدوائر الرسميّة، والطلّاب.
بعد مقدّمة بوهدير، كانت كلمة للدكتورة ماريا بو زيد عميدة كليّة العلوم الإنسانيّة في جامعة سيّدة اللويزة قالت فيها:
"إن كليّة العلوم في الجامعة أخذت على عاتقها تعزيز اللغات بمفهومها الحضاريّ كأداة تفاهم وتقارب بين الشعوب".
وأضافت: " اللغة العربيّة ذات أهميّة كبيرة...هي تُجسّد تاريخنا وهويّتنا، وتعكس رسالتنا وقيمنا".
وأكملت د. بو زيد: "بالتأكيد، تحمل اللغة العربيّة وزنًا كبيرًا بخاصّة في هذا العصر الممزوج بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ. فالأمر يتطلّب مقاربة تربويّة جديدة تضع اللغة العربيّة في مركز الاهتمام، من خلال تطوير مناهج تعليميّة مبتكرة تعزز فهمها واستخدامها في عصرنا الحديث. وهذا يستلزم تكامل الجهود بين القطاعين الحكومي والخاصّ، واستثمارًا في تطوير التكنولوجيا التعليميّة لتعزيز تعلّم اللغة العربيّة وتوفير بيئة تعليميّة تفاعليّة ومحفّزة".
وختمت العميدة: "هذه النهضة التربويّة هي خشبة الخلاص للبنان في خضم الأزمات التي يعيشها لبنان".
بدوره، قال الأب بشارة الخوري رئيس جامعة سيّدة اللويزة: " أَغْلَبُ ظنّي أنّنا متّفقون على أن لغتنا العربيّة في ورطة وفي مواجهة أزمات وتحدّيات وربّما تهديدات ذات صلة بديمومتها ومستقبلها مع كلّ ما في الأمر من خطر على الهويّة...
وهذه المسألة، في اعتقادي، تتطلّب ما هو أكبر وأبعد من مؤتمرٍ...ولو لامس المشكلة أسبابًا وحلولًا؛ غير أنّ الخروج من المشكلة بحاجة إلى عمل جماعيّ وطنيّ شامل بما أنَّ اللغة العربيّة لا تعني فردًا أو جهة أو مجموعة، بل تعني شعبًا كاملًا في تاريخه وتراثه ومخزونه الثقافيّ كما في مستقبله وفي هويّة أجياله".
وتابع الأب الرئيس: "البداية، تكون في المدرسة الابتدائيّة قَبْلَ الثانويّة وقبل الجامعة، في البيت قبل المجتمع والناس، في عدم خجل الآباء والأمّهات بلغة الأجداد... تكون في كتاب مُبسّط لا في مجلّدات وأجزاء حُشِيَتْ بما لا فائدة منه سوى تجارة الورق، في مدرسة تبيّن أهميّة اللغة العربيّة وغناها وتتشدّد في تعليمها وتعمل على اكتشاف ميول تلامذتها اللغويّة والأدبيّة وتوجّههم منذ الصفوف المتوسّطة، لا في الصفوف الثانويّة رفعًا للعتب....
وإصلاح اللغة العربيّة ونهضتها يتحقّقان أيضًا في الإعلام والإعلان "....
وختم الأب الخوري: " أرجو أن يُحقق هذا المؤتمر أهدافه ولتصل توصياته وأصداؤه إلى البعيد وبخاصّة إلى مَنْ هُمْ في السلطة ومراكز القرار من حكومة وبرلمان من وزراء معنيّين ونوّاب وقيّمين على المدارس والجامعات...في زمنٍ بات بحاجة إلى إعادة تصويب بوصلة الأولويّات على الصعد جميعها."
ثم ألقى الفنّان جهاد الأطرش قصيدة في هذه المناسبة.
تضمّن هذا المؤتمر محورين:
المحور الأوّل: واقع تعليم اللغة العربيّة وآدابها، والرؤى المطروحة. قدّمته الدكتورة نهال الخوري الشمالي، قالت:
"اليوم، ينبغي الوقوف عند الأثقال التي ترزح هذه اللغة تحت وطأتها، بسبب منافسة اللهجات العاميّة وما تُنتجه من ازدواج لغويّ، واللغات الأجنبيّة كالإنكليزيّة والفرنسيّة، أضف إليها هذا اللغويّ الهجين الذي اقتحم يوميّات العربيّ، واحتلّ صفحات تواصله الافتراضيّ.
وأضافت: " لقد أثبتت التجارب الدوليّة المعاصرة، بما لا يدعو مجالا للشكّ، أنّ بداية التقدّم الحقيقيّة للأمم، بل الوحيدة، هي التعلّم. فهو يمثّل الاستراتيجيّات القوميّة الكبرى لدول العالم المتقدّم والنامي على حدّ سواء، نظرًا لما يؤدّيه من أدوار محسوسة في العمليّات التنمويّة".
أمّا المحور الثاني فتطرّق الى واقع تأليف اللغة العربيّة وآدابها: تحدّيات وآفاق، حيث أشارت الدكتورة الشمالي الى أنّ: "الكتابة هي إحدى وسائل الاتّصال اللغويّ. وهي تتمتّع بالخصائص والمميّزات التي تجعلها تحتلّ مكانة عظمى بينها. ومع أنّ الكلمة المنطوقة أخذت تجد مكانتها اليوم عبر وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعيّ، إلّا أنّ الكلمة المكتوبة تبقى راسخة، فهي مرتبطة بالبقاء الأطول. والكتابة، إلى جانب كونها وسيلة اتّصال لغويّ، فهي وسيلة لحفظ اللغة والأدب، ونقل تراث الأجيال، ووسيلة لحفظ العهود والمواثيق".
كذلك، وفي إطار المؤتمر، تمّ عرض مهارت لغويّة من قبل الطلّاب، على خشبة المسرح في قاعة عصام فارس، من إعداد د. سلمى عبد الله أستاذة مشاركة في جامعة سيّدة اللويزة ومنسّقة دائرة اللغة العربيّة فيها التي بدورها قالت: "المسرح التعليميّ يُعتبر دعامة بارزة من دعائم التربية والتعليم، لأنَّه يُثري المناهج التربويّة، ويحوّلها من سياقها التقريريّ، إلى بنية جماليّة ناطقة. وهو يُخرج المادة الدراسيّة، من المجالات الضيّقة المحدودة، إلى صور متحرّكة شيّقة، ما يجعلها أكثر حيويّة وإقناعا، وأيسر فهمًا وترسيخا في الأذهان...وفي موضوعنا الراهن، اللغة، فإنّ المسرح التعليميّ يعتقها..."
وعرّفت العرض المسرحيّ بـعنوانه "مهارات لغويّة على خشبة المسرح"، وأوضحت أنّها، فيه، سعت إلى تعليم قواعد اللغة العربيّة من خلال المسرح. وهذه المقاربة يمكن اعتمادها، في عمليّة التعلم، كتمهيد للمهارة، أو كتمكين لها، أو حتّى كشرح لها".
في الختام كان للدكتورة مايا طوني الحاج، رئيسة قسم اللغة الإنكليزيَّة والترجمة كلمة شكر وتوصيات جاء فيها:
"تحدّيات لغتنا اليوم كبيرة ...ولغتنا اليوم في خطر الإقصاء عن ساحة التطوّر والحداثة....والحاجة ماسّة إلى تضافر الجهود بين المعنيّين في القطاع التربويّ لتفعيل الربط بين اللغة واحتياجات المجتمع المستجدّة. كما تنبغي معالجة الفوضى ومواطن الضعف والخلل في المناهج التربويّة..." وهذا يطال المعلّمين وأساليب التدريس معًا ومن أوجهٍ مختلفة.
ختمت الحاج: "إيمانًا منّا بدورِنا للاضطِلاعِ بالمسؤوليّةِ الملقاةِ على عاتقنا، نبلغكم بأنَّ المبادرةَ التي أطلقنا، سوفَ تكونُ مرفقةً بإجراءاتٍ عمليّةٍ... بالتعاونِ مع المدارسِ التي شاركَت في هذا المؤتمرِ المثمر".