لبنان
12 تموز 2022, 05:00

ثلاثة مشكلات في لبنان تحدّث عنها الرّاعي في عظة الأحد، وهذا ما طالب به!

تيلي لوميار/ نورسات
في الأحد السّادس من زمن العنصرة، ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ في الدّيمان، حيث ألقى عظة تحت عنوان "ها أنا أرسلكم كالخراف بين الذّئاب" (متّى 10: 16)، كانت له فيها سلسلة مواقف، فقال:

"1. الكنيسة، بأبنائها وبناتها ومؤسّساتها، مرسلة لتنشر ملكوت الله في العالم. ولهذا السّبب تلقّى الرّفض والاضطهاد، كما ينبئ الرّبّ يسوع في إنجيل هذا الأحد. فشبّه ناشري ملكوت الله في المجتمع البشريّ بالخراف، ورافضي قيم الملكوت وناشريه بالذّئاب.  

وبما أنّ قيم ملكوت الله هي: الحقيقة، فيرفضها الكذّابون والمضلّلون؛ والعدالة فيرفضها الظّالمون؛ والسّلام فيرفضه أمراء الفتن والحروب؛ والمحبّة فيرفضها الحاقدون؛ والحرّيّة فيرفضها المستعبِدون.

أمام هذا الواقع، يجب على الكنيسة ألّا تخاف وألّا تتراجع. "فيمين الرّبّ الّتي زرعتها، هي الّتي تتعهّدها وتحميها وتوجّهها بأنوار الرّوح القدس" (راجع مز 80: 15؛ متّى 10: 19-20).  

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، ونلتمس من الله أن يغنينا بحكمة الحيّات، ووداعة الحمام، والصّبر. فبالحكمة، نتجنّب شرّ الأشرار، ونكون بحذر منهم. وبالوداعة نصمد في الإيمان والرّجاء، ولا ننقاد إلى ردّات الفعل السّيّئة. وبالصّبر نضمن الانتصار: "فمن يصبر إلى المنتهى يخلص" (متّى 10: 22). ويدعونا الرّبّ يسوع إلى الصّمود بوجه الاضطهاد ونضعه أمامنا هو الّذي قبل الآلام والاضطهاد والموت على الصّليب، من أجل خلاص العالم. وعندما يقول: "ليس تلميذ أفضل من معلّمه" (متّى 10: 24)، إنّما يعني أنّ آلامنا هي امتداد لآلامه الخلاصيّة، ومشاركة فيها.

3. إنّي أحيّيكم جميعًا، وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحوم ألبير جورج تنّوري الّذي ودّعناه مع زوجته وابنيه وابنته وأنسبائه منذ أسبوع في الدّكوانه. إنّنا نجدّد تعازينا الحارّة لعائلته، ونذكره في هذه الذّبيحة الإلهيّة راجين له من الله الرّاحة السّعيدة في السّماء، ولعائلته العزاء. ونرحّب بيننا بعزيزنا مايكل حدّاد، سفير النّيّة الحسنة لبرنامج الأمم المتّحدة لأجل التّنمية. وقد قام برحلة دامت خمسة أيّام بعكّازتيه في أعالي قطب النّروج حيث زرع "رزمة من حبّات الرّجاء". إفتتح رحلته في 2 حزيران الماضي بعد أن حظي ببركة قداسة البابا فرنسيس. ومعروف أنّ عزيزنا مايكل أصيب بالشّلل بعمر 6 سنوات على إثر حادث سير، لكنّه تخطّى شلله بقوّة إرادته، وهو مثال لنا في كلّ هذا.

4. تحتفل الكنيسة اليوم بعيد الشّهداء الإخوة المسابكيّين الثّلاثة، وهم تجّار موارنة في دمشق. وقد قُتلوا في أحداث سنة 1860 في الكاتدرائيّة المارونيّة في دمشق، كما قُتل بعض من الآباء الفرنسيسكان وعدد من المسيحيّين من سوريا ولبنان. لقد توجّهنا من سينودس أساقفتنا في دورة حزيران الماضي التماسًا إلى قداسة البابا فرنسيس، مطالبين أن يأمر بالسّير في دعوى تقديسهم. إنّنا نلتمس شفاعتهم في هذه الظّروف الصّعبة.

يعيّد الإخوة المسلمون عيد الأضحى المبارك، فنهنّئهم بالعيد، ونسأل الله أن يجعله موسم خير وبركات سماويّة عليهم جميعًا في لبنان والعالم.

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،

5. طالما أنّ روح الإنجيل، بتعليمه وقيمه وروحانيّته، لم يدخل أعماق كلّ إنسان، ستظلّ النّزاعات والاضطهادات والاعتداءات والحروب متواصلة وعلى اشتداد، كما نرى عندنا في بيئتنا المشرقيّة، وكما نرى في اوكرانيا. حتى إنّها تصل إلى صلب العائلة (راجع الآية 21). وتصل أيضًا إلى إضطهاد المؤمنين بالمسيح فقط لأنّهم مسيحيّون (راجع الآية 22). أساس كلّ هذه الأمور إنّما هو جهل السّماويّات. عندما هتف الشّهداء بإيمانهم بالمسيح تحت مقارع المضطهدين، فُتح أمام هؤلاء الطّريق للإيمان به.  

6. إنّ التّحلّي بقيم ملكوت الله أساسيّ في ممارسة السّلطة والعمل السّياسيّ. هنا تكمن مشاكلنا في لبنان، فنذكر منها ثلاثة.

المشكلة الأولى: المراوغة واللّامبلاة المستمرّة في موضوع تشكيل الحكومة. إنَّ عدم تسهيل تأليف حكومة جديدة كاملة الصّلاحيّات الدّستوريّة، وتتمتّع بالصّفة التّمثيليّة وطنيًّا وسياسيًّا وميثاقيًّا لهو عملٌ تخريبيّ. فإنّ ترك البلاد بلا حكومة في نهاية عهد وعشيّة الاستحقاق الرّئاسيّ، يؤدّي حتمًا إلى إضعاف الصّفة التّمثيليّة للشّرعيّة اللّبنانيّة كمرجعيّةٍ وطنيّةٍ للتّفاوض مع المجتمع الدّوليّ. فتبقى قوى الأمر الواقع تتحكّم بالقرار الوطنيِّ وبمصير لبنان. من شأن ذلك أن يزيد انهيار الدّولة وغضب النّاس، كما من شأنه أن يجعل صراعات الـمنطقة وتسوياتها تتمّ على حساب لبنان كما جرت العادة في العقود الأخيرة.  

ونرفض أيضًا مع شعبنا التّلاعب باستحقاق رئاسة الجمهوريّة. أنّنا نتمسّك بضرورة احترام هذا الاستحقاق في وقته الدّستوريّ، وانتخاب رئيسٍ متمرِّسٍ سياسيًّا وصاحب خبرة، محترم وشجاع ومتجرِّد، رجل دولة حياديّ في نزاهته وملتزم في وطنيّته. ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، ولا يشكّل تحدّيًا لأحد، ويكون قادرًا على ممارسة دور المرجعيّة الوطنيّة والدّستوريّة والأخلاقيّة، وعلى جمع المتنازعين والشّروع في وضع البلاد على طريق الإنقاذ الحقيقيِّ والتّغيير الإيجابيّ. وتقتضي ظروف البلاد أن يتمّ انتخاب هذا الرّئيس في بداية المهلة الدّستوريّة لا في نهايتها ليطمئنّ الشّعب وتستكين النّفوس وتنتعش الآمال.

المشكلة الثّانية: متابعة المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، فيتمكّن لبنان من استخراج الثّروات النّفطيّة والغازيّة الموعودة من دون أيّ انتقاص من حقوقنا الواضحة منذ تأسيس دولة لبنان الكبير. إنّ نجاح هذه المفاوضات يتوقّف أساسًا على متانة وحدة الموقف اللّبنانيّ وراء الشّرعيّة، وعلى عدم التّشويش عليها وتعريضها للفشل في ظرف دقيق للغاية. لا تستطيع الدّولة أن تفاوض وآخرون يمتحنون المفاوضات عسكريًّا. فرغم التّطمينات الدّوليّة الّتي تردنا، لا أحد يستطيع التّنبّؤ ما إذا كانت الـمنطقة عشيّة أحداثٍ عسكريّةٍ أو سلميّة، لكنّها بالتّأكيد عشيّةَ تطوّراتٍ معيّنة. لذلك تقتضي مصلحة لبنان العليا تحييد ملفِّ المفاوضات الحدوديّة عن اللّعبة السّياسيّة والاستحقاقات الدّاخليّة والصّراعات الإقليميّة، إذ حان الوقت ليلتفَّ جميع الأطراف حول مصلحة لبنان.

المشكلة الثّالثة: الطّاقة الكهربائيّة: إنّه من الممكن تأمين إنتاج حتّى عشر ساعات يوميًّا، قبل إنشاء معامل للإنتاج، كما نعرف من أوساط الوزارة المعنيّة. وهذا يقتضي ثلاثة:

1- تأمين الفيول وخاصّة من مصر والجزائر.

2- رفع التّعرفة بما يتناسب مع الكلفة.

3- الجباية الصّحيحة والشّاملة.

كلّ ذلك يحتاج إلى توافق سياسيّ ودعم من جميع الأطراف وخاصّة من أجل ضمانة الجباية الشّاملة وعدالة التّوزيع.

7. ومن مدعاة الرّجاء والفرح أن يأتي اللّبنانيّون من سائر بلدان الانتشار وبأعداد كبيرة لتمضية فصل الصّيف في ربوع لبنان رغم الحال الدّقيقةِ الّتي يمرّ فيها وطننا ورغم معوّقات الحياة اليوميّة. وهذا يدلّ على تعلّق الشّعب بوطنه في جميع الظّروف الحلوة والسّيّئة. فنأمل أنَّ موجة الهجرة الأخيرة ستكون مؤقّتة ويعود المهاجرون الجدد إلى لبنان ما أن تتحسّن الأحوال الاقتصاديّة ويطلّ قريبًا فجر وطنيّ جديد. أجل، لا بدّ للفجر من أنْ يبزغ على هذا الشّعب الصّابر والصّامد والمتوثِّب لإعادة بناء وطنه. أجل، سيستعيد لبنان شمسه، وهو الّذي كنّا نقول عنه في ما مضى أنَّ الشّمس لا تغيب عنه بحكم انتشار بنيه في مختلف قارّات الكون.

فلترافقنا جميعًا بركة الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين!".