لبنان
28 كانون الأول 2023, 06:00

تيلي لوميار تصلّي من أجل الجنوب وتأمّلات ترفض الحرب وتدعو إلى المحبّة والسّلام

تيلي لوميار/ نورسات
بالتّزامن مع عيد الميلاد، ونظرًا لما يعانيه جنوب لبنان من مستجدّات ساخنة تلحق أضرارًا بالعائلات والبلدات، ووسط المخاوف بما ستؤول إليه الأوضاع في المرحلة القادمة، أقامت محطّة تيلي لوميار-نورسات صلاة مسكونيّة أحياها لفيف من المطارنة، والأساقفة، والآباء الكهنة من الكنائس كافّة وذلك من أجل السّلام في جنوب لبنان، في كنيسة مار مارون- البوشريّة.

شارك في الصّلاة أيضًا مدير عامّ تيلي لوميار ورئيس مجلس إدارة نورسات السّيّد جاك الكلّاسي، أمين عامّ مجلس كنائس الشّرق الأوسط د. ميشال عبس، وعائلة تيلي لوميار- نورسات.  

إستهلّت الأمسية بكلمة ترحيبيّة ألقتها مديرة فضائيّة نور الشّرق الإعلاميّة ماري تريز باشا حنين، أعقبتها باقة من التّأملات ألقاها أصحاب السّيادة والآباء، والّتي عانقت المحبّة والسّلام والوئام ونبذ العنف والأصوليّة والتّطرّف.  

بعدها، كانت كلمة لمدير عامّ تيلي لوميار ورئيس مجلس إدارة نورسات السّيّد جاك الكلّاسي جاءت في إطار صلاة حملت الكثير من الرّجاء والتّعزية وقال:  

"هنالك صلاةٌ بلا ألفاظٍ ولا كَلِمات

الإحساسُ بوجودِ الله قُرْبَكَ... صلاةٌ

خَفْقُ القَلبِ... صلاةٌ

دمعةُ العينِ ... صلاةٌ

نظرةُ حبٍّ نحو السّماء... صلاةٌ

العملُ بضميرٍ... صلاةٌ

لَسنا بحاجةٍ إلى الكثيرِ مِنَ الكلامِ من أجلِ صلاةٍ جيّدَةٍ

رَحْمَتُكَ يا الله غيرُ مُتَناهيَةٍ

نُجَدِّفُ حينَ تقولُ: "صَنَعنا شرًّا كثيرًا والله لَنْ يُسامِحَنا"

إنَّ الله الفائِقَ القُدْرَةِ يَعلمُ كُلَّ شيءٍ  

وَهو يَعرِفُ بِما نُريدُ قَبْلَ أنْ نَقُولَ ما نُريد

أنتَ تعرفُ مُسبقًا يا ربُّ أنَّنا سَنَرْتَكِبُ الذُّنوبَ بَعدَ صلاتِنا وَمَعَ ذَلِكَ تَسْمَعُنا وتَنْسى المُسْتَقْبَلَ وَتَقبَلُ دُعاءَنا.

قلتَ يا ربُّ لتَلامِيذِكَ في العِلّيةِ:  

أنَّكُمْ في العالمِ سَتُقاسُونَ الضِّيقَ... ولَكنْ تَشَجَّعوا فأنا قَد غَلَبتُ العَالمَ...

عَلِّمْنا يا ربُّ ألّا نَسْتَعْمِلَ لِسَانَنا لغيرِ الصّلاةِ...  

وقَلبَنَا لغيرِ الحُبِّ

وأعْيُنَنا لغير نورِ وجْهِكَ

وآذانَنا لِغيرِ هَمَساتِكَ

نُصَلّي يا ربُّ  

مِنْ أجل الفاسِدينَ والخَطَأةِ

مِنْ أجلِ الظَّالِمين والمُسْتَبِدِّينَ  

مِنْ أجلِ المُتَحَكِّمينَ والمُستَعْبِدينَ

مِنْ أجلِ المُتَسَلِّطين والطّغاةِ

مِنْ أجلِ المُجْرِمين والقَتَلةِ  

لِيُصْبِحَ الظَّلامُ فيهم نُورًا

نُصَلّي يا رَبُّ..

ليَنْتَهيَ العُنْفُ

ليَنْتَهيَ عُنْفُ الحِقْدِ

وَعُنْفُ البُغْضِ  

وَعُنْفُ الدَّمارِ والرَّمادِ

نُصلِّي يا ربُّ ليَنْتَهيَ عُنْفُ الحُرُوبِ والأسْلِحَةِ...

عُنْفُ الدَّمِ  

عُنْفُ التَّحْريضِ والخَرابِ

نُصلّي يا ربُّ لِيَنْتَهِيَ عُنْفُ التَّخلّفِ القاتلِ والتَّعَصُّبِ المميتِ

نُصلّي يا ربُّ لاسْتِئْصالِ الأصوليَّةِ المُتَحَجِّرَةِ والأصوليَّةِ المُتَصَلِّبَةِ

نُصلّي يا ربّ لِتُنيرَ عَقلَ كُلِّ إنسانٍ

لِيَسْتَنيرَ فِيك،  فَيُنِيرُ الآخرينَ

نُصلّي يا ربُّ لِتُخَلِّصَنا مِنَ الهَمِّ والغَمِّ

مِنَ البُغْضِ وَالغَضَبِ

مِنَ السَّخْطِ وَالقَلَقِ

مِنَ الضَّرْبِ وَالحَرْبِ

يا ربَّ الحَياةِ  

بِدُونِكَ صِراعٌ وتَداعٍ وَضَياعٌ

أمَّا الحَياةُ مَعَكَ فّسَلامٌ وَحُضُورٌ وَلِقاءٌ  

يا ربُّ

قَوِّنا لِنَصْفَحَ  

وَقَوِّمْ اعْوِجاجَنا

وَأقِمْنَا مِنْ سَقَطاتِنا  

أعْطِنا كَتِفًا أقوى لِنَحْمِلَ ولِنَتَحَمَّلَ  

زِدْنا إيمانًا وإنسانيةً لِنَرْحَمَ ...

فَنَنْعَمُ بِمَحَبَّتِكَ  

إلَيْك شُكْرَنا وَصَلاتَنا وَمَحَبَّتَنا.

لكَ المجد الى الأبد. آمين".

في الختام كانت كلمة لأمين عامّ مجلس كنائس الشّرق الأوسط د. ميشال عبس بعنوان "التّحصين المسكونيّ للمناطق المعرّضة.. بل للوطن"، وأبرز ما جاء فيها: "هذا الوطن الصّغير، الّذي تتوق إليه كلّ المعمورة، والّذي كانت تحسده معظم شعوب الأرض، وقع منذ خمسة عقود في مستنقع الانقسامات والنّزاعات والحروب الدّاخليّة والخارجيّة، مع ما يرافق ذلك من تقهقر على الصّعد عامّة، القيميّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، والسّياسيّ طبعًا.

هذا الوطن الصّغير المترف، والّذي يقول البعض إنّ ترفه كان اصطناعيًّا، وقد سمّوه المعجزة اللبنانية، فقد الكثير من قدراته، لكنه لم يفقد ألقه وتميزه كمنطقة حرة وكهمزة وصل بين الشّرق والغرب.

جيلنا شهد عظمة لبنان، في ذروة تألقه، كما شهد انحداره إلى جحيم الحرب الأهلية، وحروب الأخرين. جيلنا عاش حربًا سمّيت حرب السّنتين، ما لبثت أن تحوّلت إلى حرب دامت عقدًا ونصف. جيلنا رأى القتل على الهويّة لشعب كان قد أدخل الطّائفيّة في غيبوبة، وعاش التّهجير والسّرقة والحرق وتدمير البشر والحجر معًا. من منكم يذكر لبنان بداية السّبعينات، حيث كان قبلة أنظار الغريب قبل القريب؟

الّذين قتلوا لبنان آنذاك، قتلوا نموذجًا كونيًّا تتوق إليه البشريّة اليوم على ضوء الحراك الدّوليّ للشّعوب واختلاط الجنسيّات والأعراق والإثنيّات والأديان والانتماءات السّياسيّة وغيرها من ابعاد التّنوّع والاختلاف. الّذين قتلوا لبنان قتلوا الكون المصغّر- المايكروكوسم– الّذي تحتاجه الإنسانيّة، قبل أن تتحوّل في مختلف بلدان العالم نعمة التّنوّع إلى نقمة النّزاع. ظنّوا أنّهم بذلك يقتلون لبنان الرّسالة.

رغم كلّ ذلك، يبقى لبنان الوطن الرّسالة، وتبقى عقيدة طائر الفينيق– العنقاء– فاعلة فينا، إذ ما زلنا نبعث من رمادنا من جديد عبر الشّروع في إعمار ما دمّرته قوى الغدر، وعَبَثُنا أحيانًا.

أهلنا في الجنوب، الصّامدون بكلّ المعاني، على حدود احتلال قابع على صدر شعب فلسطين منذ ثلاثة أرباع القرن، ويحاول التّمدّد أحيانًا إلينا، ويحاول السّطو على بعض ممّا لنا، يمثّلون المعجزة اللّبنانيّة وعقيدة بعث الحياة من الرّماد.

كم مرّة، على مدى تاريخنا الحديث، عانى أهلنا في الجنوب من الحروب والتّعدّيات والتّدمير والتّهجير، رغم صمودهم المقاوم، ومقاومتهم الصّامتة في أكثر الأحيان؟  

النّزيف البشريّ الّذي عانى منه الجنوب لم تعانيه أيّة منطقة أخرى مهما كانت مهملة، كما تشير الإحصاءات على مدى العقود الماضية. نعم، هناك من يصمد، مهما كانت التّضحيات، وهناك من يقرّر إعادة تنظيم حياته في منطقة أخرى، أو يهاجر. وإذ به يحوّل هجرته إلى صمود بشكل مختلف، عبر دعم من بقي وعبر الإعمار وتنمية المنطقة من إنتاجه في الخارج، مقدّمة لعودته، ولو بشكل متقطّع.

إنّه الانتماء إلى الأرض والوطن والتّاريخ، الّذين ترخص التّضحيات أمامهم. إنّها الجذور الّتي ترفض أن تقتلع، متشبّثة بهويّة لا يمكن استبدالها بشيء.

تاريخنا في مجلس كنائس الشّرق الأوسط عريق في التّضامن مع الجنوب، لا بل في دعم صموده إلى أقصى الحدود وبكلّ ما أوتينا من إمكانيّات."

وقد تخلّلت الصّلاة ترانيم أدّاها أفراد من جوقة كنيسة مار مارون- البوشريّة.