تواضروس الثّاني: الصّوم جهاد مع النّفس ضدّ ذات الإنسان
وللمناسبة، ألقى تواضروس الثّاني عظة قال فيها بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة":
"بإسم الآب والإبن والرّوح القدس الإله الواحد آمين، تحلّ علينا نعمته ورحمته من الآن وإلى الأبد آمين.
أهنّئكم أيّها الأحبّاء في هذا اليوم ببدء الصّيام المقدّس الصّوم الأربعينيّ، أهنّئكم بهذه الأيّام الرّوحيّة الغالية والغنيّة في كنيستنا والّتي نبدأ بها رحلة الصّوم امتدادًا حتّى عيد القيامة المجيد.
أيضًا أهنّئكم بالأسقف الجديد لدير القدّيس العظيم الأنبا بيشوي نيافة الأنبا أغابيوس، ونشكر الله أنّه أعطى لنا بعد مرور هذا العام منذ نياحة أبينا الحبيب المتنيّح مثلّث الرّحمات نيافة الأنبا صرابامون أعطى لنا خلال هذا العام أن نصلّي ونفكّر ونختار إلى أن أراد الرّبّ بسيامة الأسقف الجديد أمس، ليبدأ من هذا اليوم مسؤوليّته وعمله في هذا الدّير العامر، أهنّئ كلّ الآباء الرّهبان ويشترك معي كلّ الآباء المطارنة والأساقفة الّذين حضروا بالأمس والّذين حضروا اليوم.
في هذا الصّوم أيّها الأحبّاء يبدأ الصّوم يوم الاثنين، وتختار الكنيسة في قراءات اليوم الأوّل من الصّوم المقدّس، تختار هذه الواقعة الّتي حدثت من تلاميذ السّيّد المسيح وانشغل التّلاميذ بسؤال من هو الأعظم فينا؟ التّلاميذ اختارهم السّيّد المسيح بطباع مختلفة، اختلفوا مع بعض وتساءلوا من الأعظم فينا؟ وعندما سألهم السّيّد المسيح فيما كنتم تتحدّثون؟ سكتوا، ولكنّهم قالوا للسّيّد المسيح كنّا نفكّر من فينا الأعظم وكان جواب السّيّد المسيح "إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ" (مر 9: 35). وكأنّه يضع مبدأً لحياتنا الرّوحيّة، الأمر الّذي أريد أن ألفت نظركم إليه أنّ هذا الفصل يأتي في اليوم الأوّل من الصّوم، الصّوم جُعِل لكي ما تتّضع به ذاتك، والذّات هي العدوّ الأوّل المقيم أمام الإنسان، الصّوم أحد أهدافه الرّئيسيّة أن يميت الإنسان الذّات لأنّ وجود الذّات تجعل الإنسان محروم من ملكوت السّماوات، الصّوم ليس أكلًا وشربًا وانقطاعًا، الصّوم جهاد مع النّفس ضدّ ذات الإنسان، وإذا لم تبدأ الصّوم وفي نيّتك أن تتغيّر من داخلك سوف تمضي أيّام الصّوم ولن تستفيد شيئًا، فالصّوم فترة لكي ما نغيّر الدّاخل ونرى ضعفاتنا ليبدأ الإنسان في التّخلّص من هذه المتاعب والسّقطات خلال فترة الصّوم، ويبدأ بداية جديدة.
لذلك أيّها الأحبّاء لا تدعوا فترة الصّوم تمضي دون فائدة. انتبه، وهذا الكلام لنا جميعًا، الصّوم فترة خاصّة للإنسان يمكنه فيها أن يتغيّر ويتوب ويرفع من قلبه كلّ الضّعفات ويضبط نفسه، "وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ." (1 كو 9: 25)، هكذا يقول القدّيس بولس الرّسول ويقول اليوم في الإنجيل أن تقلع وتقطع عين الشّرّ ويد ورجل الشّرّ.
أدعوكم أيّها الأحبّاء أن تدرسوا إنجيل هذا الصّباح لأنّه بداية الرّحلة وهو يضع أمامنا العناوين الهامّة الّتي نمارس بها وعلى أساسها، الصّوم. الصّوم المقدّس رحلة مقدّسة من أجل توبة الإنسان ومن أجل الخزين الرّوحيّ في حياته الدّاخليّة. الصّوم المقدّس الّذي صامه السّيّد المسيح عنّا، نحن نصومه ليس جسديًّا ولكن روحيًّا وقلبيًّا. الصّوم يحتاج منّا جهاد، وفي نهاية فترة الصّوم تسمع الآية الجميلة "طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ." (مت 5: 8). صومك يساعدك أن تتخلّص من الضّعفات والسّقطات والسّهوات لكي يكون لك قلبًا نقيًّا تستطيع به أن تعاين الله، ويجب أن تكون فترة الصّوم فترة خاصّة في حياتك. وآباؤنا علّمونا مديحًا يقال فيها "يدوب 55 يوم " بالكاد يتخلّص الإنسان في ٥٥ يومًا من عادة رديئة وتقول "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ" (غل 2: 20)."
