مصر
07 تشرين الأول 2021, 06:30

تواضروس الثّاني: إنتظر الرّبّ واصبر له!

تيلي لوميار/ نورسات
"انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ" هو الدّرس السّادس من "دروس الحكمة"، الّذي تمحور حوله اجتماع الأربعاء مساءً في المقرّ البابويّ في القاهرة، ركّز خلاله بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني على أنّ توقيت الله دومًا يكون صحيحًا، وحين ينتظر الإنسان الله ينال بركات جزيلة وتتحقّق له الوعود الإلهيّة.

وفي هذا السّياق، قال البابا في عظته بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة": "وهنا الآية "انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ" تظهر أنّ الإنسان يُصدّق مواعيد الله وأنّ الله سيتدخّل وسيستجيب لصلواتنا... "انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ" (مزمور 27)، وهي وضع ثقتنا كلّها في ربّنا، لأنّ الله له مواعيد، وتُعتبر فضيلة الانتظار قويّة لأنّ فيها التّأنّي والصّبر والاحتمال، حتّى في الطّبيعة، فالإنسان الّذي ليس لديه فضيلة الانتظار يقع في مشاكل ومتاعب كثيرة وبالتّالي تضيع منه نِعمًا كثيرة في حياته، مثل إبراهيم أب الآباء عندما قال له الله (أبارك مباركيك ونسلك يكون مثل رمل البحر ونجوم السّماء)، بالرّغم من أنّه لم يُنجب، لكن بانتظار وصبر إبراهيم أب الآباء أنجبت له سارة زوجته (ابن الموعد)، فتتحقّقت المواعيد في وقتها، لأنّ التّوقيت عند الله غير توقيتنا نحن لأنّنا نفكّر بعقولنا الضّيّقة، كذلك راحيل عندما طلبت من زوجها أن يتزوّج من الجارية حتّى يأتي بنسل يُنسب له، ولكن الله تدخّل في الوقت المناسب بفتح رحمها وأعطاها ابنًا (يوسف)، الّذي فيما بعد صنع عجائب في مصر... فالإنتظار لا يكون عند البشر فقط وإنّما عند الله أيضًا، عندما يصبر على الخاطئ إلى أن يتوب، مثل الزّوان والحنطة عندما قال "دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا"، بالرّغم من أن نبات الزّوان سام ونبات الحنطة جيّد، كذلك مع الخطأة الله ينتظر توبتهم...

"وَالآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا، احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟ لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا، صَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا؟" (اش 5: 3 ، 4)، فالله أعطاه فرصة حتّى يُقدّم كرمًا جيّدًا وإنّما قدّمه رديئًا، كذلك في العهد القديم الله أعطى للشّعب فرصًا كثيرة لكي يتوبوا ولكنّهم كانوا متمرّدين وغليظي الرّقبة...

"فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمُ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ" (خر 29: 46)...

"وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: "قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ" (خر 32: 1)، فالله أعطاهم الفرصة ليتوبوا ولكنّهم لم يستغلّوها وما زال يعطيها لهم...  

الله انتظر توبة شاول الطّرسوسيّ حتّى صار القدّيس بولس الرّسول، وانتظر توبة أغسطينوس حتّى صار القدّيس ابن الدّموع، وأيضًا انتظر توبة موسى الأسود، وكان إنسانًا مجرمًا حتّى صار قدّيسًا وأبًا للرّهبان... الله ينتظر توبة الخطأة في كلّ مكان وزمان لأنّ من هذه التّوبة يصيروا قدّيسين...  

حتّى أريانوس وَالي أنصنا كان طاغيًا، فالله انتظر توبته حتّى تاب ومات قدّيسًا... ومثل الابن الضّالّ، عندما انطلق من بيت أبيه فرحانًا بالميراث الّذي أخذه في حياة أبيه، وبعدما أنفق كلّ ميراثه وصار في فقر، وفي لحظة يقظة حاسب نفسه وأخذ قراره بأن يذهب لوالده، وفي نفس الوقت ظلّ والده ينتظره يوميًّا بالبكاء والصّلاة، وعندما لمح رجوع ابنه غمرته الفرحة وأخذه في أحضانه.

أهمّيّة الانتظار في حياة الإنسان:  

- بالإنتظار ننال المواعيد، مثل قول إرميا النّبيّ "جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ" (مراثي إرميا 3: 26)، كذلك البذور عندما تُزرع تأخذ فترة حتّى تنبت، فالانتظار يُعلّم الإنسان نوال المواعيد...  

مثل "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا" (خروج 3)، عندما حرّرهم من يد فرعون وقال لهم "تَعْلَمُونَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَكُلِّ أَنْفُسِكُمْ أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْكَلاَمِ الصَّالِحِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْكُمُ" (يش 23: 14)... يشوع يطلب من الشّعب الانتظار والثّقة في يد الله، لأنّ الله له مواقيت.

- الإنتظار يهزم الشّياطين، مثل القدّيس الأنبا أنطونيوس في بداية حياته، عندما حاول يوقعه عدوّ الخير ولكنّه كان ينتصر بمعونة الله... وأيضًا القدّيس إيسيذورس عندما ظلّ يُشجّع ويُقوّي موسى الأسود بأن ينتصر على الشّيطان والشّرّ وعدم رجوعه للخطيئة مرّة أخرى، وبالصّبر والانتظار استطاع أن يحوّله من إنسان شرّير إلى قدّيس...  

فنهاية أمر خير من بدايته، لأنّ عدوّ الخير يحاربك ولكنّك أنت بفضيلة الانتظار تنال الموعد وتهزم الشّيطان، فأيّ شيء تؤدّيه بسرعة يؤذيك، إلّا التّوبة فهي الوحيدة الّتي تحتاج للسّرعة، لذلك عدوّ الخير هو الّذي يدفع بالإنسان للتّسرّع، إن كان ارتباط أو عمل...

مثل بطرس الرّسول الّذي كان شخصيّة مندفعة (يا ربّ إنّ تركك الجميع أنا لا أتركك، لا أنكرك)، وما هي إلّا أيّام قليلة حتّى قال له المسيح "قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ" (مر 14: 30)، وبالفعل أنكره بطرس الرّسول، وبدأ يمارس فضيلة الانتظار، وظهر ذلك بعد حلول الرّوح القدس وبعد إلقاء عظته يوم الخمسين، فبدأ بالكرازة وبالخدمة وعُرِف عنه النّجاح والالتزام في خدمته...  

"انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ" فكيف يقتني الإنسان الانتظار؟  

1- الإيمان في مواعيد الله، عند قراءة الكتاب المقدّس ضَعْ إيمانك في وعوده، لأنّ الإنسان عندما يتمتّع بفضيلة الانتظار يكون لديه قوّة يستطيع بها أن ينتظر عمل الله، "انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ" (مزمور 27)... كذلك داود النّبيّ عندما كتب المزمور من خلال اختبارات عاشها، وكان شاول يقاومه في وقت من الأوقات، لكن عندما أدرك فضيلة الانتظار صار ملكًا على إسرائيل، ويُذكر اسمه إلى اليوم ونقول (المسيح ابن داود)... كذلك أبرار العهد القديم انتظروا مجيء المسيح، فداود قبل السّيّد المسيح بحوالي ألف سنة وكان ينتظر الرّبّ والخلاص وعمل الصّليب، لذلك لا بدّ أن يكون عندك الإيمان الكامل حتّى تقتني فضيلة الانتظار...

أيضًا أبيمالك عندما هاجر لبلاد موآب بعد حدوث مجاعة في وطنه، ومن ضعف إيمانه أنّه لم ينتظر إلى أن يحلّ الرّبّ هذه المجاعة ويرفعها عن الشّعب، وأثناء هذه المجاعة توفّي أبيمالك هو وابنيْه، ورجعت نُعمة لوطنها بصحبة راعوث زوجة ابنها، وعاشت بالإيمان، حتّى صارت راعوث جِدّة للسّيّد المسيح.

2- لا بدّ من أن نقتني نفوسنا بالصّبر، في تربية الأبناء، مثل إنجيل لوقا "وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ"، كما في (يع 1: 3) "امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا"، صبر الإنسان فضيلة رائعة في حياته...  

والإنسان الحكيم يصبر، وفي العهد الجديد أقنوم الحكمة معنا وساكن فينا، فهو يجعل الإنسان حكيمًا مهما كان عمره...

3- بالحكمة تقتني الصّبر، "وَأَعْطَى اللهُ سُلَيْمَانَ حِكْمَةً وَفَهْمًا كَثِيرًا جِدًّا، وَرَحْبَةَ قَلْبٍ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ" (1مل 4: 29)، فكان بالحكمة والإيمان والصّبر يحلّ المشكلة، لذلك في مواجهة المشاكل لا بدّ من إعطاء فرصة للصّلاة والمشورة والصّبر لكي يعمل الله معك، فالصّبر والانتظار فضيلة ودرس من دروس الحكمة، والحكمة تحتاج للوقت والإيمان والصّبر ونحن نبني كيان الحكمة في حياة الإنسان مثل داود النّبيّ...  

ويعطينا الله تأمّلات في الأسابيع القادمة حتّى يتكوّن لك منهج الحكمة الكامل في حياة الإنسان.  

لإلهنا كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين."