تلاقي أبناء الأديان قادر أن يبني مجتمعاً متماسكاً
"أصحاب القداسة والغبطة، وأصحاب النيافة والسيادة، وأصحاب السعادة، وممثلو الطوائف المسيحية والإسلامية، وسيداتي وسادتي،
نجتمع اليوم في بيروت، المدينة التي دمّرها وأرهقها جراحاً الانفجار المروّع في مرفئها القريب، لنرحّب، باسم جميع طوائفنا الدينية ومكوّناتنا المجتمعية، بصاحب القداسة البابا ليون الرابع عشر، الذي يزورنا بصفته الأب الروحي للكنيسة الكاثوليكية، وأخاً لنا جميعاً في الإنسانية، حاملاً بشارة الإنجيل "طوبى لصانعي السلام."
نصلّي ونأمل، على الرغم من كل اليأس، أن تُساهم هذه الزيارة في ترسيخ السلام والاستقرار اللذين تتوق إليهما دول الشرق الأدنى، وفي مقدمتها لبنان، هذا البلد الصغير على الخريطة، والكبير في رسالته الديموقراطية وفسيفسائه الدينية والثقافية الاستثنائية؛ البلد الذي وصفه القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني بأنه ليس وطناً فحسب، بل "رسالة" لمنطقتنا وللعالم بأسره.
تتزامن زيارتكم، يا صاحب القداسة، مع حدثين تاريخيين بالغَي الأهمية للإيمان المسيحي:
أولاً: إحياء الذكرى الـ1700 لانعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية (التي تُعرف اليوم بإزنيك، في تركيا). وقد نظّمت كنائسنا لقاءات مسكونية احتفالاً بهذه الذكرى العزيزة على جميع المسيحيين بمختلف طوائفهم: الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، توحّدهم الصلاة والإيمان المشترك.
ثانيًا: مرور ستين عاماً على نداء الحوار بين الأديان الذي أطلقه المجمع الفاتيكاني الثاني من خلال إعلانه الشهير "نوسترا آيتاتي"(Nostra Aetate) "في عصرنا".
وقد قرأت الكنيسة الكاثوليكية آنذاك علامات الأزمنة، ومن دون أن تتخلى عن إيمانها، اعترفت بالأديان غير المسيحية، ولا سيما اليهودية والإسلام، داعيةً إلى احترام رؤيتها للإيمان بالله الواحد، خالق الكون ومخلّصه. وقد أصبح هذا الإعلان أساساً للدراسات والحوارات بين الأديان، المبنيّة على قبول الآخر المختلف دينياً، والاحترام المتبادل في "حوار الحياة"، وتأكيد حرية الدين والضمير.
يا صاحب القداسة، نشكركم على زيارتكم التي تأتي على خطى أسلافكم القديسين، الذين عبّروا عن تضامنهم مع شعوب الشرق الأوسط، مهد الديانات التوحيدية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام. كما تشهد زيارتكم على التقدير العميق الذي تكنّه الكنيسة الجامعة للكنائس الشرقية، ذات التراث العريق الممتد إلى زمن الرسل.
إن شعوبنا تتوق قبل كل شيء إلى الاستقرار السياسي، والسلام البنّاء، والأخوّة الإنسانية الأصيلة بين جميع المواطنين. ونحن على يقين بأن زيارتكم ستشجعنا على تعزيز التزامنا الراسخ بالعيش المشترك، وبالحوار الديني الصادق، القائم على قول الحقيقة بمحبة واحترام متبادل، مع الثبات في جذورنا وأوطاننا.
وبنعمة الله العلي، الآب السماوي بحسب إيماننا المسيحي،
وبنعمة الله تعالى بحسب ما يؤمن به إخوتنا وأخواتنا المسلمون،
نجدّد التزامنا بأن نسير معاً، مستلهمين دائماً الرجاء الذي لا يخيّب، كي نصبح بنّائي سلام حقيقي في لبنان وفي جميع بلدان الشرق الأوسط.
وكما نردّد في صلواتنا بحسب الطقس السرياني الأنطاكي: "لِنَضَعْ ثِقَتَنَا بِالله". شكراً لكم.
