العالم
11 تشرين الأول 2019, 05:55

تفاصيل اليوم الأوّل لزيارة الرّاعي إلى غانا

بعد استقباله فجر الخميس في مطار أكرا، إستهلّ البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي زيارته التّاريخيّة الأولى إلى أفريقيا الغربيّة والوسطى، زائرًا مدرسة مار شربل الدولية في أكرا.

وكان في استقباله إدارة المدرسة وتلامذتها وقد صدحت أصواتهم ترنيمًا وفرحًا بأناشيد أعدّوها خصيصًا للزيارة، وخلالها ألقى الرّاعي كلمة جاء فيها :

"أحيّي كلّ الذين أحيوا هذا اللقاء بدءًا بالذين أعدّوا اللوحات الراقصة في بدء الاستقبال. هم العيد! هذه أول زيارة لي إلى هذه المدرسة وهي الفضلى. نلتقي هنا كل الاجيال الأطفال، الشبيبة، المعلمين، الإدارة، الأهل. كل فئات العائلة في أكرا نلتقي هنا اليوم في هذه المدرسة التي هي بنمو مطرد والأهل مطمئنون إلى أن مدرسة "مار شربل الدولية" أصبحت مدرسة ثانوية فيها كل مستويات التعليم. بالنسبة للدولة وبالكنيسة المدرسة هي الأساس الذي يعطي الثبات ويهيّء الأجيال. وكونها مدرسة كاثوليكية أنوّه بالاهتمام الخاص من راعي الأبرشية وأهنّئ المديرة السيدة نجاة والنائب العامّ المونسنيور مارون. المطران سيمون قد كرّس حياته في خدمة التعليم وتربية الأجيال ومارسها في لبنان. هو الآن يتطلّع إلى المدرسة بفرح وحنين. نحيّي أيضًا تيلي لوميار ونورسات اللّتين تنقلان كل الأحداث إلى مشاهدين في لبنان. المدرسة بشفاعة مار شربل، وهو يفيض كل خير ونعمة وبركة. ويفرح مار شربل بنموّكم بالإيمان والصلاة فهو عاش طفولته مؤمنًا متّحدًا بالله وهذا ما يتمناه لكل واحد منّا أن نتّحد بالرب. مار مارون شفيع الرعية ومار شربل شفيع المدرسة عاشا الصلاة في حياتهما وكانت قوّتهما. وهما يحيطان بهذه الجماعة.

وتبقى الصلاة قوّة كل إنسان مهما كان دينه. الله لكل الناس والصلاة هي عندما يرفع الإنسان قلبه لله، كلّ بحسب إيمانه. الله هو فادي الجميع وأب الجميع. نحن أبناء وبنات الله والقدّيسون شفعاؤنا جميعًا... أختم بالشكر للأهل الذين اختاروا هذه المدرسة ليتربى فيها أولادهم علميًا وروحيًا وأخلاقيًا حيث نتعلّم محبة الله وبعصنا البعض. مستقبل كل واحد منّا يُبنى على مقاعد مدرسته. أتمنّى لكم كلّ خير وسنة أكاديمية ناجحة."

وكان للبطريرك الرّاعي لقاءات متتالية في يومه الأوّل، فالتقى كلّ من: عميدة السلك الدبلوماسي سفيرة كولومبيا كلاوديا طربيه كينتيرو، والقائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور بافول تالابكا، ورئيس أساقفة أبرشيّة أكرا، وقنصل البيرو الفخري غسان يارد.

كما أقيم استقبال للبطريرك الرّاعي في السفارة اللبنانية حيث امتزجت العادات والتقاليد اللبنانية والإفريقية، لتُظهّر لوحات فنية باهرة استُقبل فيها البطريرك الراعي، بحضور حشد دبلوماسي وروحي وشعبي، ألقيت خلاله كلمة ترحيب لسفير لبنان في غانا السيد ماهر خير وصف فيها البطريرك الراعي بأيقونة الوطن والثبات والمواطنية، معتبرًا زيارته أملاً جديدًا ومُجدّدًا لكل لبناني هاجر أرضه وحمل معه همّ أهله وشعبه ووطنه.

وكانت للبطريرك الراعي كلمة شكر وتشجيع حملت في طيّاتها رسائل وطنية مباشرة لأهل غانا ولبنان، يدعو من خلالها لكفّ العنف والحروب والاستهتار بكرامة الإنسان والأوطان والدّوس على الهويّات والحرّيّات، ومشدّدًا على دور اللبنانيين أينما وُجدوا وهم يحملون في قلوبهم وطنهم، وطن الرسالة والقداسة.

ثمّ واصل البطريرك الرّاعي زيارته إلى غانا حيث التقى مساءً نائب رئيس الجمهورية الغاني محامودو باوميا الذي رحب به وبالوفد المرافق باسم رئيس الجمهورية الموجود خارج البلاد. وقال متوجّهًا إلى البطريرك الراعي: "أشكر غبطتكم باسم رئيس الجمهورية الغائب بداعي السفر وقد كلّفني باستقبالكم والترحيب بكم في غانا، ونحن نثمّن عاليًا زيارتكم ونقدّر كل ما تقومون به لتعزيز العلاقة بين بلدينا كما ولاهتمامكم باللبنانيين في غانا وأينما وجدوا". وشدّد نائب الرئيس الغاني على أنّ مفتاح السلام المنشود في العالم هو الحوار والتواصل لافتًا إلى النموذج الغاني في التعايش بين المسلمين والمسيحيّين والذي يشبه إلى حدّ بعيد النموذج اللبناني الذي عاينه عن كثب خلال زيارته إلى لبنان، وتفقّده الكتيبة الغانيّة العاملة في إطار قوّات حفظ السلام في جنوب لبنان.

من جهته شكر البطريرك الراعي نائب الرئيس الغاني على كلّ ما تقدّمه غانا للجالية اللبنانية لديها كما وللبنان من خلال مشاركتها في قوّات اليونيفيل. وأثار الرّاعي موضوع التأشيرة إلى اللبنانيين للدخول إلى غانا ناقلاً رغبة الجالية في إقرار المعاملة بالمثل بحيث أنّ المواطن الغاني يحصل على تأشيرته للدخول إلى لبنان في مطار بيروت بينما لا يطبّق العكس. وردًّا على هذا الطلب وعد باوميا بمراجعة وزارة الخارجية الغانية مشيرًا إلى إيمان غانا بمبدأ المعاملة بالمثل.

كما تطرق البحث إلى الحروب الدائرة في الشرق الأوسط وتداعياتها على لبنان خصوصًا موضوع النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وضرورة عودتهم إلى بلادهم بكرامة مع التشديد على وجوب رفع الصوت في المحافل الدولية لنبذ الحروب والعنف والإرهاب. كذلك كان تنويه بمبادرة فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون اعتماد لبنان كمركز لأكاديميّة الإنسان للتلاقي والحوار ودورغانا في دعم تحقيقها.

هذا واحتفل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي بالذبيحة الإلهيّة في رعية مار مارون أكرا- غانا وقد عاونه راعي أبرشيّة سيدة البشارة في أفريقيا الغربيّة والوسطى، المطران سيمون فضول، ونائبه العام المونسنيور مارون زغيب، وخادم الرعية الخوري شربل عزيز، بحضور أصحاب المقامات الدبلوماسية والروحية والاجتماعية وجماعة المؤمنين في الرعية والوافدين إليها لمناسبة الزيارة الراعوية المباركة.

إستهلّ القدّاس بكلمة لراعي الأبرشيّة المطران فضّول، جاء فيها :

"تهلّلي أيتها البيعة المقدسة واقرعي أيتها الأجراس الدهرية فها راعيكِ آت مجلّلاً بالبهاء تفوح منه رائحة بخور الوادي المقدس وأغصان الأرز وجبل حرمون، فهلُمَّ بسلام أيها الراعي الصالح والمدبّر الحكيم، لقد تباركت أرض أفريقيا بقدومكم يا صاحب الغبطة، زيارة انتظرناها من أيار الماضي، وقد تأجّلت لدواعي صحّة المثلث الرحمة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي انتقل إلى رحمة الله وحضنه الأبوي، رفقة الأبرار، بعد ثلاثة أيام من موعد الزيارة السابق.

وها أنتم بيننا ومعنا اليوم، تباركوننا أرضًا وشعبًا بقدومكم، وهي الزيارة الأولى لأفريقيا الغربية بعد اعتلائكم سدّة البطريركية، أفريقيا التي تعرفونها وشعبها عن كسب، وقد كنتم الراعي للرسالة فيها مذ كنتم أسقفًا على أبرشيّة جبيل، هي الزيارة الأولى لأحدث أبرشية وُلدت في عهدكم وببركتكم، أبرشية سيّدة البشارة في أفريقيا الغربية والوسطى، والتي تزورون فيها، سبع بلدان وتسع رعايا، وقد بارك ولادتها قداسة البابا فرنسيس مع المجمّع المقدّس في العام 2018، تلبية لرغبتكم وحكمة رعايتكم، وقد كان لي شرف رعايتها بعد إيلائكم لي الثقة بانتخابي أسقفًا وراعيًا لها، وسوف تعاينون عن كسب، ببركة الله ورعاية أمنا مريم، وضع رعاياها وكهنتها وشعبها المؤمن.

لقد تركتم لبنان اليوم في ظروف أقلّ ما يقال فيها صعبة ومصيرية، تحملونه معكم بالقلب والصلاة والحكمة أينما حللتم وأنتم العين الساهرة و"أم الصبي"، في الرعاية والتدبير، ونحن نحتفل هذا العام باليوبيل المئوي لإعلان دولة لبنان الكبير في عهد سلفكم المثلّث الرحمة المكرّم البطريرك الياس الحويّك وأنتم خير خلف لخير سلف، تتابعون الجهاد بغية الحفاظ على وحدة وطننا بعد أن تنازع عليه سياسيّوه لمصالحهم الخاصّة".

ثمّ عرض المطران فضّول تفاصيل برنامج الزيارة في البلدان والرعايا المنويّ زيارتها مع الرّاعي.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك الرّاعي عظته والتي جاء فيها :

""كان لرجل تينة مغروسة في كرمه" (لو 6:13)

1. الرجل هو الله، التينة هي كل واحد وواحدة منا، الكرم هو العالم، الثمار هي الأعمال الصالحة المنتظرة من الحالة والمسؤولية الشخصية.

طلب الثمار هي المحاسبة عن الجهوزية الدائمة لأعمال الصالحة سواء في العائلة، أم في الكنيسة، أم في المجتمع، أم في الدولة، الاعتناء بها والتمهل في قطعها هما عناية الكنيسة بخدمتها المثلثة: الكرازة بالإنجيل وتعليم كلام الله، تقديس النفوس بخدمة الأسرار، رعاية الجماعة بالمحبة والحقيقة.

2. يسعدني أن أقوم بهذه الزيارة الراعوية بدعوة من سيادة أخي راعي الأبرشية المطران سيمون فضّول. ويسعدني بالأكثر أن أبدأها في غانا العزيزة، وألتقي جاليتنا اللبنانية عامّة والمارونية خاصّة، وسعادة سفير لبنان الأستاذ ماهر خير. فأشكره على مجيئه لاستقبالي على المطار مع سيادة راعي الأبرشية وكاهن الرعية الأب شربل عزيز كما أشكره على الاستقبال الذي اجراه في دار السفارة ظهر اليوم ولجنة الوقف. وإنّي أحييكم وكل الذين أتوا من خارج آكرا وغانا ولاسيّما من التوغو. وفرحت للغاية بزيارة مدرسة مار شربل الدولية ولقاء الطلاب وأهلهم والإدارة والهيئة التعليمية. وسررت بزيارة نائب رئيس الجمهورية بعد ظهر اليوم بصحبة راعي الأبرشية ونائبه العامّ وكاهن الرعية وسعادة السفير والوفد المرافق من لبنان.

وأودّ أن أشكر معكم بعثة تيلي لوميار– نورسات التي تنقل وقائع هذه الزيارة في كلّ محاطاتها.

3. يسعدني أن أحيّي سيادة المطران John Bonventure رئيس أساقفة آكرا، وسيادة المطران رئيس مجلس أساقفة غانا Philipe Naameh والمونسنيور Pavol Talapka القائم بأعمال السفارة البابوية، وأشكرهم على حضورهم المحبّ الذي يضفي على هذه الزيارة رونق الشركة والمحبّة والتعاون في خدمة الرسالة المسيحية في غانا العزيزة. أتمنّى لهم كل خير وبركة من الله.

4. بالعودة إلى المثل الإنجيلي نحن كجماعة وكأفراد "تينة" الله في العالم، وتحديدًا بالنسبة إلينا في غانا، دعوتنا ان نثمر على كل صعيد، ورسالتنا أن نشرك غيرنا بثمارنا. يشبّهنا المسيح بالتينة ليقول لكلّ واحد منّا: أنت عطية من الله، وينبغي أن تكون عطيّة لعائلتك ومجتمعك ووطنك. ما أجمل هذه الهوية. إذا كان كل واحد منّا عطيّة، يجب أن نتكاتف ونتعاون لكي نكون عطيّة عظمى تغيّر وجه المجتمع. فالتينة واحدة بأغصانها العديدة وثمارها، وهذه قيمتها.

هذا ما يُنتظر منكم في غانا، ويُنتظر منّا في لبنان، وبخاصّة من الجماعة السياسية، ليك تحارب النزاعات والتفرقة، وتبنّي الدّولة القانون والمؤسسات والوحدة الوطنية، وتقتلع التعصّب الطائفي والمذهبي، وتقاسم مقدّرات الدولة حصصًا على حساب إفقار المواطنين، وتوّقف التدّخل السياسي في المؤسسات العامة والقضاء.

5. أجل يُطلب من تينة الجماعة السياسية أن تعطي ثمار الاستقرار السياسي، والنهوض الاقتصادي، والاستقرار النقدي، وخفض العجز وإيقاف الديون. إنّ الشعب ينتظر من الجماعة السياسية "تين" حقوقه وخيره العام وعيشه الكريم وفرص عمل لشبابه المثقّف فلا تخيّبني آماله مرة أخرى.

6. إنّنا نقدّم هذه الذبيحة الإلهية من أجلكم، كي يبارك الله عائلاتكم وأعمالكم، ويكافئكم على كل ما بذلتم من جهود وتضحيات من أجل نجاح هذه الزيارة وتوفير كل أساليب الراحة لنا شخصيًا وللوفد المرافق، ومعكم نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."

بعد القدّاس أقامت الجالية اللبنانية حفل عشاء على شرف الرّاعي تخلّلته كلمات ترحيب وكلمة للبطريرك.

 

المصدر: بكركي