لبنان
12 حزيران 2018, 11:05

تعرف إلى راهبة الزنزانات وواهبة الرّجاء.. الاخت جنفياف طرّاف!

يقول بولس الرسول: "حياتي هي المسيح والموت ربحٌ لي فماذا يُربحني الموت إذا كانت حياتي هي المسيح؟أسئلة كثيرة أجابت عليها الأخت جنفياف طرّاف من بنات المحبّة اللعازريات، التي نذَرَت حياتها منذ صِباها ودخولها إلى الدّير، محبَّةً بالاعتناء بالأطفال اليتامى، فلبّت دعوة الربّ وقالت النعم وانطلقت في غِمار الحياة شاهدةً على محبتّة ورحمته وناشرةً عطر المسيح أينما حلّت.

سارت الأخت جنفياف درب جلجةٍ طويل وإنّما كللّته بالمجد والكرامة، إذ منحت كلّ من التقتهم في مسيرتها الروحية والإنسانية، كرامةً وعنفواناً وعزّةً، ليدركوا تماماً أنّهم أبناء الله وعلى صورته ومثاله.
الأخت جنفياف أو كما كانت تُلّقب براهبة الزنزانات، رحلت إلى حيث تنتمي، إلى عرش أبيها السّماوي، منتقلةً من هذه الدنيا إلى عالم الخلود، حيث لا وجع ولا أنين، إلى حيث تعاين وجه حبيبها يسوع الذي لطالما عاشت أمينةُ له في حياتِها.
هي الراهبة الفقيرة التي أغنت الكثيرين بدفىء قلبها، وحلاوة روحها، وعذوبة وجهها، وبرونقِ ابتسامتها، وعطفها، أضاءت السّجونَ المظلمة بنور المسيح، ونشرت إنجيلَه بحضورها المُحبّب، الذي لا يدين ولا يفرّق ولا يعاتب، بل الحضور الذي يبني ويبلسم الجراح ويشفي....
خلال مسيرتها الرهبانية خدمت في أديار تابعة لرهبنة بنات المحبة اللعازريات، في طرابلس عملت لمدة عشر سنوات، والمطلّة ثلاث سنوات، وفي مصر سنتين، إلى أن استقرّت في خدمة الأطفال اليتامى وعائلاتهم في دير مار يوسف في عجلتون لمدّة أربعين عاما".
كذلك عملت خلال فترة الحرب اللبنانية مع الهيئة العليا للإغاثة، وكانت تسعى إلى تأمين الحاجات الضرورية للأكثر فقراً وعوزاً، لتنتقل بعدها إلى خدمة السجون مع لجنة الدعوات في نيابة صربا المارونية، وخصّصت زيارات أسبوعية للسجون، حيث لم تبخل عليهم  بشيئ أبداً ، وحتى في الآونة الأخيرة وهي على فراشها في المستشفى لم تشأ أن يعلموا بمرضها، بل سعت وكافحت وعملت مع فريقها الخاص على تأمين كافّة مستلزمات السّجناء أسبوعيا"، بالإضافةِ إلى توفير المساعدات المادّية للعائلات المحتاجة التي أصرّت الاخت طرّاف أن يستلموها من دير مار يوسف عجلتون، حتى لو هي موجودة في المستشفى...
وقبيل أيام قليلة، حيث كان من المقرّر أن يكرّم البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي الأخت جنفياف طرّاف، في السابع عشر من شهر حزيران الجاري، إلاّ أنّ السّماء كانت سبّاقة في تكريمٍ تستحقّه لأنها كانت أمينةً على القليل، فها هي ترث ملكوتَ أبيها السّماوي.
 
الراحة الأبديّة التي ينشدها كلّ إنسان. فلا راحة في هذا العالم بل في أحضان الله. فالموت يحرّرنا من كلّ ما يُثقّل نفسنا من أعباء الجسد والعبوديّة الترابيّة. فمَع سمعان الشيخ نقول: "أطلق نفسَ عبدِك يا ربّ، لأن عينيَّ قد عاينتا خلاصَك".
 
هذا هو الربح الوحيد الذي يختلف من إنسان إلى آخر وهي تأتي على قدر جهد الإنسان وتعبه وعطائه في هذا العالم لمجد الله وخلاص النفوس فكأس ماء بارد لا يضيع وكل ما نصنعه هنا نكنزه في السماء.
 
فكيف إذا عملنا بوصيّة الأخت طرّاف الأخيرة:" نظرة رحمة وكلمة حلوة ومحبة وفهم الآخر بتأثر بالإنسان، وبتخلّي يشعر بإنسانيتو، وهكذا تدعونا مرّة جديدة لعيش الرحمة ونشر رسالة المسيح إلى أقاصي المعمورة."