تسعة أيّام مع مار سمعان العموديّ
ترعرع في بيت رعاة غنم تغطّيه الثّلوج وتحيط به برودة شديدة، فيه نشأ ليصبح راعيًا لأرواح النّاس يدفئ قلوبهم بإيمان مضطرم وكبير. تأثّر في عمر المراهقة بإنجيل التّطويبات حين كان يتلوه كاهن الرّعيّة، فطلب من الرّبّ أن يرشده إلى طريق التّقوى الكاملة وهو لم يكن قد بلغ الخامسة عشرة. وفي إحدى المرّات غلبه النّعاس فغفا وآتته رؤيا بدا فيها كأنّه يحفر أساسات لبناء، وإذا بصوت يقول له: "هذا ليس كافيًا عمّق الحفرة أكثر"، فاستمرّ إلى أن سمع الصّوت نفسه أربع مرّات يعيد على مسامعه الكلام ذاته إلى أن قال له أخيرًا: "كفاك الآن، هيّا باشر بالبناء وسيكون الأمر سهلاً!" فأدرك سمعان أنّها دعوة الرّبّ له ليجاهد في حياة القداسة، فمضى إلى جماعة من النّسّاك وانضمّ إليهم، وأخذ يتنقّل من منسكة إلى أخرى متعلّمًا أصول الحياة النّسكيّة.
مار سمعان الّذي لم تكن الصّلاة عنه غريبة ولا التّقشف بعيدًا، كان يصوم عدّة أيّام إذ يبقى واقفًا مسبّحًا الله، معتزلاً في جبل أضحى يُعرف باسمه اليوم.
تحلّق حوله الكثير من المؤمنين الّذين سمعوا عنه، فلجأوا إليه من كلّ صوب خاشعين ليستمعوا إلى عظاته فيمدّهم بالنّصح والإرشاد. وهناك، من على عموده الّذي ارتفع إلى ما يقارب الأربعين ذراعًا والّذي أمضى عليه بين سبعة وثلاثين وأربعين عاماً، أظهره المسيح صانع آيات ومعجزات، فشفى المرضى ومنح العاقرات نعمة الأمومة.
هناك على رأس ذاك العمود، أسلم الرّوح في الثّاني من أيلول عام 459 م، بعد أن أصابته الحمّى ولازمته أربعة أيّام، فمنح بركته للجموع ورفع عينيه ثلاث مرّات نحو السّماء وأسند رأسه إلى كتفي تلميذيه ومضى إلى لقاء الرّبّ.
واليوم، مع بداية تساعيته، نطلب إلى قدّيس الله البارّ مار سمعان العموديّ أن يتشفّع بنا ويهدينا إلى طريق التّقوى في مناسك هذه الحياة، آمين.