لبنان
12 كانون الثاني 2021, 06:00

بين سقوط الكرامة الإنسانيّة ووهم التّواصل، ماذا يقول البطريرك الرّاعي؟

تيلي لوميار/ نورسات
واصل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، خلال التّنشئة المسيحيّة، نقل مضمون الفصل الأوّل "ظلال عالم مغلق" من الرّسالة العامّة للبابا فرنسيس "كلّنا إخوة"، متناولاً الظّلين التّاسع والعاشر، فقال:

"الظّلّ التّاسع: سقوط الكرامة الإنسانيّة عند الحدود (الفقرات 37 – 41):

1. تعمل الأنظمة السّياسيّة الشّعبويّة والمناهج الاقتصاديّة اللّيبراليّة على تجنّب وصول المهاجرين. وفوق ذلك، يتمّ التّجادل حول تخفيض المساعدات للبلدان الفقيرة، لإرغامها على التّقشّف. الأمر الّذي يضطرّ الكثيرين إلى الهجرة بحثًا عن فرص عمل، بالإضافة إلى الحروب والاضطهادات والكوارث الطّبيعيّة (فقرة 37).

2. وفيما يبحث المهاجرون عن بلدان ذوي ثقافة، فإنّهم غالبًا ما يقعون ضحيّة المتاجرين المرتبطين بعصابات المخدّرات أو الأسلحة، أو يتعرّضون طوال رحلتهم للعنف والاتّجار بالبشر والاعتداء النّفسيّ والجسديّ والمعاناة.

يضطرّ المهاجرون إلى الانفصال عن إطارهم الأصليّ، ويفقدون جذورهم الثّقافيّة والدّينيّة. وغالبًا ما يهاجر أحد الوالدين أو كلاهما ويبقى الأولاد في بلد المنشأ والعكس أيضًا. لذا يجب العمل على توفير الشّروط اللّازمة لكي يبقى المرء في وطنه (فقرة 38).

3. بالمقابل ينمو في البلدان المضيفة الشّعور بالقلق والخوف؛ وغالبًا ما يُستغلّ هذا الشّعور سياسيًّا حتّى يُولّد عقليّة كراهيّة الأجانب لدى أشخاص منغلقين. فيعتبرون المهاجرين غير مستحقّين للمشاركة في الحياة الاجتماعيّة، متناسين أنّ لديهم ذات الكرامة الإنسانيّة. فعلى المسيحيّين ألّا يشاركوا هذه النّظرة، بل بحكم ثقافتهم الإنجيليّة وقناعاتهم الإيمانيّة يقرّون بالكرامة المطلقة لكلّ إنسان بغضّ النّظر عن أصله ولونه ودينه، ويتقيّدون بالشّريعة العظمى، شريعة المحبّة الأخويّة (فقرة 39).

4. ستشكّل الهجرات عنصرًا مؤسِّسًا لمستقبل العالم. لكنّها تعاني من فقدان الإحساس بالمسؤوليّة الأخويّة. يجب على البلدان ذات الإرث الثّقافيّ والدّينيّ الكبير أن تدافع عن مركزيّة الإنسان وإيجاد التّوازن بين 1) الواجب الخلقيّ المتمثّل باحترام حقوق مواطنيها؛ 2) وضمان المساعدة والضّيافة للمهاجرين (فقرة 40).

5. قد يتولّد لدى المهجّرين شكوك وخوف، ولكن فليعلموا أنّ الإنسان والشّعب لا يكون مثمرًا إلّا إذا عرف كيف يبدع في الانفتاح على الآخرين. يجب تجاوز ردود الفعل الأوّليّة، لئلّا يقعوا في عدم التّسامح وفي الانغلاق على الذّات وحرمانها القدرة على ملاقاة الشّخص الآخر (فقرة 41).

الظّلّ العاشر: وهْم التّواصل (فقرتان 42 و43).

1. من المفارقات: 1) بينما تزداد المواقف المنغلقة الّتي تعزلنا عن الآخرين، 2) تقصر المسافات لدرجة فقدان الحقّ في الخصوصيّة. كلّ شيء يمكن رصده ومراقبته، والحياة أضحت تحت مراقبة مستمرّة. يريدون عرض كلّ شيء من خلال التّواصل الرّقميّ، وأصبح كلّ فرد هدفًا لنظرات فضوليّة، تعرّي وتكشّف. 3) احترام الآخر يتلاشى: ففي آنٍ أنحّيه وأتجاهله، وبالمقابل أغزو حياته إلى أقصى الحدود (فقرة 43).

2. يمكن لوسائل الإعلام الرّقميّة أن تعرّض النّاس لخطر العزلة وفقدان الاتّصال مع الواقع الملموس، ممّا يعوق تطوّر العلاقات الشّخصيّة الحقيقيّة. هذه العلاقات تحتاج إلى حركات جسديّة، وتعبيرات وجه، وصمت، ولغة جسد، وارتعاش اليدين، والاحمرار. هذه كلّها جزء من التّواصل البشريّ. العلاقات الرّقميّة لا تبني حقًّا الـ"نحن"، بل تخفي وتزيد الفرديّة الظّاهرة في كراهيّة الأجانب، واحتقار الضّعفاء. التّواصل الرّقمي لا يكفي لبناء الجسور، وهو غير قادر على توحيد الإنسانيّة (فقرة 43)."