بيروت تصلّي من أجل المرضى
بعد الإنجيل ألقى المطران مطر عظة روحيّة قال فيها: "نشكر الله على هذا الجمع في هذا اليوم المبارك، نصلّي معه على نيّة كلّ مريض ومريضة وكلّ متألّم ومتألّمة في لبنان والعالم ونسأل الله لهم الشّفاء والتّخفيف من الآلام والأوجاع والصّحّة التّامّة. ونحن اللّبنانيّين، من دون أن ننتبه لمعنى كلامنا، عندما نقول لإنسان نسقيه ماء "صحتين"، نكون نذكر بذلك صحّة الجسد وصحّة الرّوح. كم هو جميل الجمع بين صحّة الرّوح وصحّة الجسد. والرّبّ يسوع الطّبيب السّماويّ، أتى ليشفي جراح البشريّة بكلّ أنواعها. وكم شفى عميانا ومقعدين ومخلّعين. وشفانا، أيضًا من أمراض الرّوح، أمراض البغض ورفض الآخر والتّسلّط والاستغلال وقلّة الرّحمة. الرّبّ أتى ليعيد إلينا إنسانيّتنا الجريحة بالخطيئة، فنستقيم روحًا وجسدًا. هذا هو مقصد المسيح في رسالته على الأرض، لكي نكون بصحّة جيّدة، روحًا وجسدًا أمام الله والنّاس، ونخدم الخدمة الصّالحة لنمجّده في حياتنا.
الكنيسة تابعت خدمة المريض منذ البداية. في القرون الوسطى بدأت المستشفيات في الكنيسة تكبر وتأخذ شكلها، الّذي نعرف بعضه اليوم. الدّول كانت "دول بوليس"، أيّ دول بعيدة عن أمور النّاس، لا بجوعهم ولا بأمراضهم . تهتمّ بالأمن وبالنّظام العامّ ولكن لم تكن بعد دولة راعية للنّاس.
عندما صارت الدّولة راعية في الشّرق كما في الغرب، أخذت على عاتقها المستشفيات وتعاقدت مع الأطبّاء وأشرفت على العمليّة الاستشفائيّة. الكنيسة لا تهتمّ بالنّظام العامّ. ولكن الحكمة تقول: إنّ العمل الخاصّ والعامّ يلتقيان من أجل المنفعة العامّة. في المدارس كما في المستشفيات. والمجتمع السّليم والمجتمع المتحرّك، لا بدولته فقط، ولكن بقواه الحيّة، كمجتمع له مبادراته. ليس من الضّروريّ أن تقتل الدّولة بمبادرات النّاس، بل عليها أن ترعاها وتنظّمها لتكون لخدمة النّاس لا لاستغلالهم. علينا أن نتعاون كلّنا على خدمة الإنسان وخدمة المريض وخدمة أيّ إنسان كان بحاجة. العلم والصّحّة ليس سلعة تشرى وتباع، هي حقّ للنّاس. وهذا الحقّ يجب أن يحترم لكي يصل كلّ إنسان إلى حقّه. أنا غير قادر لأدفع مالاً على صحّتي، فالمجتمع مجبر لتأمين هذا المال للصّحّة. هذا حقّي لأن أكون في الحياة".
وتمنّى "من صميم القلب وفي الظّروف الجديدة الّتي نواجهها بمسؤوليّة وكرامة، النّجاح للحكومة الجديدة وللعهد الجديد، في إرساء السّلام الاجتماعيّ والوطنيّ بين جميع اللّبنانيّين، ليقوموا بالخدمة اللّازمة للنّاس وبعضهم إلى بعض بالتّكافل والتّضامن. المعيار الأساس هو خدمة النّاس. في الكنيسة حقوق، وهناك أيضًا تنظيمات داخليّة. نقول عنها كلّها إنّ معيارها الأساس هو خلاص النّفوس، ولا شيء يقف أمام خلاص النّفوس. ولا شيء يقف أمام خدمة النّاس. نعمل جميعًا لخدمة النّاس في سبيل صحّتهم وعلمهم، نكون كلّنا يدًا واحدة بمحبّة وأمر من الله. الرّحمة واجب مقدّس وخدمة المريض واجب. المجتمع ملزم بخدمة الإنسان. كلّنا مسؤولون بعضنا عن بعض. هذا شرف لنا أن نكون خدّامًا بعضنا لبعض. الله أرادنا أن نكون بحاجة بعضنا إلى بعض. ولذلك عندما يطلب منّا أيّ خدمة علينا أن نعتبرها نعمة من الله. "من نعم الله عليك حاجة النّاس إليك". لذلك وفي مثل هذا اليوم، اليوم العالميّ للمريض، يصادف عيد سيّدة لورد، العذراء مريم أمّ الشّفاء، الّتي شفت مئات المرضى، لا بل الآلاف. نحن نقول للعذراء في صلاتنا لها، يا شفاء المرضى ويا ملجأ الخطأة ومعزّية الحزانى. إختار قداسة البابا يوم عيد سيّدة لورد، مناسبة اليوم العالميّ للمريض، انطلاقًا من محبّة مريم لكلّ إنسان.
في هذا القدّاس نصلّي على نيّة المرضى ليخفّف الله آلامهم الخلاصّية، إذا قارنّاها بآلام المسيح، تفدي الأرض من الخطايا. الآلام تطهّر النّفوس، وتجعلها نقيّة. آلامهم نخفّفها على يد الأطبّاء الّذين نصلّي أيضًا من أجلهم، فهم على صورة المسيح الشّافي. إنّها نعمة كبيرة تعطى للأطبّاء ليكونوا في خدمة الحياة وفق أخلاقيّة طبّيّة. الطّبيب لا يخدم الموت، بل الحياة. الّذي يأخذ الحياة هو ربّ الحياة الّذي أعطانا الحياة، وهو الّذي يقرّر مصير كلّ حياة. وللأطبّاء نقول: طوبى لكم لأنّكم تخدمون الحياة. نصلّي على نيّة كلّ العاملين في المستشفيات، الجسم الطّبّيّ والجسم التّمريضيّ والمساعدين والّذين يسهرون ليلاً ونهارًا على الخدمة حتّى يكافئهم الله على تعبهم. هم مكان الوالدين في بعض الأوقات. لهم نصلّي ليكون الرّبّ معهم في خدمتهم وسهرهم على المرضى.
نصلّي على نيّة دولتنا العزيزة وحكومتها ووزير الصّحّة ومعاونيه، حتّى يكملوا العمل الّذي فيه نلتقي حول خدمة المريض فنتفاهم ونتعاون حتّى يكون الإنسان مرتاحًا في بلده. هذه مسؤوليّة تقع علينا جميعًا. اللّبنانيّون شعب متعلّم ومتخصّص، ولدينا أطبّاء ومهندسون بالآلاف ولسنا بحاجة إلى أحد، بل بحاجة إلى الإرادة الصّالحة والأخوّة الحقيقيّة فيكون بلدنا الأفضل في العالم. إنّها نعمة من الله. أتمنّى من صميم القلب حوارًا جديدًا ومتجدّدًا برعاية فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون والمسؤولين كافّة، لتتمّ معالجة كلّ الأمور العالقة ليكون لبنان كما يستحقّ أن يكون. نحن قادرون على صنع حضارة طبّيّة في لبنان نفتخر بها جميعًا".
وختم داعيًا الجميع أن يكون بيتهم كنيسة صغيرة وأن تكون الكبرى بيتًا للجميع، فـ"نحن كلّنا وبكلّ أدياننا نؤمن بالإنسان والمحبّة والخير، وهذا سيساعدنا لنتعاون كلّنا ليكون وطننا وطن التّلاقي والمحبّة والأخوّة الإنسانيّة. قداسة البابا وشيخ الأزهر الأكبر تحدّثا عن الأخوّة الإنسانية في الإمارات ووقّعا وثيقة الأخوّة الإنسانيّة. كنّا نقول الإنسان إمّا هو أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق، الآن صرنا نقول إنّنا أخوة بالإنسانيّة. كم هو عظيم هذا القول. تعالوا نطبّق هذه الأخوّة، أوّلاً تجاه المريض وتجاه بعضنا بعض، فيسلم وطننا ويشفى من كلّ علّة ونمجّد الله".