بيتسابالا يتوقّف عند دور "النّظر" في اللّقاءات مع يسوع القائم من بين الأموات
"في رواية التّكوين الّتي تصف خطيئة آدم وحوّاء، نلقى تركيزًا خاصًّا على حاسّة النّظر. يُروى بالفعل أنّ الأفعى كانت قد وعدت حوّاء أن "تنفتح عيناها" وعينا آدم (تكوين ٣: ٥). وعلى الفور، رأت حوّاء حُسْن الثّمرة فأخذتها وأكلت منها (تكوين ٣: ٦). وبالفعل، انفتحت أعينهما إلّا أنّهما رأيا عُريَهما وشعرا بالخزي. إنفتحت أعينهما، ولكنّهما يريان الآن كلّ شيء بطريقة مشوّهة، انطلاقًا من أنفسهما وليست من علاقتهما مع الله. وعليه، فإنّ طريقة رؤيتهما للأمور جزئيّة، ولا يريان الواقع بعد الآن بصورته الكاملة. لقد تأذّت علاقتهما مع الرّبّ، وعند مجيئه اختبأ الإنسان من وجهه. لم يعد الإنسان يستطيع رؤيته والتّعرف عليه أو تحمّل حضوره.
ما يثير الاهتمام في المقابل هو أنّه خلال اللّقاءات مع يسوع القائم من بين الأموات، كان للنّظر دور خاصّ. في أحداث عديدة نجد العبارة التّالية: "فانفتحت أعينهما وعرفاه" (راجع لوقا ٢٤: ٣١). ثمّة شفاء للنّظر، إذ يتعلّم التّلاميذ من جديد أن يروا الرّبّ وأن يروا الحقيقة بكاملها. هذا الواقع هو السّرّ الفصحيّ، سرّ الموت والقيامة.
ونظرًا لما سبق، يصبح ذا مغزى أن تكون معجزة يسوع الأخيرة هي شفاء الرّجل الأعمى. شفاه وهو في طريقه إلى القدس وعند اقترابه من المدينة المقدّسة.
من بين الّذين شفاهم يسوع، هذا الأعمى هو الشّخص الوحيد الّذي نعرف اسمه كما نعرف أسماء تلاميذ يسوع الإثني عشر. ولربّما يعود السّبب إلى كون برطيماوس تلميذًا هو أيضًا. وفي الآيات القليلة المتعلّقة به، نستطيع أن نجد كامل المسيرة الّتي يُدعا التّلميذ أن يسير فيها حتّى يتمكّن من الرّؤية.
قبل كلّ شيء، سَمِعَ برطيماوس يسوع (مرقس ١٠: ٤٧). هو معروف كشحّاذ يتسوّل على جانب الطّريق. يبدو إنسانًا من دون كرامة، لكنّه حيّ ولا يزال يأمل في العيش الكريم.
وبما أنّه يستطيع أن يسمع، فبوسعه أن يصيح. إنّ صياحه هو صلاة. في إنجيل مرقس، برطيماوس هو الشّخص الوحيد الّذي يتضرّع إلى يسوع بصورة نداء، وهذا دليل على الثّقة والانتظار الأكيد.
لاحقًا، يُعبّر برطيماوس عن رغبة في أعماقه. وقد ساعده يسوع على التّعبير عنها بسؤاله: "ماذا تريد أن أصنع لك؟" (مرقس ١٠: ٥١) كان الجواب: "أن أبصر". في كلام يسوع إشارة إلى قراءة الأحد الماضي، حينما طلب منه يعقوب ويوحنّا أن يلبّي لهما طلبًا يرغبان فيه، فأجاب يسوع بأنّهما لا يعلمان ماذا يطلبان. أمّا برطيماوس في المقابل، فهو يعرف ما يريد، ويطلبه من يسوع بكلّ ثقة. وبعكس التّلميذين، يطلب من دون ادّعاء.
يعبّر عن طلبه في إطار علاقة تصبح حميمة أكثر فأكثر إلى درجة مناداته: "رابوني، أيّ معلّمي" وهو تعبير نجده مرّتين فقط في الأناجيل الأربعة: في هذا المقطع وعندما تنطق به مريم المجدليّة في الآية ١٦ من الفصل ٢٠ من انجيل يوحنّا.
وعليه، وبعد هذه المسيرة من الثّقة والرّغبة والعلاقة الوثيقة والصّلاة، يستردّ برطيماوس بصره. إنّه يبصر مَنْ يريد أن يرى، أيّ وجه الشّخص الّذي شفاه.
إلّا أنّ المسيرة لم تنته، بل بدأت الآن. برطيماوس الّذي كان جالسًا على جانب الطّريق مثل مَنْ لا يملك هدفًا في الحياة ومن دون أن يتبع أحدًا، يبدأ مسيرة مع يسوع. في الواقع، يستعمل مرقس كلمة تبع. يصبح برطيماوس واحدًا من أتباع يسوع السّائرين معه في الطّريق (مرقس ١٠: ٥٢). لقد أصبح تلميذًا.
من المثير للاهتمام الآن المقارنة بين هذه المعجزة والمعجزة الأولى الّتي يرويها مرقس والّتي تتمّ في الفصل الأوّل (مرقس ١: ٢١– ٢٨) في مجمع كفرناحوم حيث طرد يسوع الرّوح النّجس. في المجمع، بقي الرّوح النّجس صامتًا. ولكنّه شعر بالتّهديد حينما دخل يسوع، لعدم وجود انسجام بين القداسة والنّجاسة. على غرار الشّحّاذ، يصيح الرّوح النّجس أيضًا، لكن ليس طلبًا للشّفاء. أراد أن يخبر بسرعة عن هويّة يسوع. بشكل ما، هو لا يقول الحقيقة ولا يراها لأنّ الحقيقة الكاملة ستتجلّى بعد إتمام السّرّ الفصحيّ، حينما سيكون جليًّا أنّ يسوع هو المسيح حقًّا، بثمن الصّليب.
في أسفل الصّليب نجد شخصًا آخرَ قادرًا على الرّؤية. إنّه قائد المئة الّذي رأى يسوع يلفظ الرّوح (مرقس ١٥: ٣٨)، وأدرك أنّ هذا الرّجل هو ابن الله. يرى إلهًا يعيش قداسة حقيقة لا بالانعزال، بل بالمشاركة عبر تحمّله سيّئاتنا كي ننال الخلاص.
يمكن القول إذًا إنّ هذه المعجزة هي رمزٌ لما سيجري في القدس، لشفاء سيتمّ عرضه علينا، ويصبح مُلكَنا من خلال هبة العماد، الّذي هو سرّ الحياة والنّور والشّفاء من الخطيئة الّتي تمنعنا من رؤية مجد الصّليب وحياة المحبّة."