الأراضي المقدّسة
18 حزيران 2021, 09:30

بيتسابالا: من يتحلّى بالإيمان يملك الثّقة أيضًا ولا يتقوقع على نفسه

تيلي لوميار/ نورسات
متأمّلاً بقدّاس الأحد الثّاني عشر من الزّمن العاديّ، دعا بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا إلى عدم الخوف والتّحلّي بالثّقة وعدم التّقوقع، فقال بحسب موقع البطريركيّة:

"يفتتح النّصّ الإنجيليّ لهذا الأحد (مرقس 4: 35- 41) فصلاً جديدًا في الإنجيل. بعد أن تكلّم يسوع بالأمثال وعلّم حشد الناس، أراد أن يفعل المزيد وأن "يعبر إلى الشّاطئ المقابل" (آية 35)، إلى أراضي المدن العشر وهي منطقة يسكنها الوثنيون.

يشير هذا النّصّ بوضوح إلى مراجع من العهد القديم، وبشكل خاصّ إلى سفر يونان، ولكن من منظور مختلف. فبينما كان يونان يهرب من الأمر الإلهيّ كي يذهب إلى نينوى، كان يسوع مطيعًا للمخطّط الإلهيّ.

في قراءات سفر يونان وإنجيل اليوم نرى أنّ البحر، الّذي هو رمز للشّدّة والشّرّ، هائج ويهدّد بإغراق السّفينة. نرى أيضًا أنّ التّلاميذ، على غرار الملّاحين في سفر يونان، خائفون لا يعلمون ماذا سيفعلون. كما نجد يسوع، مثل يونان، ولسبب غير مفهوم، مستغرقًا في النّوم خلال العاصفة. إلّا أنّ نوم يونان يعود إلى فراره ممّا طلبه الله منه وعدم رغبته بالإصغاء، بينما يدلّ نوم يسوع على ثقته بالإرادة الإلهيّة للآب والّتي تسكن فيه دونما خوف.

يظهر يسوع هنا بسلطانه على الطّبيعة. لقد سبق وأظهر مرقس يسوع الّذي يرى انشقاق السّماوات ونزول الرّوح عليه (مرقس 1: 10) والّذي تشهد الشّياطين بطبيعته الإلهيّة (مرقس 1: 24). يُعلّم يسوع بسلطان، كما يملك سلطانًا مباشرًا على المرض ويطرد الشّياطين ويغفر الخطايا.

يكشف يسوع بهذه الحركة أنّ لديه سلطانًا على الطّبيعة الّتي تطيعه فورًا: لا يملك أحد سلطانًا على الخَلْق سوى الخالق والفادي. يُريد مرقس أن يخبرنا أنّ يسوع هو الله وأنّ لديه سلطانًا على كلّ شيء.

إلّا أنّ هذا الكشف لا يمكن إدراكه بعد بشكل كامل. في الواقع، التّلاميذ مرتبكون: "فخافوا خوفًا شديدًا وقال بعضهم لبعض: من ترى هذا حتّى تطيعه الرّيح والبحر؟" (مرقس 4: 41).

في الواقع، لا يمكن فهم سلطان يسوع على كلّ الخَلْق إلّا بعد الفصح عندما يترك لنا يسوع علامة يونان ويرينا بها أنّ الموت يخضع لسيطرته.

التّلاميذ خائفون ويسوع يوبّخهم على قلّة إيمانهم. إنّ قربهم من يسوع لم يجعلهم أكثر صلابة وثباتًا. ما زالت علاقتهم بالمعلّم تتّسم بالسّطحيّة، ولم يُجرَّب إيمانهم بعد في بوتقة العناء.

الخوف والإيمان طرفان متعارضان. مَن يتحلّى بالإيمان يملك الثّقة أيضًا ولا يتقوقع على نفسه، ويكوّن جماعة ويعرف دائمًا كيف يبدأ من جديد ويكوّن حياة جديدة. أمّا الخوف، من جانب آخر، فيسبّب الشّلل والتّقوقع على الذّات ويؤدّي إلى العقم والوحدة.

ينبغي على التّلاميذ أيضًا "العبور إلى الشّاطئ المقابل"، ومواجهة الآفاق الجديدة وتغيير عقليّتهم ليفهموا بشكل كامل هويّة معلّمهم.

يستطيع كلّ واحد منّا أن يرى نفسه في هذا المقطع الإنجيليّ. كلّ واحد منّا يواجه "بحرًا" و"رياحًا" خاصّة به، وليس من البديهيّ لنا دائمًا أنّ "العبور للشّاطئ المقابل" يتطلّب منّا الإيمان أنّ المعلّم حاضر بيننا ويهتمّ لأمرنا.

كما أنّه من المعتاد أن نرى في هذا المقطع، وخاصّة في سفينة التّلاميذ، صورة الكنيسة الّتي تقذف بها أمواج البحر والّتي يخلّصها حضور الفادي الّذي يمنع غرقها.

عادة ما يبدو الواقع مختلفًا في أعيننا. نحن موجودون في عاصفة ونشعر بالضّياع ويبدو لنا أنّه لا يوجد مَنْ يهتمّ بنا. تبدو لنا الكنيسة أنّها تسير على غير هدى ونحن لا نستطيع إيجاد الهدف.

وحتّى في يومنا هذا، يكرّر يسوع ويقول: "ما لكم خائفون هذا الخوف؟ أإلى الآن لا إيمان لكم؟" (مرقس 4: 40)."