بيتسابالا: لليقظة والتّنبّه
"بدأنا السّنة اللّيتورجيّة الجديدة بزمن المجيء، وبالدّعوة، في الأحد الأوّل منه، إلى التّنبّه والبقاء يقظين (متّى ٢٤، ٣٧–٤٤). بهذا الشّكل فقط يمكن أن يتمّ اللّقاء مع الرّبّ الآتي إلينا كي يكشف عن نفسه.
واليوم، في احتفالنا بعيد الغطاس، نعود إلى هذه الدّعوة، ونرى، في المقطع الإنجيليّ من بشارة متّى (متّى ٢، ١–١٢)، أشخاصًا متنبّهين، وبالتّالي يلتقون مع الرّبّ، بينما نرى أشخاصًا غيرهم، غير قادرين على التّنبّه، وبالتّالي لا يلتقون معه. تساعدنا كلا الفئتين على فهم معنى البقاء في حالة تنبّه، وكيفيّة عيش ذلك.
يعني عيش اليقظة والتّنبّه إدراك أنّ شيئًا ما قد يحدث وأخذه بعين الاعتبار.
يشرق نجم مختلف في السّماء، لكن، على ما يبدو، لم يلاحظه كلّ النّاس: ربّما رآه الكثيرون، ولكن المجوس وحدهم يتعرّفون عليه كنجم المسيح المنتظر. المجوس وحدهم يعطون أهمّيّة خاصّة لما رأوا.
وبالتّالي، فإنّ معنى التّنبّه هو إدراك أنّ ما يجري هو عبارة عن علامة، ويحمل، في حدّ ذاته، كلمة، ويقول شيئًا ما. وهذا يعني الإقرار بكون هذه العلامة موجّهة لك وتضعك في موقف الإصغاء.
قد لا نفهم كلّ شيء، فالعلامة تتحدّث لغة ليست دائمًا لغتنا. لكن بدء المسيرة يتطلّب الإدراك بأنّ الحقيقة ليست خرساء، وأنّ الواقع يتحدّث.
وهذه هي بالفعل الخطوة الأولى للخلاص.
في الحقيقة، قد حرّفت الخطيئة انتباه الإنسان عن مساره، وبدّلت هدف نظرته واهتماماته: بعد الخطيئة، توقّف الإنسان عن النّظر إلى الأعلى، عن النّظر إلى المكان الّذي يقيم فيه الرّبّ، وتوقّف عن النّظر إلى ذاته، إلى كونه عريانًا. وبعد ذلك، وعلى امتداد تاريخ الخلاص، ظلّ الرّبّ يبحث عن أشخاص قادرين على النّظر إلى ما وراء ذواتهم، وعلى السّير إلى الأمام.
يقول الرّبّ على لسان النّبيّ هوشع: "إنّ شعبي أصرّ على الارتداد عنّي. دعوه إلى العلاء وما من أحد ينهض." (هوشع ١١، ٧). ويُردّد هذا أشعيا النّبيّ في القراءة الأولى لهذا اليوم: "ارفعي يا اورشليم عينيك إلى ما حولك وانظري …" (أشعيا ٦٠، ٤).
وبالتّالي أن نكون متنبّهين يعني الطّاعة والانطلاق في الطّريق.
عندما نكون في حالة إصغاء، يجب علينا أن نترك مساحة في داخلنا لما تزرعه الكلمة فينا، وعادة ما تزرع الكلمة فينا رغبة، رغبة وحيدة كبيرة، هي البحث عن الرّبّ، والرّغبة في معرفته، وأخيرًا، العيش من أجله. "لقد جئنا لنسجد له" يقول المجوس (متّى ٢، ٢).
هذا هو بالضّبط ما لا يحدث لرؤساء الكهنة وكتبة الشّعب، الّذين يستدعيهم هيرودس ويرسلهم لمحاولة حلّ هذا الإعلان الغامض الّذي جلبه المجوس إلى أورشليم (متّى ٢، ٤–٦). حكماء إسرائيل هؤلاء يعرفون الدّرس جيّدًا، ويعطون الإجابة الدّقيقة، لكن هذا لا يغيّر حياتهم، ولا يحثّهم على الحركة، ولا يثير فيهم الرّغبة.
والشّيء المثير للدّهشة، هو أنّ رجال الدّين والحكماء والكتبة، ليسوا المبادرين في الاستعلام عن هذا اللّغز، بل يظلّون محصورين داخل حدود ما يعرفونه، كما لو كانت معرفتهم وحدها كافية…
هناك عنصر آخر تجدر الإشارة إليه، وهو أنّ الإعلان يأتي من الخارج: إنّ أورشليم هي مكان الوعود، لكن الإعلان عن الوفاء بهذه الوعود لا يحدث فيها بل يأتي من الخارج، من قبل أشخاص غرباء وبعيدين.
إضافة إلى ذلك، إنّ التّنبّه يفترض التّواضع: المجوس، حال وصولهم إلى أورشليم، يفعلون شيئًا لا يستطيع الكتبة ورؤساء الكهنة فعله: يسألون عن الطّفل بكلّ بساطة. إنّهم يقظون وحكماء، وهم، بالتّالي، متواضعون. لذا هم يعلمون أنّ كلّ ما لديهم من معرفة لا يكفي وحده، وأنّ هناك شيئًا ما وراء ذلك، شيئًا لم يُعط لهم بعد. ولهذا السّبب لا يعودون، بل على العكس، يذهبون كي يغرفوا من ينبوع آخر، من لغة أخرى لم تكن معروفة لديهم من قبل، وهي لغة الكلمة، لغة الوعود ولغة الوحي."