الأردنّ
28 شباط 2025, 13:30

بيتسابالا للأسقف الجديد إياد طوال: أحبب الجماعة الّتي أوكِلت إليك قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء

تيلي لوميار/ نورسات
بعد تعيينه أسقفًا مساعدًا ونائبًا بطريركيًّا في الأردنّ في 17 كانون الأوّل/ ديسمبر 2024، تمّ الاحتفال اليوم بسيامة الأب إياد طوال الأسقفيّة في كنيسة عماد السّيّد المسيح- المغطس/الأردنّ، بوضع يد بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا.

وللمناسبة، ألقى بيتسابالا عظة توجّه فيها للأسقف الجديد جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

ليكن سلام الرّب معكم!  

القراءات الّتي تمّ إعلانها للتّوّ، والمكان المقدّس الّذي نحن فيه، والعديد من الإشارات الكتابيّة الّتي يحملها هذا الموقع، تقدّم لنا الكثير من التّأمّلات وتشكّل نقطة انطلاق رائعة لبدء خدمتك الأسقفيّة. سأتوقّف عند بعض منها فقط.  

تتحدّث القراءة الأولى عن ولادة جديدة عظيمة. في سياق من الألم والموت، حيث يبدو الشّرّ متغلّبًا على كلّ شيء، يُرسل النّبيّ بروح الله ليُعلن "سَنَةَ رِضًا عِندَ الرّبّ ويَومَ ٱنتِقامٍ لإِلٰهِنا وأُعَزِّيَ جَميعَ النَّائحين. (لِأَجعَلَ لِنائحي صِهْيون) لِأَمنَحَهمُ التَّاجَ بَدَلَ الرَّماد وزَيتَ الفرَحِ بَدَلَ النَّوح وحُلَّةَ التَّسْبيحِ بَدَلَ روحِ الإِعْياء فيُدعَونَ بُطْمَ البِرّ وأَغْراسًا لِلرَّبِّ يَتَمَجَّدُ بِها" (إش 61: 2-3). إنّه نصّ معاصر للغاية ويتحدّث عنّا أيضًا.  

نحن نعيش واحدة من أصعب لحظات تاريخنا الحديث. لقد حفرت الحرب في النّفس الجماعيّة أخاديد من الخوف والألم وانعدام الثّقة، لم نشهد مثلها من قبل. وهذا يؤثّر أيضًا على حياة كنيستنا، الّتي هي جزء لا يتجزّأ من حياة الوطن، وتتشارك ذات التّحدّيات مع الجميع. صحيح أنّ الوضع في الأردنّ أكثر استقرارًا، والسّياسة الحكيمة توفّر الطّمأنينة، لكن أجواء الخوف من المستقبل امتدّت إلى هنا أيضًا. لذلك، تشكّل نبوءة إشعياء نداءً قويًّا يحثّ على التّعزية، الّتي ستصبح أيضًا من مهام خدمتك.  

بعد قليل، سيدهن رأسك بالزّيت، كما حدث مع الأنبياء والمُرسلين في العصور السّابقة. ستنال مسحة الرّوح القدس، الّذي من خلال الكنيسة، يرسلك إلى شعب الله المقدّس هنا في الأردنّ. ومع الكنيسة، ومن خلالك كما أنت، يجب عليك أن تحمل البشرى السّارّة للفقراء، وتكون قادرًا على شفاء القلوب الكسيرة، ورفع معنويّات المتعبين. في هذا السّياق الحربيّ، حيث يبدو أنّ كلّ شيء يتحدّث عن الكراهيّة والموت، عليك أن تكون شاهدًا حيًّا لمحبّة الله. أن تشهد هنا أنّ الله هو المحبّة، هو أن تسكب زيتًا وبلسمًا وعطرًا على جراح القلوب والعقول المثقلة. عليك أن تتعلّم الانحناء نحو معاناة الإنسان بمحبّة مستمدّة من محبّة الله، الّتي مُنحت لك اليوم. عليك أن تتعلّم مشاركة الجميع في فيض المحبّة والعدالة والمغفرة الّتي منحك إيّاها الله. ببساطة، في هذه الظّروف الصّعبة، يجب أن تمنح الشّجاعة والثّقة والنّور لشعب الله الّذي أوكِل إليك، وأن تكون شاهدًا حقيقيًّا لقوّة رجائنا، المسيح القائم من بين الأموات.  

تُلي على مسامعنا إنجيل الرّاعي الصّالح، الرّاعي الّذي يبذل حياته من أجل قطيعه. يقول الإنجيل حقيقة عظيمة قد نغفلها أحيانًا: الرّاعي يُطلب منه أمر واحد فقط، وهو أن يحبّ قطيعه ويبذل حياته من أجله.  

ستكون هناك العديد من المهام الّتي ستضطلع بها، رعويّة، إداريّة، اجتماعيّة، سياسيّة، وغير ذلك. لكن كلّ هذا ثانويّ في خدمتك. الشّيء الأوّل والأساسيّ الّذي يُطلب منك، أو بالأحرى الشّرط الوحيد الّذي وضعه يسوع، هو: أن تحبّ قطيعك. أحبب الجماعة الّتي أوكِلت إليك، قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء.  

مع خدمتك، ستتحمّل أيضًا مسؤوليّة القيادة، وستُمنح سلطة على العديد من الأشخاص. لن تكون معصومًا عن الخطأ، كما هو حال كلّ واحد منّا. لن تطالب بإيجاد حلّ لجميع المشاكل. هناك شيء واحد فقط يُطلب منك: كن صورة للرّاعي الصّالح، أحبب قطيعك، الّذي ستبذل حياتك من أجله، متخلّيًا عن ذاتك.  

أحبب بشكل خاصّ الكهنة، فهم سيكونون صوتك، وقلبك، وحضورك في الجماعة. يجب أن يشعر النّاس بالوحدة القائمة بينك وبين أوّل معاونيك، الّذين سيجعلون توجيهاتك الرّعويّة ملموسة ومرئيّة داخل الجماعة. حيثما يوجد الحبّ، هناك تتدفّق الحياة والنّور. تولد الحياة من جديد حيث يوجد من يبذل نفسه بمحبّة، حيث يوجد من يمنح الغفران. لذلك، أنت مدعوّ إلى عدم الوقوع في تجربة فعل كلّ شيء بنفسك، أو الاعتقاد بأنّ عليك إنقاذ الكنيسة في الأردنّ. الكنيسة ليست لنا، إنّها للمسيح. الكنيسة هي المكان الّتي يلتقي فيه النّاس بالمسيح ويعرفونه. عليك فقط أن تحبّها، وكلّ شيء آخر سيأتي لاحقًا. المحبّة مُعدية، تخلق روابط جميلة من الأخوّة والصّداقة والمشاركة. توحّد حتّى في أصعب الظّروف وتُمهّد الطّريق لمستقبل مليء بالثّقة.  

تبدأ خدمتك هنا، في هذا المكان المقدّس. إنّها المرّة الأولى الّتي يتمّ فيها تكريس النّائب البطريركيّ للأردنّ داخل الأردنّ نفسه، بل وفي المكان الّذي تعمّد فيه يسوع وبدأ خدمته، حيث أعدّ يوحنّا المعمدان شعب الله المقدّس لاستقبال يسوع كحمل الله.  

وهذا أيضًا مؤشّر فعّال لخدمتك الجديدة في الأردنّ: أن تبدأ من المسيح. في هذا السّياق من التّحوّلات الاجتماعيّة والتّكنولوجيّة الكبرى، والتّساؤلات العميقة حول معنى الحياة، ستكون مدعوًّا لتقديم إجابات وتوجيهات للطّريق. الأردنّ ليس بمنأى عن ضغوطات العصر. كيف يمكن للمرء أن يبقى ضمن هذه التّغيّرات دون الانجراف معها، دون أن يتحرّك بسرعة كبيرة، ولكن أيضًا دون أن ينغلق على نفسه في الماضي؟ كيف يمكن للإيمان المسيحيّ أن يتعامل مع الحداثة برحابة صدر، دون الاستسلام للأيديولوجيّات؟ الأردنّ، كبلد غنيّ بالتّقاليد، يحتاج أيضًا إلى أدوات جديدة لفهم الزّمن الحاضر. كيف نساعد، خاصّة الشّباب، على عيش هذه التّحدّيات بثقة، متجذّرين في الإيمان؟ إنهم مدعوّون لإيجاد طرق لنقل الإيمان المسيحيّ في سياق اجتماعيّ وثقافيّ متغيّر. في الجامعات، في مختلف مراكز الدّراسات والأبحاث، في عالم الإعلام، ولكن أيضًا في حركاتنا الشّبابيّة، وحركاتنا الكنسيّة المختلفة، يزداد التّساؤل حول كيفيّة التّعبير عن الإيمان. لا شكّ أن دراستك لمادّة الفلسفة ستساعدك على صياغة هذا الحوار. لكن لدينا هنا في هذا المكان نقطة للبداية هي المسيح. أوّلًا وقبل أيّ توضيحات نظريّة، وقبل أيّ مشروع رعويّ أو ثقافيّ، يجب أن تكون، مثل يوحنّا المعمدان، قادرًا على توجيه الأنظار نحو يسوع، الابن الحبيب. يجب أن تُعلّمهم أن يصغوا إلى صوته، فبالإصغاء إليه وحده يمكننا مواءمة ما نعيشه مع ما نؤمن به، حتّى في هذه الأزمنة المضطربة.  

كان يوحنّا المعمدان في هذا المكان أيضًا صوتًا قويًّا ينادي بالعدالة والحقّ. وكراعي، ستكون مدعوًّا للتّعامل مع القضايا السّياسيّة والاجتماعيّة في المجتمع، إلى جانب القضايا الدّينيّة. كلمة "أسقف" في اليونانيّة (ἐπίσκοπος) تعني "النّظر من أعلى"، لذا يجب عليك أيضًا أن تساعد الجميع على امتلاك نظرة واسعة وشاملة للحياة المدنيّة وتعليمهم أن ينظروا إلى الواقع بنظرة خالية من المصالح البشريّة. في هذه المنطقة من العالم، تستنزف القضايا السّياسيّة والاجتماعيّة الكثير من طاقتنا وتخلق توتّرات دائمة، والخطر يكمن في أنّنا قد نسمح لأنفسنا بالانجراف في هذه الدّيناميكيّة وأن نكون موجّهين إليها دون نقد. عليك أن تتعلّم كيفيّة التّعامل مع هذه التّحدّيات بحرّيّة، بدون خوف، بكلمات موثوقة، تفتح الآفاق، وتبني المستقبل والثّقة.  

بكلمات أخرى، عليك أن تبني الجماعة انطلاقًا من علاقتك الشّخصيّة العميقة مع كلمة الله مصدر الحرّيّة الحقّة. بدون هذه الألفة مع كلمة الله، يبقى المعيار والمرجع الّذي نواجه به الواقع هو أنفسنا ومنطق العالم الّذي لا نزال خاضعين له.  

وهذا ليس مستحيلًا، لأنّ لا شيء مستحيل لأولئك الّذين يحبّون الله. لا شيء يمكنه أن يفصلنا عن محبّته. لذا، لا تخف، تحلَّ بالشّجاعة! انظر إلى المستقبل بثقة. كن أداة وديعة في يد الله ليحقّق عمله من خلالك.  

الأب إياد،  

إنّ كنيسة القدس كلّها تحتضنك اليوم. لتكن خدمتك الأسقفيّة، الّتي تبدأها اليوم، ينبوع حياة وفرح وقيامة للكنيسة في الأردنّ التي هي جزء من كنيسة القدس.  

ولتشفع فيك العذراء مريم، وترافقك ببركتها الأموميّة، وتجعلك خادمًا أمينًا لسرّ الخلاص."

وسيحتفل الأسقف الجديد بالقدّاس الحبريّ الأوّل، يوم غد السّبت، السّاعة الخامسة مساءً في كنيسة قطع رأس يوحنّا المعمدان- مادبا.