بيتسابالا: كلّ مرّة يطلّ فيها يسوع على حياتنا فإنّ شيئًا جديدًا يحدث ويفرض نفسه
وفي هذا السّياق، يقول بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "نتوقّف عند هذه الحقيقة وهي أنّ يسوع يظهر عدّة مرّات، وليس مرّة واحدة.
يأتي يسوع، ثمّ يعود، وفي كلّ مرّة يكشف عن نفسه.
ليس من قبيل الصّدفة أن يبدأ المقطع الإنجيليّ بالقول إنّ يسوع يكشف عن نفسه "مرّة أخرى" (يوحنّا ٢١، ١)، لأنّه كلّ مرّة يأتي يسوع، وكلّ مرّة يطلّ فيها على حياتنا، فإنّ شيئًا جديدًا يحدث ويفرض نفسه. إنّ كلّ لقاء جديد مع الرّبّ ليس اللّقاء الّذي اختبرناه من قبل، ولهذا يجب أن نكون متيقّظين ومترقّبين ومستعدّين للتّرحيب بظهور الرّبّ المتجدّد بيننا.
إن كان هذا صحيحًا، فالسّؤال التّالي يفرض نفسه: كيف يمكن التّعرّف عليه؟ تحت أيّ ظرف يتحوّل مروره إلى لقاء، إلى نقطة انطلاق جديدة لحياتنا؟
يلقي المقطع الإنجيليّ على هذا السّؤال بعض الإضاءات.
تأتي الإضاءة الأولى من تجربة غيابه: نحن نتعرّف على الرّبّ عندما ندرك بأنّنا بدونه لا يُمكننا فعل أيّ شيء.
يخرج التّلاميذ للصّيد، ولكن "فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيئًا" (يوحنّا ٢١، ٣). وهذا ليس مصادفة. إنّها ليست مجرّد ليلة نحس. الموضوع يخصّنا بشكل أعمق ممّا نظن لأنّه يتكلّم عن حقيقة حياتنا: إذا لم نكن متّحدين معه، وإذا لم يكن حاضرًا في حياتنا، فلا يمكننا أن نختبر سوى العدم والفراغ؛ بدونه لن يكون لدينا أيّ شيء نتناوله (يوحنّا ٢١، ٥).
بالفعل، هنا تحديدًا يكشف الرّبّ عن نفسه. ويكشف عنها بواسطة وعد هامّ: "ألقوا الشّبكة إلى يمين السّفينة تجدوا". إنّ الرّبّ القائم هو الوحيد الّذي يستطيع أن يحافظ على وعد زاخر بالحياة، الحياة الوافرة، وذلك، بالتّحديد، لأنّه هو الرّبّ القائم وقاهر الموت. يمكن للكثيرين أن يَعِدوا بالحياة؛ ولكن الرّبّ القائم وحده هو من يستطيع منحها فعلاً.
في الواقع يخوض التّلاميذ الخبرة السّابقة، وانطلاقًا منها يتعرّفون على الشّخص الّذي أمامهم: "إنّه الرّبّ" (يوحنّا ٢١، ٧).
هنا نجد إضاءة أخرى يجب التّأكيد عليها، تجمع بين هذا الظّهور والظّهورات الأخرى الّتي قام بها الرّبّ القائم، المرويّة في الأناجيل. كلّ مرّة يظهر يسوع، هناك دائمًا كلمة أو لفتة تفتح قلب التّلاميذ، غير المُصدّقين، أو المتشكّكين، أو، ببساطة، غير القادرين على التّعرّف عليه.
هناك أمر مألوف، يمسّ القلب، يوقظ الذّاكرة، ويفتح العيون.
بالنّسبة لمريم المجدليّة، هذا الأمر هو اسمها، الّذي لفظه يسوع بشكل جعلها على الفور تكتشف أنّه المعلّم (يوحنّا ٢٠ ،١٦). بالنّسبة لتلميذي عمّاوس، هذا الأمر هو حركة كسر الخبز (لوقا ٢٤:٣١). وفي إنجيل اليوم الشّيء الجديد هو لفتة مألوفة، مليئة بالودّ، قام بها يسوع مرارًا، هي تناول الطّعام بمعيّتهم مرّة أخرى (٢١، ١٣)، والجلوس على الطّاولة معهم: وفي هذه اللّفتة بالتّحديد يتمكّن التّلاميذ من رؤية الرّبّ مرّة أخرى.
يتعلّق الجزء الثّاني من المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد بلقاء يسوع الشّخصيّ مع بطرس (يوحنّا ٢١، ١٥–١). وأثناء ظهوره الجديد ها هو يوجّه للتّلميذ دعوة جديدة.
الحقّ يقال: وفقًا لبشارة يوحنّا، هنا فقط تتمّ دعوة بطرس إلى اتّباع يسوع؛ لقد اجتاز يسوع الفصح، بينما اختبر بطرس ضعفه الشّخصيّ، وعجزه التّامّ عن الوفاء بوعده للرّبّ.
والآن يعرف بطرس أنّ الرّبّ وحده هو الّذي يرعى العهد والوعد، وأنّ اتّباعه لن يكون سوى الارتماء في أحضان رحمة يسوع، تمامًا كما سبق ورمى نفسه في البحر (يوحنّا ٢١، ٨): يمكننا القول إنّ هذا القفز في الماء هو، إلى حدّ ما، رمز لمعموديّة بطرس، واختياره لاتّباع الرّب، ليس بقدرته الذّاتيّة وإنّما بقوّة اتّحاده العميق بموت المسيح وقيامته."