الأردنّ
25 تشرين الثاني 2022, 08:50

بيتسابالا: المهمّ أن نكون متيقّظين وعارفين كيف ننتظر عودة الرّبّ

تيلي لوميار/ نورسات
"يجب ألّا نتوقّف عن القيام بأمور الحياة من أجل انتظار الرّبّ، بل يجب عيشها، ببساطة، كمكان مجيئه، ومكان التقائنا به". هذا ما يؤكّده بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا في تأمّله بإنجيل الأحد الأوّل من زمن المجيء، وفيه يقول بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"نبدأ اليوم سنة ليتورجيّة جديدة ترافقنا خلالها بشارة القدّيس متّى.

في هذا الأحد الأوّل من زمن المجيء، المقطع الإنجيليّ (متّى ٢٤، ٣٧–٤٤) مأخوذ من الفصل الرّابع والعشرين الّذي يشتمل مع الفصل الخامس والعشرين على العظة الأخيرة من بين سلسلة العظات الّتي جمعها الإنجيليّ في روايته.

والحديث هنا عن العظة "الأخرويّة": في مواجهة الأحداث الدّراماتيكيّة الّتي كانت على وشك الحدوث، يُحذّر يسوع تلاميذه، كي يظلّوا متيقّظين مترقّبين، فيجتازوا الحياة دون التّشبّث بأيّ شيء، باستثناء اليقين بعودة الرّبّ.

من المؤكّد أنّ الرّبّ سيعود، مثلما هو مؤكّد أنّه لا يمكن لأحد أن يعرف زمن عودته: تتقدّم المقطع الإنجيليّ اليوم الآية (متّى ٢٤، ٣٦)، حيث يؤكّد فيها يسوع أنّ لا أحد يعرف وقت نهاية التّاريخ، باستثناء الآب السّماويّ. وهذا المفهوم ذاته يختتم المقطع (متّى ٢٤، ٤٤)، ويشكّل تكرارًا تضمينيًّا. وهذا التّضمين يقدّم مفتاح القراءة: يأتي ابن الإنسان، ولكن بشكّل وفي يوم لا يعرفه أحد؛ ولهذا يجب أن نكون مستعدّين لمجيئه، في أيّ وقت.

وعليه، فإنّ الشّيء المهمّ ليس معرفة الزّمن، بل بالأحرى أن نكون متيقّظين، وعارفين كيف ننتظر.

ولكن يبدو أنّ الخطر الكبير هو خطر تجاهل هذه الحقيقة.

يعطي يسوع مثالاً، مستذكرًا حدث الطّوفان ومعيدًا قراءته. يتمّ وصف معاصري نوح بأنّهم منكبّون على القيام بأمور الحياة العاديّة: الأكل والشّرب والتّزاوج (متّى ٢٤، ٣٨). من الواضح أنّهم لا يفعلون أيّ شيء سيّء، لكنّهم لا يفعلون سوى ذلك. إنّهم جميعًا منهمكون في القيام بهذه الأمور، كما لو كانت الحياة هي مجرّد عمل هذه الأمور، وكما لو لم يكن هناك غيرها. ولذلك لم يدركوا أنّ هناك أمرًا آخرًا يدور حولهم (متّى ٢٤، ٣٩).

وهذا هو حال عودة الرّبّ (متّى ٢٤، ٣٩).

ويوضح يسوع أكثر عندما يقول إنّ رجلين يعملان في ذات الحقل، فيؤخذ أحدهما ويُترك الآخر؛ وامرأتان تطحنان، فتؤخذ إحداهما وتُترك الأخرى (متّى ٢٤، ٤٠–٤١). وهذا يعني أنّهم كانوا يفعلون نفس الشّيء، وليس أشياء مختلفة يمكن أن تبرّر حكمًا مختلفًا. لم يكن أحدهما يفعل شيئًا سيئًا، وعليه لم يكن أسوأ من الآخر.

ومع ذلك يُترك أحدهما هناك، لأنّه بالنّسبة له كان العمل في الحقل هو كلّ شيء لديه. بالنّسبة له تنتهي الحياة هناك. لم يكن يعرف أيّ شيء آخر، لم يكن ينتظر سوى ما كان يعيشه.

المطلوب هو القيام بالأشياء الاعتياديّة في الحياة، ولا شيء أكثر. لكن يجب القيام بها بشكل مختلف. وجب القيام بها مع العلم أنّها ليست كلّ شيء، وأنّها لا تستنفد الحياة، ولا تُغلق الآفاق؛ لذلك، فعندما يأتي الرّبّ، يمكن تركها أيضًا، لأنّ الحياة ليست مقصورة عليها.

إنّ الأمر يتعلّق بعيش الأمور العاديّة للحياة على أنّها مكان مجيء الرّبّ، حيث يتجلّى لنا وحيث يمكننا الالتقاء به.  

إنّها كلّها أمور جيّدة. ولكن إذا كانت هذه الأمور هي كلّ شيء، وإذا لم يكن هناك أيّ شيء آخر منتظر، فستصبح هذه الأشياء نفسها خرابنا. إذا كانت الأمور الّتي نقوم بها لا ينقصها أيّ شيء، وإذا كنّا مقتنعين أنّه يكفي القيام بها، وربّما أن نقوم بها بشكل جيّد، فإنّ هذه الأشياء ذاتها هي موتنا.

يحذّرنا المقطع الإنجيليّ اليوم من الإفراط في النّقيض الآخر. فكما أنّ السّارق يذهب لاقتحام منزل ما، فإنّه لا يعطي إشعارًا بقدومه، وكذلك يفعل الرّبّ عندما يأتي (متّى ٢٤، ٤٣). لماذا لا يُحذّرنا؟ ألن يكون تحذيرنا أفضل، ألا يساعدنا أن نكون أكثر استعدادًا؟

في الواقع، إذا عرفنا يوم مجيء الرّبّ، فسنتوقّف عن القيام بالأمور العاديّة، من أجل انتظاره. يمكننا أن نقع في الخطأ الّذي يرى أنّ الاستعداد يعني التّوقّف عن القيام بتلك الأمور الّتي كنّا نقوم بها سابقًا، تلك الأمور المتعلّقة بالحياة العاديّة: الأكل والشّرب والعمل والتّزاوج… بينما يأتي الرّبّ بالتّحديد، ويتجلّى وسط الأمور العاديّة، وفي الحياة الطّبيعيّة العاديّة، وفي داخل المعاناة اليوميّة.

وهكذا يبدأ زمن المجيء: زمن لا نقوم فيه بأيّ شيء آخر زيادة على ما نقوم به بالفعل، ولكن لا شيء أقلّ من ذلك أيضًا. يجب ألّا نتوقّف عن القيام بأمور الحياة من أجل انتظار الرّبّ، بل يجب عيشها، ببساطة، كمكان مجيئه، ومكان التقائنا به."