بيتسابالا: الحبّ لا يمكن قياسه
وفي هذا السّياق، قال بيتسابالا بحسب موقع بطريركيّة القدس للّاتين: "يبدأ يسوع بإعلان التّطويبات: وهي الإعلان عن أنّ ملكوت الله، الّذي سبق وتنبّأ عنه الأنبياء، وانتظره النّاس منذ قرون، قد حصل أخيرًا.
لقد تنبّأ الأنبياء بأنّ ملكوت الله كان سيحمل السّعادة للفقراء، والتّعزية للمنكوبين، والحرّيّة للمأسورين (راجع أشعيا ٦١، ١). والآن يقول يسوع أنّ كلّ هذا يتمّ الآن، وأنّه يتحقّق للجميع.
لقد استمعنا يوم الأحد الماضي إلى المقطع الّذي يلي التّطويبات مباشرة، حيث يقول يسوع إنّ التّلاميذ هم ملح الأرض ونور العالم.
ويؤكّد يسوع بهذه الصّور أنّ ملكوت الله قد جاء وظهر في حياة التّلاميذ، المدعوّين إلى كشف حضوره بين البشر من خلال أعمالهم وفي حياتهم.
وفي مواصلته لعظته، يصبح يسوع أكثر واقعيّة: ما هي هذه الأعمال الّتي يُدعى التّلاميذ إلى القيام بها؟ وفي وصفه لهذه الأعمال، يشير يسوع إلى الشّريعة القديمة، ويتفحّص بعض الحالات السّلوكيّة ويفتحها على قداسة جديدة، وأخلاقيّات جديدة.
يعكس هذا المقطع نموذجًا ديناميكيًّا خاصًّا بالعهد الجديد، سوف نراه لاحقًا بشكل أوضح في رسائل القدّيس بولس: هناك، في المقام الأوّل، إعلان عن النّعمة، وعن رحمة الرّبّ الّتي يمنحها مجّانًا للإنسان. وتنبثق بعدها أيضًا الحاجة إلى تكييف السّلوك الشّخصيّ مع ما قد حدث فينا.
يمكننا القول، إنّه بالنّسبة للّذين يكتشفون وجود الملكوت في حياتهم الشّخصيّة، فإنّ البرّ القديم لم يعد كافيًا. لم يعد يكفي الالتزام بشرائع معيّنة، ولم يعد كافيًا حتّى إتقان الواجب اليوميّ، لأنّه قد تنشأ احتياجات جديدة، وشكل جديد للاستمرار في الحياة، وفي العلاقات؛ لذا نحتاج إلى شكل جديد من المحبّة.
يتحدّث المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد عن أبعد من ذلك، أيّ عن أمر يتجاوز ذلك. يمكننا القول إنّه يتحدّث عن قلب الإنسان، الّذي يُدعى الآن إلى التّصرّف بطريقة جديدة، كي يعيش بشكل جديد.
ليس المطلوب القيام بشيء إضافيّ، وإلّا فلن يتغيّر، في منطق عظة الجبل، شيء على الإطلاق: سيظلّ هناك شريعة يجب الالتزام بها من أجل الحصول على الخلاص، وسيكون يسوع معلّمًا يتطلّب أكثر قليلاً مما يتطلّبه الآخرون.
هذا هو السّبب في أنّ يسوع يتحدّث بوضوح عن عبور ما، عن قفزة يجب القيام بها فيما يتعلّق بالشّريعة القديمة، مكرّرًا المفارقة التّالية: "لقد سمعتم أنّه قيل... وأنا أقول لكم"؛ وهذا ليس لأنّ ما يقترحه يسوع يختلف تمامًا عن الشّريعة القديمة، ولكن لأنّ الدّافع الّذي ينشّط كلّ مجال من مجالات الحياة، وكلّ لفتة وسلوك، وكلّ كلمة سيتمّ نطقها، وكلّ علاقة مع النّاس ومع الأشياء قد تغيّر تمامًا. وكما قلنا، فنحن لم نعد في سياق واجب يتعيّن القيام به، بل إنّنا في سياق مجّانيّة تلقّيناها، ونحن مدعوّون للاستجابة لها بنفس القدر من المجّانيّة. الحبّ لا يمكن قياسه.
عندما يقول يسوع إنّه لم يأت لكي يبطل الشّريعة، بل لإتمامها، فإنّه يريد أن يقول إنّ المعنى الحقيقيّ للشّريعة، أيّ القصد الحقيقيّ منها هو: جلب الإنسان إلى مقدار أكبر من الحبّ والمجّانيّة الّذي يمكن أن يصدر فقط عن قلب يشعر بالامتنان والشّكر لكلّ ما حصل عليه."