الأراضي المقدّسة
14 شباط 2022, 14:50

بيتسابالا: التّطويبات هي إذًا معنى التّاريخ الّذي كُشف للصّغار

تيلي لوميار/ نورسات
في الأحد السّادس من الزّمن العاديّ، تأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بإنجيل التّطويبات بحسب لوقا البشير، والّتي تمثّل "نظرة وطريقة لرؤية الآخرين والحياة والتّاريخ والمواقف".

وفي تأمّله، قال بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"تُعطينا الآية العشرون من إنجيل القدّيس لوقا مفتاحًا لقراءة المقطع الإنجيليّ لهذا اليوم (لوقا ٦: ٢٠– ٢٦) حيث نقرأ فيه أنّ يسوع "رَفَعَ عَيْنَيْه نحو تَلاميذِه وقال…"

وتسبق هذه الكلمات المعروفة بالتّطويبات، نظرة وجّهها يسوع إلى من يتبعونه، فهو ينظر إليهم ويتكلّم معهم بمنظاره الخاصّ.

تُمثّل التّطويبات في الأساس نظرة وطريقة لرؤية الآخرين والحياة والتّاريخ والمواقف. يرى يسوع الحياة بطريقته، الّتي هي طريقة الآب. يعلّمنا يسوع نظرته ويُحاول أن ينقلها إلى تلاميذه، ويُخبرهم أنّ هناك طريقة أخرى للنّظر إلى الواقع.

أمّا نظرتنا فتكتفي بما تراه. إنّ رأينا رجلاً فقيرًا أو باكيًا أو ثريًّا، فهذا فقط ما نراه، لأنّنا نرى الواقع منغلقًا على نفسه.

بالمقابل، تستطيع نظرة يسوع أن ترى ما في الدّاخل وما وراء الأمور والنّظر إلى الأشياء في علاقتها بالآب وبالطّريقة الّتي بها يكتب التّاريخ البشريّ.

ينظر يسوع إلى الفقراء كمن يملكون الملكوت، وإلى الجياع كمن يختبرون عناية الآب، وإلى الباكين كمن يعرفون الله المُعزّي، وإلى الخاسرين كمن يفتحون ذاتهم للثّراء الحقيقيّ والأجر العظيم.

إنّ الأغنياء والشّباع والضّاحكين في نظر يسوع هم أشخاص لا يستطيعون فتح أنفسهم لأكثر ممّا يملكون. إنّهم كمن حُبسوا في حاضرهم حيث تنحصر حياتهم فيما يعيشونه هنا وفي الوقت الحاضر.

لا يُعطي يسوع تفسيرًا لذلك لأنّه ليس أمرًا يمكن تفسيره بالمنطق البشريّ بل هو نظرة إيمان نقبلها أو نرفضها. سيتكلّم يسوع بنفسه لاحقًا في الفصل العاشر عن إعجابه بهذا السّرّ وعن نظرة الآب: "في تِلكَ السّاعة تَهَلَّلَ بِدافِعٍ مِنَ الرّوحِ القُدُس فقال: أَحمَدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السّماءِ والأرض، على أنَّكَ أخفَيتَ هذِه الأشياءَ عن الحُكَماءِ والأذكِياء، وكَشَفْتَها للصّغار. نَعَم، يا أبَتِ، هذا ما كانَ رِضاكَ" (لوقا ١٠: ٢١).

التّطويبات هي إذًا معنى التّاريخ الّذي كُشف للصّغار.

ماذا يحدث نتيجة هذه النّظرة؟

تُفضي هذه النّظرة إلى انقلاب كامل في وجهات النّظر وتفسير الواقع.

يبقى الواقع على حاله، فالفقير يبقى فقيرًا إلّا أنّ النّظرة تستطيع أن ترى أنّ هذا الواقع هو بمثابة امتياز وهبة وسعادة وسيؤدّي بنا إلى الله ويضعنا في علاقة معه.

إنّ كلّ من يختبر الخلاص ومجيء الرّبّ في حياته يرى الواقع بطريقة معكوسة.

لا يستطيع المرء هنا إلّا أن يفكّر بمريم العذراء. بعد أن عاشت لقاء شخصيًّا مع الله أثناء البشارة وشهدت كيف خلق الله حياة عجيبة في أحشائها، قامت من خلال "تُعظّم الرّبّ نفسي" بالإشادة بعالم جديد كما تراه في اللّحظة الآنيّة أيّ من خلال الخلاص الّذي جلبه المسيح.

يمكننا قول الشّيء ذاته عن بولس الرّسول. بعد لقائه مع الرّبّ يسوع في الطّريق إلى دمشق، غيّر بولس طريقة نظرته للحياة والعالم. كما ويقول إنّ ما بدا ضروريًّا له لم يعد كذلك بل أمسى أمرًا تافهًا. وما بدا له أمرًا محتقرًا وغير مستحقّ يصبح مكانًا للخلاص والسّعادة.

لا يتعلّق الأمر بمحاولة المرء أن يكون سعيدًا، بل فيما إذا كان مستعدًّا لأن يعيش خبرة تغيير حتّى نحصل على نظرة ذات طابع فصحيّ.

إن افتقرت المسيحيّة إلى هذه النّظرة، فلن تستطيع أن تجلب أمرًا جديدًا إلى هذا العالم ولن تكون قادرة على إحداث أيّ تغيير، وعليه سيبقى التّاريخ منغلقًا على نفسه.

ولكن إن وجدت هذه النّظرة فسيكون هناك طريقة أخرى في التّفكير والعيش والتّصرّف، قادرة على تغيير التّاريخ لكونها قريبة أكثر فأكثر إلى نظرة الرّبّ."