الأراضي المقدّسة
17 تشرين الثاني 2023, 11:20

بيتسابالا: إذا وثقنا بالله سنتعرّف على طرق الإبداع والحبّ في عيش زمن الانتظار

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما خلُص إليه بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا في تأمّله بنصّ إنجيل الأحد الثّالث والثّلاثسن من الزّمن العاديّ متّى ٢٥: ١٤- ٣٠.

بيتسابالا الّذي بدأ التّامّل بملاحظة تعارض في المثل الّذي رواه يسوع، تابع قائلاً بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "في الواقع، الرّجل الّذي يتحدّث عنه المثل لديه طريقة غريبة في تصفية حساباته.

قبل مغادرته في رحلة طويلة، عهد بأمواله إلى خدّامه: فأعطى واحد منهم خمس وزنات، وآخر وزنتين، وآخر وزنة واحدة.

اثنان منهم تاجرا بالمال وكسبا أكثر ممّا أُعطوا، أمّا الثّالث فأخفى وزنته وأعادها إلى سيّده.

التّعارض هنا هو في وقت الحساب، لأنّه وفقًا لما يقوله المثل، لا يعطي السّيّد تعويضًا بل على العكس تمامًا.

فالذي أخذ الوزنات الخمس يُحاسب ويقدّم خمس وزنات أخرى ربحها، ولا يشير المثل بأنّ السّيّد يستحوذ على الرّبح، بل يفرح بسلوك الخادم ويعده بخيرات أعظم بكثير: "أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين! كُنتَ أَمينًا على القَليل، فسأُقيمُكَ على الكَثير: أُدخُلْ نَعيمَ سَيِّدِكَ" (متّى ٢١:٢٥).

وبنفس الكلمات يعيدها للخادم الّذي حاز على الوزنتين (متّى ٢٥: ٢٣).

في نهاية المثل، يأمر السّيّد بأخذ وزنة الخادم الّذي لم يؤت بثمر وتُعطى لمن له عشر وزنات (متّى ٢٥: ٢٨). وبالتّالي، فإنّ جميع الوزنات، سواء الّتي أُخذت في البداية أو تلك الّتي ربحها، تبقى للخادم، ولم يأخذها السّيّد.

ماذا يعني كلّ هذا؟

يبدو أنّ ما "يكسبه" المرء في الحياة، ساعيًا لجعل بذرة الحياة الأبديّة الّتي غرسها الآب في كلّ واحد تعطي ثمارها، تبقى لنفس المرء.

ليس الأمر كما هو الحال في هذا العالم، حيث يسلّم العامل عمله لسيّده. أمّا الآب فإنّه لا يسلب الأمور الجميلة الّتي نمت في حياتنا بفضل عطيّته.

إنّه لا ينعم علينا بعطاياه ليطالبنا بها مجدّدًا ولكن حتّى ينمو وجوده معنا وفي حياتنا، فعندما يحين الوقت، سيقودنا إلى لقائه.

في نهاية المطاف يشاركنا الآب في سعادته بعد أن اختبرنا القليل منها في هذه الحياة (متّى ٢٥، ٢١، ٢٣) وإذا كنّا متنبّهين ويقظين وشجعان ومبدعين، على القليل الّذي وهبنا إيّاه، فإنّه سيجمعنا بفرح، فنفرح معه.

هذا بالضّبط يخالف صورة الله الّتي تفوّه بها الخادم الثّالث.

فقد اعتقد بأنّ سيّده، سيطالبه بما هو حقّه وبأنّه لا يستطع أن يعطي، رجل قلق على نفسه وليس على خادمه.

ولكن الكلمات الّتي ذكرناها سابقًا- "فخُذوا مِنهُ الوَزْنَة وأَعطوها لِلَّذي معَهُ الوَزَناتُ العَشْر" (متّى ٢٥، ٢٨)– تكشف أنّ الله هو سيّدٌ يحاسب عبيده، ليس لمنفعة خاصّة، لكنّه يعطي وزنة الخادم الثّالث لمن يعطي ثمرًا.    

لذلك يشوّه سلوك الخادم الثّالث صورة لله، لانعدام الثّقة والمحبّة في العلاقة ولهذا السّبب كان خائفًا من فقدان الوزنة فقام بإخفائها، تمامًا كما اختبأ آدم وحوّاء بعد الخطيئة.

إنّ الطّريقة الوحيدة لفقدانها من خلال إخفائها ومنع أيّ محاولة بأن تعطي ثمرًا، أيّ بإطفاء حضور الله في داخلنا.

إنّ الكنز الّذي يمنحنا إيّاه الله بطبيعته يتطلّب مشاركته: فلا يمكن أن نتخيّل الحياة دون السّعي والعمل والمخاطرة.

وإلّا يفنى هذا الكنز، تمامًا كما ينطفئ النّور في المصباح المذكور في إنجيل الأحد الماضي (متّى ٢٥: ١-١٣).

إذا وثقنا بالله، سنتعرّف على طرق الإبداع والحبّ في عيش زمن الانتظار، الّذي يمنح الفرصة والنّعمة لحياة جديدة."