سوريا
02 كانون الثاني 2025, 08:50

بيان مشترك لبطاركة ورؤساء الكنائس في سوريا

تيلي لوميار/ نورسات
أصدر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسّريان الأرثوذكس والرّئيس الأعلى للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة في العالم إغناطيوس أفرام الثّاني، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ بيانًا مستركًا جاء فيه:

"في هذه المرحلة التّاريخيّة، حيث تمرّ سورية بمخاض جديد، نتوجّه إلى الرّأي العامّ نحن رؤساء الكنائس المسيحيّة في سوريا بكلمة محبّة ورجاء نابعة من مسؤوليّتنا ومن إيماننا العميق برسالة السّيّد المسيح الّذي طوّب صانعي السّلام ودعاهم أبناء الله (متّى 5:9)، والّذي يدعونا في هذا الزّمن الميلاديّ لأن نكون رسل سلام على الأرض.  

نقف اليوم على عتبة مرحلة جديدة تتطلّب منّا جميعًا التّواضع والشّجاعة والعزيمة لبناء سوريا المستقبل والالتزام بثقافة الحوار والانفتاح على الآخر؛ مرحلة تتطلّب من الجميع الحكمة والتّروّي والتّبصّر وعدم الانزلاق وراء المماحكات الّتي لا طائل منها وعدم الانجراف وراء الشّعبويّة أو الانعزال.

أمامنا كمسيحيّين دور هامّ ومحوريّ في هذه المرحلة وهو التّعاون مع الجميع للنّهوض بهذا الوطن.  

ندرك أنّ مسؤوليّتنا الرّوحيّة والأخلاقيّة والوطنيّة تحتّم علينا رفع صوت الحقّ دائمًا والدّفاع عن كرامة الإنسان في كلّ الظّروف والسّعي بقوّةٍ لدعم مسار الدّيمقراطيّة والحرّيّة والاستقلال والسّلام الّذي يضمن لكلّ السّوريّات والسّوريّين حقوقهم وكرامتهم.

رسالتنا اليوم تنطلق من محاور رئيسيّة:  

المصالحة،  

مناشدة العالم رفع الحصار الاقتصاديّ الخارجيّ،  

الشّراكة،  

الرّجاء.

أوّلًا: المصالحة الوطنيّة والحوار كطريق للوحدة

إنّ سوريا هي بلاد ذات هويّة إنسانيّة وحضاريّة، قامت على تاريخ وجغرافيا تبدّلت عبر العصور، لكنّها بقيت ثابتة في إرادة العيش المشترك لضمان مصالحها المشتركة. إنّ هذا التّنوّع الإثنيّ والدّينيّ والحضاريّ الّذي ميّز المجتمعات المحلّيّة في سوريا هو مصدر غناها وقوّتها. وهي اليوم مدعوّة إلى استعادة دورها كعضوّ فعّال في المنظومة الدّوليّة وإلى تعزيز انتمائها إلى محيطها الجغرافيّ والعربيّ الأوسع.

ولتحقيق ذلك، ندعو إلى:

•  إطلاق حوار وطنيّ شامل يضمّ كلّ الأطياف والمكوّنات ويعزّز الثّقة والتّماسك المجتمعيّ ويعالج جذور النّزاع ويعيد صياغة الهويّة الوطنيّة السّوريّة على أساس القيم المشتركة: المواطنة والكرامة والحرّيّة والعيش المشترك.

•  إطلاق ورش حوار على المستوى المحلّيّ يشمل كلّ المحافظات والمدن والقرى لمعاجلة كلّ التّحدّيات الّتي تطال التّماسك الاجتماعيّ والعيش المشترك، ولتحقيق المصالحة الحقيقيّة في المواضع الّتي تحتاج إلى مصالحة ومصارحة، وللوصول إلى التّعافي المشترك من قبل أبناء المجتمعات المحلّيّة أنفسهم في كلّ بقاع سوريا.

•  العمل على تعزيز الثّقة بين السّوريّين من خلال مشاريع مجتمعيّة تنموية تسهم في إعادة بناء النّسيج الاجتماعيّ، وتعزّز الشّعور بالانتماء المشترك إلى الدّولة الواحدة.

•  إحياء روح العيش المشترك الّتي كانت دائمًا جزءًا من تراثنا السّوريّ والعمل على إزالة الأحكام المسبقة ومواجهة خطاب الإقصاء والكراهيّة والتّمييز، لأنّ الثّأر والأحقاد لا تبني وطنًا.

•  التّعاون من أجل تعزيز الأمن والأمان لضمان سلامة المواطنين جميعًا وترسيخ السّلم الأهليّ.  

ثانيًا: مناشدة العالم رفع الحصار الاقتصاديّ الخارجيّ

تعرّضت سوريا في الفترة الأخيرة إلى عقوبات اقتصاديّة طالت مواطنيها من كلّ الأطياف وإلى حصار اقتصاديّ. لقد أثّر هذا الحصار الاقتصاديّ على المجتمع المحلّيّ في سوريا كما وأثّر سلبًا على المجتمعات المحلّيّة المجاورة الّتي تنكبت آثار الهجرة. وطالت آثاره سائر البلدان الّتي تدفّق إليها السّوريّون سواء عبر الهجرة الشّرعيّة أو غير الشّرعيّة. من هنا تأتي دعوتنا إلى المجتمع الدّوليّ للمسارعة إلى رفع هذه العقوبات الظّالمة والعمل على دعم مسيرة البناء والتّعافي الاقتصاديّ وتوفير فرص العمل.

ثالثًا: المشاركة في صياغة دستور جديد للبلاد

نؤمن أنّ صياغة دستور جديد يمثّل طموحات السّوريّين هي مفتاح لبناء دولة ديمقراطيّة حديثة. ومن هنا نشدّد على:

•  ضرورة أن تكون عمليّة صياغة الدّستور عمليّة شاملة وجامعة تشارك فيها جميع مكوّنات المجتمع السّوريّ من مختلف الأعراق والطّوائف، رجالًا ونساءً، شبابًا وشيوخًا، لضمان أن يكون هذا الدّستور معبّرًا عن إرادة الشّعب بكلّ تنوّعه.

•  إلتزام الدّستور بمبادئ المواطنة بما يضمن حقوق الإنسان وسيادة القانون والفصل بين السّلطات واحترام الحرّيّات العامّة والفرديّة وحرّيّة الرّأي والمعتقد وإشراك المرأة.

•  تبنّي قيم العدل والمساواة في الدّستور لتكون القاعدة الّتي تُبنى عليها دولة تضمن لجميع أبنائها، من دون أيّ تمييز، فرصًا متساوية في الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.  

رابعًا: الرّجاء بمستقبل مشرق

إنّنا نؤمن بأنّ سوريا الجديدة يجب أن تبقى موحّدة وتكون نموذجًا لدولة حديثة تقوم على أسس المواطنة والدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان. ومن هنا نؤكّد على رؤيتنا لسوريا الغد:

•  سوريا الواحدة والسّيّدة والمستقلّة والّتي تحفظ كرامة كلّ مواطن، بغضّ النّظر عن دينه أو طائفته أو قوميّته أو انتمائه السّياسيّ.

•  سوريا الّتي تقوم على دستورٍ يضمن سيادة القانون، والمساواة في القانون وأمامه، وفصل السّلطات، واحترام التّنوّع والحرّيّات.

•  سوريا الّتي يشترك فيها الجميع، وخاصّة النّساء والشّباب، في بناء المستقبل.

•  سوريا الّتي تقف فيها الدّولة على مسافة واحدة من كلّ الأديان والطّوائف، وحيث يكفل الدّستور حياديّة الدّولة تجاه الدّين والمؤسّسات الدّينيّة، بما يضمن فصل مؤسّسات الدّولة عن المؤسّسات الدّينيّة، وعدم توظيف السّلطة للدّين، أو استغلال الدّين للسّلطة.

دعوة إلى الالتزام والعمل

نحن رؤساء الكنائس المسيحيّة الحاضرة في سوريا منذ ما يقارب الألفي عام، ندعو جميع بنات وأبناء سوريا، في الدّاخل والخارج، للعمل يدًا بيد لتحقيق هذه الرّؤية وترجمتها على أرض الواقع، كما ندعو بناتنا وأبناءنا المسيحيّين لعدم الانطواء والخوف بل للمشاركة الفعّالة في الحيّز العامّ انطلاقًا من روح الإنجيل حتّى يكونوا شركاء في بناء سوريا الجديدة. ونناشد المجتمع الدّوليّ الوقوف إلى جانب السّوريّات والسّوريّين في إعادة بناء وطنهم ضمن حدوده المعترف بها دوليًّا، ومنع أيّ تعدٍّ خارجيّ على السّيادة الوطنيّة ورفع العقوبات عنهم ليتسنّى لهم بحرّيّة واستقلاليّة إعادة بناء وطنهم والإنسان فيه.  

إنّنا نؤمن أنّ الله الّذي جمعنا في هذه الأرض الّتي منها انطلقت الحضارات والرّسالات الإيمانيّة سيبارك سعينا وسيرشدنا إلى طريق السّلام. فلنرفع قلوبنا وأيدينا إليه، ولنتب بعضنا إلى بعض، طالبين القوّة والحكمة للمضيّ قدمًا، ولنكن صانعي سلام، حاملين رجاء المسيح ومخلصين لرسالته الّتي تدعو إلى المصالحة والمحبّة الأخويّة وتحقيق السّلام على الأرض."