سوريا
18 آذار 2025, 15:00

بيان رسميّ للرّهبان الفرنسيسكان في سوريا، ومضمونه؟

تيلي لوميار/ نورسات
صدر عن الرّهبان الفرنسيسكان في سوريا بيانًا رسميًّا حول أحداث العنف الأخيرة، جاء في نصّه بحسب "المركز الكاثوليكيّ للإعلام:

"نتابع، نحن الرّهبان الفرنسيسكان في سوريا، ببالغ الحزن والتّأثّر والقلق، تدهور الأوضاع الأمنيّة والإنسانيّة بعد محاولة بعض المجموعات زعزعة الاستقرار الأمنيّ واعتدائهم على قوى الأمن العامّ، وما تلاها من أعمال عنف فظيع بحقّ مدنيّين أبرياء، ممّا يزيد من معاناة الشّعب السّوريّ ويهدّد السّلم الأهليّ، ومستقبل البلاد، في هذه المرحلة الحسّاسة الّتي نتطلّع فيها إلى المستقبل بقلوب يملؤها الأمل في العيش الكريم والاستقرار والسّلام.

ونحن، إذ نحمل رسالة السّلام والحوار مع الجميع، وهي الرّسالة الّتي تجذّرت في تقليدنا منذ لقاء القدّيس فرنسيس الأسيزيّ بالسّلطان الملك الكامل، ذلك اللّقاء الّذي جسّد إمكانيّة التّفاهم والاحترام المتبادل حتّى في أشدّ الظّروف صعوبة، نعبّر عن إدانتنا لكافّة أشكال العنف الّتي تستهدف حياة الأبرياء، من رجال الأمن والمدنيّين العزّل، كما نستنكر بشدّة أيّ ممارسات تنتهك كرامة الإنسان السّامية الّتي منحها الله تعالى لنا نحن البشر. فكما جاء في وثيقة الأخوّة الإنسانيّة الّتي وقّعها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطّيّب في أبوظبي عام 2019: "إنَّ الأديان لم تكن أبدًا داعية حرب، ولا باعثة على مشاعر الكراهيّة والعداء والتّعصّب، ولا مثيرة للعنف وإراقة الدّماء. هذه الكوارث هي ثمرة الانحراف عن التّعاليم الدّينيّة، والتّوظيف السّياسيّ للدّين، والتّفسيرات الّتي صنعتها جماعات من البشر استغلّت– في بعض مراحل التّاريخ- الشّعور الدّينيّ في تحريك الشّعوب ليحقّقوا أهدافًا دنيويّة ضيّقة".

لقد حان الوقت لنا أن نتعلّم من التّاريخ ومن خبرات الأمم، فندرك أنّ العنف لا يولّد إلّا العنف والدّمار، وأنّ طريق السّلام الحقيقيّ لا يتحقّق إلّا بالعدالة والمصالحة والمغفرة، كما أوضح قداسة البابا فرنسيس في رسالته العامّة "كلّنا إخوة": "ليست الحرب حلًّا، لأنّ الانتصارات الّتي يُزعم تحقيقها ليست انتصارات حقيقيّة أبدًا. فالحرب هي فشل السّياسة والإنسانيّة، وهي هزيمة أمام قوى الشّرّ" (فقرة 261).

وإنطلاقًا من أسمى التّعاليم الّتي تنشرها أدياننا السّمحة، فإنّنا نستنكر كلّ اعتداء على الحياة الإنسانيّة، كما ورد في القرآن الكريم: "من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعًا، ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعًا” (المائدة 32)؛ وكذلك يوصينا الكتاب المقدّس: "لا تقتل" (خروج 20: 13) و"الرّحمة والحقّ تلاقيا، البرّ والسّلام تعانقا. من الأرض نبت الحق، ومن السّماء تطلّع البرّ" (مزمور 85: 11-12).

وإنّنا ننتظر بفارغ الصّبر، مع كافّة أطياف شعبنا السّوريّ، تحقيق العدالة عبر محاكمات عادلة لكلّ من تورّط في سفك الدّماء، في إطار عدالة انتقاليّة حقيقيّة، تضع أسس المصالحة وتضمن عدم تكرار المآسي. لا يمكننا أن نصمت أمام الظّلم، كما قال القدّيس فرنسيس الأسيزيّ، مؤسّس رهبنتنا: "لا يمكننا أن ندّعي أنّنا نخدم الله، بينما نغضّ الطّرف عن الظّلم الواقع على إخوتنا البشر".

إنّنا نقف وقفة تضامن مع جميع إخوتنا السّوريّين، وخصوصًا ممّن يتبوّؤون مسؤوليّات جسام في المجتمع، ممّن لا يبرحون ينادون باستمرار إلى نبذ خطاب التّحريض الطّائفيّ، وإلى تثمين التّنوّع الدّينيّ والفكريّ والثّقافيّ الّذي لطالما كان مصدر غنى للمجتمع السّوريّ. كما ونناشد السّلطات التّشريعيّة بتفعيل ما ورد في المادّة السّابعة من الإعلان الدّستوريّ، وذلك بإصدار قانون يجرّم التّحريض الطّائفيّ بكلّ أشكاله، عبر كلّ الوسائل المرئيّة والمسموعة، ليكون ردعًا لكلّ من يساهم في زعزعة السّلم الأهليّ. فلا يمكن تحقيق السّلام والتّطوّر والنّموّ من دون استقرار وإنهاء لحالة العنف وترسيخ لأسس العدالة.

ختامًا، نؤكّد نحن الرّهبان التزامنا الكامل بمسؤوليّتنا تجاه كلّ إنسان يحيا على هذه الأرض الطّاهرة، واستمرارنا في تقديم كلّ ما لدينا من إمكانات وخبرات لتعزيز ثقافة المحبّة والحوار والتّماسك المجتمعيّ، آملين أن نعيش سويًّا في ربوع سوريا الجديدة، سوريا الوطن الآمن المستقرّ والمستقلّ لكلّ أبنائه."