لبنان
10 شباط 2020, 07:30

بو جوده للمسؤولين في قدّاس مار مارون: عودوا إلى رشدكم وأعيدوا إلى لبنان أصالته

تيلي لوميار/ نورسات
أحيت كنيسة مار مارون- طرابلس عيد شفيعها في قدّاس احتفاليّ ترأّسه راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران جورج بو جوده، وشارك فيه راعي أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما للرّوم الكاثوليك المطران إدوار ضاهر، والنّائب العامّ على أبرشيّة طرابلس المارونيّة الخورأسقف أنطوان ميخائيل، والمونسنيور نبيه معوّض والكهنة جوزيف فرح ونيقولا كورتوا وراشد شويري، بحضور نائب رئيس الرّابطة المارونيّة مطانيوس الحلبيّ ممثّلًا الرّابطة وحشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى بو جوده عظة من وحي العيد، قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام: "على مثال السّيّد المسيح سار القدّيسون عبر الأجيال وبصورة خاصّة أولئك الّذين، بعد أن انتهى عصر الاضطهادات الدّمويّة في القرون الثّلاثة الأولى من تاريخ الكنيسة وبعد حال الانحطاط الّتي مرّ بها الكثيرون وعدم الالتزام الإيمانيّ، ابتعدوا عن مغريات العالم وكرّسوا حياتهم لعيش كلام الله بعمق، وكان أوّلهم القدّيس أنطونيوس الكبير، تلاه الكثيرون ومن بينهم القدّيس مارون، الّذي عاش في العراء في جبل قورش، فتحوّلت حياته إلى مدرسة في التّجرّد والإماتة، وتوافد إليه الكثيرون للاقتداء بمثل حياته والسّير على خطاه. وهكذا، بعد وفاته في العام 410 على ما يعتقد، تحوّل قبره إلى محجّ للكثيرين، وبنيت الأديار على اسمه وتحوّل أتباعه تدريجًا، بعد أن تعرّضوا للاضطهاد والملاحقات والمضايقات، إلى جماعة منظّمة سمّيت أهل بيت مارون، ثم ما لبثت في القرن الثّامن أن تحوّلت إلى كنيسة قائمة بذاتها، لها بنيتها وهيكليّتها الخاصّة، وانتقل أبناؤها تدريجيًّا، بسبب هذه الاضطهادات إلى جبال لبنان الوعرة، مفضّلين شظف العيش وصعوبته من أجل المحافظة على الإيمان بدلًا من عيش الرّخاء والبحبوحة ونكران الإيمان والتّخلّي عن المسيح.
إنّنا اليوم، ونحن نحتفل بعيد أبينا القدّيس مارون، نودّ أن نوجّه نداءً حارًّا إلى أبنائه الموارنة في لبنان والعالم، وبصورة خاصّة إلى المسؤولين من بينهم، إن على الصّعيد الاجتماعيّ أو الوطنيّ أو السّياسيّ، عودوا إلى أصلكم وأصالتكم. عودوا إلى روحانيّة أبيكم القدّيس مارون.
إنّ لبنان السّيّد الحرّ المستقلّ، خيارنا مهما تكاثرت العواصف والمكائد، ومهما تعاقب علينا رجال سياسة فاسدون. واقع الحال اليوم مؤسف للغاية كما كتب بسّام ضو في جريدة النّهار أمس، تختلف وجهات نظر من تولّوا ويتولّون السّلطة فنراهم يساومون ويسايرون ويتراخون ويبيعون ويشترون، الموارنة معرّضون للخراب الحتميّ. تصدّعت علاقات النّاس بعضهم ببعض، إلى درجة ضياع روح الودّ والإلفة ومعاني الإلفة والوفاء والتّراحم. أصاب الموارنة اليوم الانهيار فتحوّلوا إلى أخوة أعداء يتربّصون ببعضهم البعض وأصبحوا في حال انشقاق، فتحاول الكنيسة ترتيب البيت الدّاخليّ، لكنّهم لا يسمعون لها، معرّضين بذلك الحضارة المارونيّة كي تكون حضارة في طريق الزّوال.
الظّروف الصّعبة الّتي يعيشها لبنان في هذه المرحلة الدّقيقة من تاريخه، مع انعدام لأيّ رؤية اقتصاديّة واضحة للمسوؤلين عن إدارة شؤون البلاد من أجل إنقاذه، دفعت باللّبنانيّين إلى حافّة اليأس، وباتوا يشعرون بأنّهم متروكون في بلدهم. فالتّقارير الّتي تنشر يوميًّا، تشير جميعها إلى أنّ الآتي من الأيّام سيكون أصعب بكثير ممّا نعيشه اليوم، من هنا دعوتنا إلى المسؤولين إلى أن يشعروا بالواقع الأليم الّذي يمرّ به النّاس، وأن يباشروا إجراءات سريعة، تسهّل حياة المواطنين اليوميّة، وتساعدهم في تخطّي هذا الواقع المرير، بعدما كفروا بالبلد وأصبحوا على شفير الانهيار. وما يزيد الأزمة تفاقمًا هي السّياسات المصرفيّة الضّيّقة، الّتي باتت تمارس ضغطًا كبيرًا على المودعين، الّذين ادّخروا مالهم وجنى عمرهم، وحفظوه في المصارف لكي يعتاشوا منه في الأوقات الصّعبة، باتوا الآن عاجزين عن استعماله بعدما حجزتهم المصارف، وانقلبت على كلّ ما كانت وعدتهم به، عبر تلك الحملات الإعلانيّة والشّعارات الرّنّانة والطّنّانة الّتي حفّزوا بها المواطنين لإيداع أموالهم في مصارفها.
أين هي اليوم من تلك الشّعارات؟ وعند أوّل أزمة حصلت رأينا كيف تلك المصارف تركت زبائنها تتخبّط، ولم تقف بجانبهم، بل مارست عليهم سياسات ظالمة، طالتهم في أغلى ما يملكون وهو جنى عمرهم. إنّ الانهيار الماليّ الحاصل وعدم استقرار سعر صرف اللّيرة، وتراجع القدرة الشّرائيّة عند المواطنين بشكل خطير، وباتت تتقلّص يومًا بعد يوم، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة، وأصبح المواطن غير قادر على تأمين المستلزمات الضّروريّة لمعيشته، وهو اليوم يعيش تحت رحمة بعض التّجّار الكبار الّذين لا شفقة لهم ولا رحمة، يستغلّون تلاعب أسعار العملات، لكي يتحكّموا برقاب النّاس، الّذين باتوا غير قادرين على تأمين أدنى مقوّمات الحياة. من هذا المنطلق، أصبح واجب علينا جميعًا، أن نساعد بعضنا البعض، ونقف بجانب بعضنا البعض، ونساند المحتاج بيننا، لكي نستطيع معًا تخطّي هذه المرحلة الصّعبة، ونصل جميعًا إلى برّ الأمان.
النّداء نفسه نوجّهه اليوم إلى جميع إخوتنا في المواطنيّة، من جميع الأديان والطّوائف والمذاهب. إنّكم جميعًا أبناء هذا الوطن الواحد. الوطن الرّسالة كما قال عنه السّعيد الذّكر البابا يوحنّا بولس الثّاني، الوطن الرّسالة للشّرق والغرب في مثل عيش أبنائه المشترك عبر القرون الطّويلة. فلا تشلعوا أطرافه وتمزّقوا أعضاءه وتتجاذبوها وتوزّعوها. لا تجعلوا من كلمة لبننة كما كتبت عنها القواميس لسوء الحظّ، عنوانًا للتّشرذم والانقسام، بل عودوا إلى رشدكم وأعيدوا إلى لبنان أصالته ليعود فيصبح الكلام الّذي قيل عنه في السّابق، مرتعًا لكلّ طالب حرّيّة وأمان".