لبنان
02 تموز 2017, 05:48

بو جوده في احياء سبعل ذكرى شهداء حرب المجاعة: الكنيسة اضطهدت منذ نشأتها وما زالت ودم الشهداء كان وسيبقى زرعاً لمسيحيين جدداً

أحيت بلدية سبعل في قضاء زغرتا، ومعها رعية سيدة الانتقال وأهالي البلدة، الذكرى المئوية لاستشهاد 300 من أبنائها قضوا في مجاعة الحرب العالمية الأولى، لمناسبة سنة الشهادة والشهداء في الكنيسة المارونية، خلال قداس احتفالي ترأّسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، في الباحة الخارجية للكنيسة، عاونه فيه رئيس دير مار يعقوب كرم سده المونسنيور أنطوان مخائيل، خادم الرعية الخوري سيمون جبرائيل، ولفيف من كهنة الأبرشية.

حضر القداس رئيس بلدية سبعل الشيخ حبيب طربيه، نائب رئيس جمعية ملح الارض السيدة جوزيان طربيه، مخاتير، فاعليات، وحشد واسع من ابناء البلدة والجوار.

في بداية القداس، ألقى الاعلامي الزميل جو لحود كلمة باسم رئيس بلدية سبعل رحب فيها بالحضور، شاكراً ايّاهم على مشاركتهم هذه الصلاة على نية من استشهدوا في حرب المجاعة، وقال: "300 بطل وبطلة ليس بالرقم السهل، ولا الرقم الوضيع في عالم الديموغرافية، لا سيما أنّ أرقام أعداد الشهداء في البلدات المجاورة لا يتجاوز الخمسين في أكثر القرى المتضررة".

وتابع:"انّها سبعل بلدتنا التي نؤمن كل بها كل الايمان، ونعلم جيداً أنّ عمقها في التاريخ يؤكد الدور الريادي الذي وجب أن تلعبه، ونعلم جيداً أنّ تحضيرها للمستقبل عبر مشاريعنا الرائدة في التربية والثقافة والتنمية والبنى التحتية سيكسبها المزيد من الريادة والتالق، وثقتنا أنّ كل فرد منا سيكون سبعل".


بعد الانجيل المقدس، ألقى المطران بو جوده عظةً، قال فيها:"أعلن غبطة البطريرك بشارة بطرس الراعي ومجلس مطارنة الكنيسة المارونية السنة الممتدة من 9 شباط 2017، عيد مار مارون، الى الثاني من آذار 2018، عيد مار يوحنا مارون سنة الشهادة والشهداء تخليدا لذكرى كل الذين أريقت دماؤهم في سبيل المسيح، رأس الشهداء.البعض منهم عرفت أسماؤهم ورفعوا على المذابح، وكثيرون آخرون غير معروفين بالأسماء، ويعود استشهادهم إلى حقبات مختلفة من التاريخ ومناطق عديدة من العالم. القرون المسيحية الاولى منذ أيام نيرون في خمسينات القرن الأول ولغاية الامبراطور قسطنطين، في بداية القرن الرابع، وصفها المؤرخ الفرنسي دانيال روبس بأنها كانت قرون كنيسة الرسل والشهداء. وقد أنهى هذه الحقبة من التاريخ الامبراطور قسطنطين متأثرا بأمه القديسة هيلانة. فقد سمح للمسيحيين بممارسة إيمانهم بحرية وببناء الكنائس والكاتدرائيات".

اضاف:"لكن عصر الاضطهاد لم ينته، وبقي المسيحيون يستشهدون لغاية اليوم في كل بلدان العالم. يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني، الاتي من بلد بعيد واقع تحت الحكم الشيوعي، انّ القرن العشرين المنصرم قد رأى أعداداً كبيرة لا تحصى من الذين استشهدوا في سبيل إيمانهم تحت الحكم النازي بألمانيا، والحكم الشيوعي في روسيا وعدد من بلدان اوروبا الشرقية والصين، وحتى في بلدان كاثوليكية متأثرة بتيارات فكرية وسياسية ملحدة، كالمكسيك في بداية القرن العشرين وإسبانيا في ثلاثينيات القرن المنصرم. كما أن فرنسا، بنت الكنيسة البكر، قد اضطهدت الكنيسة على أثر ثورة 1789، لغاية اعلانها فصل الدين عن الدولة العام 1905".

وقال:"أمّا لبنان، وبصورة خاصة أبناؤه الموارنة فقد عرفوا الاضطهاد والاستشهاد منذ نشأتهم، ومن قبل أبناء دينهم، بسبب الخلافات اللاهوتية التي كانت تستحكم فيهم. فقد استشهد 350 من تلاميذ مارون بسبب محافظتهم على إيمانهم الخلقيدوني، فتشتتوا وانتشروا تدريجاً في بلدان الشرق الأوسط، تاركين سهول سوريا الخصبة ليلجأوا إلى جبال لبنان ووديانه الوعرة، في جرود العاقورة وبشري واهدن ووادي قنوبين. ومن أصعب الأيام التي عاشها الموارنة تلك التي كانت تحت حكم الفاطميين والمماليك والعثمانيين، اذ أنّ بطريركهم جبرائيل حجولا قد اعتقل ونقل إلى طرابلس حيث قتل بصورة وحشية في عهد المماليك. لكن الاستشهاد لم يقتصر على سفك الدم المباشر، بل كان كذلك في التعرض للقدسيات وانتهاك الأماكن المقدسة والمضايقات بمختلف أنواعها سعياً من الحكام لفرض نكران الدين والانتماء الى دين اخر. في الحرب العالمية الأولى، بين سنة 1914 وسنة 1918 عاش اللبنانيون وبصورة خاصة المسيحيون، والموارنة بنوع أخصّ، أياماً صعبة للغاية وقاسية إذ إنهم تعرضوا للجوع والعطش بسبب احتكار السلطات السياسية للمواد الغذائية، ما جعل أكثر من ثلث سكان البلاد يموتون جوعاً. تذكاراً لهذا الحدث الأليم، وللعمل على عدم تكراره، قرر أهالي سبعل بالتعاون مع البلدية ومجموعة من الشبان والشابات الاحتفال بالذبيحة الالهية لراحة أنفسهم، بعدما أجرى رئيس البلدية الدكتور حبيب طربيه دراسة واحصاء دقيقا حول هذا الموضوع".

وتابع:"إحتفالنا بالقداس الالهي اليوم، وبهذه المناسبة، وازاحة الستارة عن لوحة تذكارية بأسماء هؤلاء الشهداء، ليس مجرد تذكار عابر، بل هو تذكير لكل واحد منا نحن المسيحيين بأنّنا تلاميذ الشهيد الأول يسوع المسيح الذي عبر لنا عن حبه، عمليا، بموته على الصليب من أجلنا، هو الذي قال بأنه ليس هنالك من حب أعظم من حب من يبذل الإنسان نفسه في سبيل من يحب. (يو13:15). وعن حب الآب الذي هكذا أحب العالم حتى أنه بذل إبنه الوحيد في سبيل خلاص هذا العالم (يو15:8). قبل صعوده إلى السماء، قال الرب يسوع لتلاميذه: إنّ الروح القدس سيحل عليهم، فينالون قوة ويكونون له شهودا في اورشليم وكل اليهودية والسامرة وحتى أقاصي الأرض (أع8:1). لكنه في الوقت عينه، كان قد حذرهم بأنّ الأمر لن يكون سهلا بالنسبة إليهم، لأن العالم سوف يبغضهم كما أبغضه، ويضطهدهم كما اضطهده، ولذلك فعليهم أن يتذكروا ما قاله لهم، بأن الخادم ما كان أعظم من سيده، فإذا اضطهدوني فسيضطهدونكم ايضاً، واذا حفظوا كلامي فسيحفظون كلامكم أيضاً، لا بل سيفعلون ذلك كله لكم من أجل اسمي، لأنّهم لا يعرفون من أرسلني" (يو18:15-21).

وختم بو جوده:"هكذا كان تاريخ الكنيسة منذ نشأتها وما زال حتى اليوم، إذ إن الكثيرين من ابناء هذا العالم، قد رفضوا المسيح ورفضوا كنيسته، وما زالوا يرفضونها، ويحاولون إلغاءها من الوجود، بشتى أنواع المضايقات والاضطهادات. لكن المسيح قال لهم بأنّه هو الذي يقويهم ويشجعهم على الثبات، وأنّه باق معهم إلى منتهى الدهر. ولذلك فإن كل المحاولات التي قام بها أعداؤه عبر التاريخ وما زالوا يقومون بها فشلت وسوف تفشل، لأنّ دم الشهداء كان وسوف يبقى زرعاً لمسيحيين جدداً، كما يقول ترتليانوس. انّها شبيهة بما يقوله السيد المسيح عن حبة الحنطة، التي إن لم تمت تبقى مفردة، أما اذا ماتت فانها تعطي الثمارالكثيرة. كل المحاولات التي قام بها أعداء الكنيسة لإلغائها من الوجود، كانت نتيجتها عكسية، إذ أنّها ثبتت المسيحيين في إيمانهم وقوتهم وشجعتهم على الصمود، ورفض نكران المسيح، وقد رأينا ذلك اخيراً عند إخوتنا المسيحيين الأقباط الذين خيروا بين الموت ونكران المسيح فاختاروا الموت واعلنوا بصوت عال قائلين: بالروح والدم نفديك يا صليب! بالروح والدم نفديك يا مسيح. فماتوا وهم ينشدون نشيد الظفر قائلين على الملأ إنّ المسيح قد قام...حقا قام. بهذه الروح تحتفل سبعل اليوم بذكرى ال 300 من أبنائها الذين ماتوا جوعا أثناء الحرب العالمية الأولى وحافظوا على ايمانهم وقالوا: انّه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله. وانهم بالرغم من كل المضايقات والجوع والعطش قرروا أنّهم للرب وحده يسجدون واياه وحده يعبدون (متى 4:4 و10)".

بعد العظة كانت وقفة تكريم وخشوع للشهداء ال 300 الذين قضوا في حرب المجاعة، حيث قرأ الاعلامي لحود اسماء الشهداء واحدا واحدا، وسط اضاءة للشموع التي وزعتها البلدية على المشاركين، تحمل اسماء الشهداء، وعند ذكر اسم كل شهيد، كان حامل الشمعة يسلمها الى كاهن المذبح مع وردة حمراء، لتوضع على منصة حديدية جهزتها البلدية خصيصاً من أجل تخليد ذكرى الشهداء.

وفي ختام القداس، أزيحت الستارة عن لوحة تذكارية ثبتت في الباحة الخارجية للكنيسة، كتب عليها أسماء الشهداء الثلاثمائة، تخليدا لذكراهم. ووضعت السيدة جوزيان طربيه، باقة من الورد الأحمر بالقرب من اللوحة، وتمّت اضاءت الشموع، واقيمت صلاة قصيرة لراحة أنفسهم جميعاً.

من ثم، قدّم رئيس البلدية شهادة لخادم الرعية الخوري سيمون جبرائيل، تقديراً لعطاءاته، وعمله المتفاني في سبيل انجاح الاحتفال، متمنياً له التوفيق والنجاح في رسالته وخدمته الكهنوتية أينما وجد. كما وزع كتيب على الحضور يؤرخ لأسماء الشهداء.