لبنان
13 تشرين الأول 2018, 10:00

بوجوده من بسبعل: هل نستطيع أنّ نهب الله بدون فرح؟

أقيم في كنيسة سيّدة الوادي في بلدة بسبعل في قضاء زغرتا، قدّاسًا إحتفاليًّا، لمناسبة وصول ذخائر القديسة تريزا دو كالكوتا إلى البلدة، ترأّسه راعي أبرشية طرابلس المارونيّة المطران جورج بو جوده.

 

وبحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام، بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران بوجوده عظة قال فيها: "يعطينا المسيح في بداية حياته العلنيّة في الفصول الخّامس والسّادس والسّابع من الإنجيل بحسب القدّيس متّى، ما يمكن أنّ نسمّيه دستور حياة الإنسان المسيحيّ، ويبدأه بالتّطويبات الّتي يعطيها في الوقت عينه بعدًا ماديًّا وبعدًا روحيًّا، فيقول مطوّبًا المساكين والفقراء: طوبى لفقراء الرّوح، أيّ للذين لا يتعلّقون بخيرات الدّنيا، بل يعطون الأولويّة للأمور الرّوحيّة بدون أنّ يهملوا الأمور الزّمنيّة، منفّذين ما سيقوله في ما بعد: لا يمكنكم أنّ تعبدوا ربّين، الله والمال. أمّا في إنجيل لوقا فيتحدّث يسوع مباشرة إلى الفقراء مركّزًا على الاهتمام بحاجاتهم الماديّة، لأنّ القدّيس لوقا تميّز بحسب شرح الكتاب المقدّس بأنّه إنجيليّ الرّحمة الإلهيّة، ولأنّ معظم الأمثال والأحداث الّتي يتكلّم عنها تعبّر عن محبّة الله ورحمته كما نرى ذلك في مثل الإبن الشّاطر الّذي بعد أنّ أخطأ وإنفصل عن أبيه ورفضه وصرف كلّ أمواله على الملذّات، وبعد أنّ عاد إلى أبيه إستقبله هذا الأخير فاتحًا ذراعيه مكتفيًا بأنّه عاد إليه وتاب، وقال: إبني هذا كان ميتًا فعاش وضالاً فوجد.

في الكنيسة محبّة مميزة للفقراء وقد أعطاهم السّيّد المسيح الأولويّة في إهتماماته وقال إنّه لم يأت من أجل الأصحاء، بل من أجل المرضى والمحتاجين وتعامل بروح المحبّة والرّحمة والمسامحة مع الذين كانوا يعتبرون خطأة، إن على صعيد حياتهم الشّخصيّة أو على صعيد حياتهم الإجتماعيّة، كالعشارين والزناة وعبدة المال والمتعاملين مع أعداء الشّعب. وإنّ تاريخ الكنيسة حافل بأمثال هؤلاء القدّيسين الّذين استنادًا إلى تعاليم المسيح كرّسوا حياتهم لخدمة المساكين والفقراء.


في أيّامنا المعاصرة المثل الواضح والحيّ هو القدّيسة الأم تريزيا دي كالكوتا، إبنة العائلة الألبانيّة الكاثوليكيّة التي كان والدها رجل أعمال ناجحًا يملك شركة للمباني ومتجرًا للأغذية والذي كان كثير الأسفار ويتّقن لغات عديدة، يهتم كثيرًا بالسّياسة ملتزمًا دينيًا وعضوًا في المجلس الرّعويّ. كانت، منذ طفولتها، وبمرافقة والدتها، بعد وفاة والدها، تهتم بالفقراء وتصلّي المسبحة الورديّة، وتشعر بأنّ الله يدعوها لتّكريس ذاتها في الحياة الرّهبانيّة، والقيام بأعمال الرّحمة والرّسالة، فإنتسبت إلى راهبات سيّدة لوريتو العاملات في الهند، وهكذا وبعد أنّ لبست ثوب الرّهبنة اتخذت شفيعة لها القدّيسة تريزيا الطّفل يسوع وتخلّت عن إسمها Agnèsلتّصير الأخت تيريزا فأرسلت إلى كولومبو ثمّ إلى كالكوتا. في آب 1948 حصلت على الإذن بترك رهبنة لوريتو، على أنّ تحافظ على نذوراتها المؤبّدة الّتي كانت قد أبرزتها. فإستبدلت ثوب رهبنة لوريتو بساري أبيض وأزرق باخس الثّمن، وإتضح لها أنّها تستطيع مساعدة الفقراء في مساكنهم القذرة المسببة للأمراض. زوّدها الطّبيب بالنّصائح اللّازمة لتستطيع العيش بين الفقراء وتعتني بهم. وعندما قالت إنها ستعيش على الأرز والملح، مثل الفقراء، كان جواب الطّبيب لها أنها جديرة بتحقيق دعوتها لأنّ هذا النّمط من العيش يتطلب صحة جيدة".

عاشت الأم تيريزا روحانيّة التّطويبات كما وردت عند إنجيليّ الرّحمة، القدّيس لوقا. وقد جسدت الأم تيريزيا هذه الرّوحانية بقولها: إنّ على أعمالنا أنّ تكون عمل المسيح نفسه. فهل نستطيع أنّ نهب الله بدون فرح؟ إنّ هذا الإله الذي يجب أنّ نعطيه للآخرين هو إله حيّ، إله حبّ، وعلى أعمالنا أن تتحدّث إلى قلب الفقراء وتمنحهم حب الله. فلا يجوز أنّ نسمح لأحد بالإبتعاد عنا بدون أنّ يشعر بقرارة نفسه أنّه أضحى أكثر سعادة وتحسّنًا.

لا يجوز لنا الإكتفاء بإسدائنا الخدمات إليه وحسب، بل علينا أنّ نخصّ الجميع بقلبنا النّابض بالحبّ، فمرسلات المحبّة يعتنين بالجميع دون تمييز وبلا حدود لرسالتهنّ، إنّهن يتفانين في خدمة البشر الأكثر حرمانًا، بأولئك الذين يرفضهم ذووهم، أو يعانون من احتقار الآخرين أو يعيشون على هامش المجتمع. هذا ما عاشته الأم تيريزا في حياتها الشّخصيّة، وما دعت بناتها إلى عيشه، بكل بساطة وفاعلية، فإحترمها الناس كبارًا وصغارًا وبصورة خاصّةً البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، الذي وضع بتصرّفها وتصرّف بناتها مبنى خاصّ في حاضرة الفاتيكان كي يستطعن الإهتمام بالفقراء والمساكين الذين هم، على ما يقول القدّيس منصور دي بول الأعضاء المتألّمة في جسد المسيح، لأنّ الاهتمام بهم هو اهتمام بالمسيح بالذّات. وهكذا نستطيع في الختام أن نقول إنّ الأم تيريزا تألّقت في عالم الشهرة بدون أنّ تريدها، بدون أنّ تكترث لها، لأنّ عملها كان عمل المسيح بالذّات."