لبنان
03 حزيران 2016, 17:55

بوجوده ترأس قداسا في مزيارة تكريما لقلب مريم الطاهر: التكريم لا يقتصر على الإحتفالات بل يبدأ في قلب كل واحد منا

ترأس راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده قداسا احتفاليا في مزار أم المراحم، ببلدة مزيارة - قضاء زغرتا لمناسبة تكريم قلب مريم العذراء الطاهر، بمعاونة لفيف من كهنة الأبرشية وحضور حشد من المؤمنين.

 

 

بعد الإنجيل المقدس، ألقى المطران بو جوده عظة في المناسبة قال فيها: "يتوافق إحتفالنا بتكريس لبنان إلى قلب مريم الطاهر مع إحتفال الكنيسة اليوم بعيد قلب يسوع، وهذا أمر طبيعي لأن مريم لم تكن المرأة التي اكتفت بإعطاء الحياة الجسدية ليسوع كما يقول البعض، بل لأنها كانت شريكة له في الفداء. وهذا يدعونا للعودة إلى سفر التكوين الذي يحدثنا عن فعل الخلق، وعن موقف أبوينا الأولين، آدم وحواء، الرافض لله وإستسلامهما لإغراءات الشيطان المجرب الذي أقنعهما بأنهما إذا أكلا من ثمرة معرفة الخير والشر، صارا آلهة وصار بإمكانهما الإستغناء عن الله ووضعه جانبا، وإمكانية وصولهما إلى السعادة بوسائلهما الخاصة، لكنهما في الواقع اكتشفا عريهما ومحدوديتهما وسمعا الرب يذكرهما أنهما من التراب أخذا وإلى التراب يعودان. وهكذا فإنهما قد حكما على نفسهما بالموت، لكن الرب حكم لهما بالحياة ووعدهما بأنه سيرسل لهما مخلصا مولودا من إمرأة".

أضاف: "بالرجل الأول والمرأة الأولى، آدم وحواء، دخلت الخطيئة إلى العالم ودخل معها الموت، يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما (روما 5): ولكن بإنسان واحد أيضا هو يسوع المسيح أتى جميع الناس إلى التبرير الذي يهب الحياة، وكان لمريم دور فاعل في هذا التبرير وهذا الخلاص لأنه لما تم الزمان أرسل الله إبنه مولودا من إمرأة، مولودا في حكم الشريعة ليفتدي من هم في حكم الشريعة (غلا4/4)، هذه المرأة هي مريم التي لقبت بحواء الثانية نظرا للدور الخلاصي الذي سيكون لها مع إبنها يسوع. وهكذا، اختارها الله لتقوم بهذا الدور، عندما أرسل لها الملاك جبرائيل، وقال لها: لقد نلت حظوة عند الله فستحملين وتلدين إبنا، فسمه يسوع، سيكون عظيما وإبن العلي يدعى ويوليه الرب الإله عرش أبيه، فيملك على بيت يعقوب أبد الدهر ولن يكون لملكه نهاية (لو 1/30-33)".

وتابع: "بعد ولادة يسوع، وعندما قدمته مريم إلى الهيكل عبر سمعان الشيخ عن فرح البشرية بهذا الخلاص ومجد الله وقال لمريم إن هذا الطفل قد جعل لسقوط الكثيرين وقيام الكثيرين، وآية معرضة للرفض، وأنت سينفذ سيف في قلبك لتنكشف الأفكار في قلوب كثيرة (لو 2/34-35).ونحن اليوم، عندما ننظر إلى المسيح الفادي مرفوعا على الصليب، معبرا عن حبه لنا، نرى بالقرب منه مريم المتألمة والمشاركة في فعل الخلاص، طائعة لله، مقدمة ذاتها معه من أجل خلاص كل البشر. وعندما ظهرت العذراء مريم للقديسة كاترين لابوريه، راهبة المحبة وطلبت إليها أن تصب أيقونة مكتوب عليها: يا مريم البريئة من الخطيئة الأصلية، صلي لأجلنا، أضافت بأن يوضع على الوجه الآخر من الأيقونة حرف الM بالفرنسية، حاملا الصليب، رمزا لأن مريم حملت المسيح وقدمته للبشرية، وأن يوضع كذلك قلبان الأول مكللا بالشوك، والثاني مطعونا بحربة رمزا للمسيح الفادي ولأمه التي كان سمعان قد قاله لها".

وأردف: "هذان القلبان كان لهما دور أساسي في ظهورات العذراء للفتية الثلاثة في الثالث عشر من أيار سنة 1917، التي قالت لهم: إن إبني يسوع يريد أن يكرم قلبي الطاهر بصورة مميزة. كما أن الأخت لوسيا، وهي أحد الأطفال الثلاثة الذين ظهرت لهم العذراء في فاطيمة، وكانت قد تقدمت في السن قالت أنهم رأوا على كف العذراء مريم الأيمن صورة قلب مكللا بالشوك المغروز فيه. وقد فهمنا من ذلك أنه قلب مريم الطاهر، المدنس من خطايا الناس، والذي يطلب التعويض، لكن مريم أضافت قائلة: لقد رأيتم جهنم التي يذهب إليها الخطأة. لذلك، فإن الله يريد أن يكرم قلبي الطاهر تكفيرا عن خطايا البشرية. وفي النهاية، إن قلبي سوف ينتصر. ظهورات العذراء للفتية الثلاثة سنة 1917 حصلت أثناء الحرب العالمية الأولى التي كانت الدول المتحاربة فيها دولا كاثوليكية، مما أرغم البابا بندكتوس الخامس عشر على تكريس وقته للعمل على مصالحة هذه الدول". 

وقال بو جوده: "كما أنها حصلت في السنة التي استولى فيها الشيوعيون على الحكم في روسيا، وأوجدوا نظاما ملحدا يحارب الدين وبصورة خاصة الكنيسة الكاثوليكية، فجاءت هذه الظهورات لتطمئن المسيحيين إلى مصيرهم، ولتطلب منهم التوبة والعودة إلى الله. تكريم قلب مريم الطاهر ممارسة قديمة تعود إلى القرن السابع عشر، وقد دعا إليها القديس جان أود Jean Eudes متوافقة مع عبادة قلب يسوع. سنة 1942، في عز أيام الحرب العالمية الثانية، كرس البابا بيوس الثاني عشر الجنس البشري لقلب مريم الطاهر، وحدد اليوم الثاني والعشرين من آب كتاريخ للعيد ساعيا بذلك للطلب إلى مريم التشفع من أجل السلام بين الدول، والحرية للكنيسة وتوبة الخطأة وحب الطهارة وممارسة الفضائل. وسنة 1969، على أثر المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، حددت اللجنة الليتورجية في الكنيسة الكاثوليكية تاريخ العيد في اليوم التالي للاحتفال بعيد قلب يسوع. أما عندنا في لبنان فاحتفل غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسميا بهذا التكريم منذ ثلاث سنوات، ودعانا إلى الإحتفال به سنويا".

أضاف: "العذراء مريم، أيها الأحباء، تسهر على أولادها، فهي البريئة من الخطيئة الأصلية، توزع علينا نعم الرب وبركاته، وقلبها الطاهر يهتم بمحبة لامتناهية بأولادها ويساعدهم في التغلب في حربهم وصراعهم ضد الخطيئة وضد قوة الشر التي تسعى إلى السيطرة على الكنيسة، كما نلاحظ ذلك في أيامنا المعاصرة حيث الكثير من الدول التي كانت نقطة الثقل في الكنيسة قد ابتعدت عن الإيمان، واعتنقت الإلحاد العملي والمبدئي وأصبحت تشرع الأمور المتنافية تماما مع المبادئ الأخلاقية كالإجهاض وقتل الأجنة في الأحشاء والقتل الرحيم وزواج مثليي الجنس وغير ذلك من الأمور".

وشدد على ان "تكريمنا للعذراء ولقلبها الطاهر لا يجب أن يقتصر على الإحتفالات الخارجية، مهما كانت جميلة، ومهما ضمت من الأشخاص، بل يجب أن يبدأ في قلب كل واحد وواحدة منا للقيام بفعل توبة عميقة وإلى التغير الجذري في طريقة حياتنا وفي تعاطينا مع بعضنا البعض، وإلى إحترام أجسادنا التي هي هياكل للروح القدس، كما يقول بولس الرسول، فيدعونا إلى تمجيد الله في أجسادنا".

وختم بو جوده: "لنرفع الصلوات اليوم، ونحن نجدد تكريسنا لقلب مريم الطاهر، طالبين من الله بشفاعتها أن يقدسنا ويغدق علينا البركات كي نقتدي بالعذراء مريم فتكون قلوبنا طاهرة نقية على مثال قلبها الطاهر".

وكانت انطلقت مسيرة صلاة من كنيسة السيدة الاثرية في البلدة وشقت طريقها وسط جموع المؤمنين، رافعين تمثال السيدة العذراء وقلب يسوع، وصولا إلى مزار سيدة أم المراحم، وسط ترانيم وأناشيد دينية.