لبنان
20 كانون الثاني 2025, 11:20

بمشاركة البطريرك الرّاعي الرّهبان المريميّون جدّدوا نذورهم الرّهبانيّة في عيد مار أنطونيوس

تيلي لوميار/ نورسات
جريًا العادة، احتفلت الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة بتذكار القدّيس أنطونيوس الكبير في د ير سيّدة اللّويزة برتبة تجديد النّذور الرّهبانيّة، بحضور سليل الرّهبانيّة البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي والسّفير البابويّ المطران باولو بورجيا وعدد من أساقفة الكنيسة المارونيّة.

وفي مستهلّ الاحتفال، رحّب الرّئيس العامّ الأباتي إدمون رزق بالبطريرك الرّاعي الّذي ما قطع يومًا علاقته بالرّهبانيّة الّتي ترعرع فيها وتغذّى من روحانيّتها، مؤكّدًا على الدّور الكبير الّذي قام به البطريرك الّراعي ولا يزال يقوم به، شاكرًا إيّاه على التفاتته الأبويّة ومحبّته للرّهبانيّة الّتي تبادله الاحترام والمحبّة والتّقدير.

ثمّ توجّه بكلمة إلى الرّهبان المريميّين، قال فيها:  

"إخوتي الرّهبان المريميّين، في الرّسالات خارج لبنان،  

آبائي الأحبّاء وإخوتي الأعزّاء في لبنان، وكلّ الّذين قد منعتهم أسباب شتّى من أن يشاركوننا هذا الاحتفال، نتّحد معكم بالرّوح الرّهبانيّة الأخويّة،  

أتينا اليوم نسكب نفوسنا أمام الله، نسأله أن يقبلنا من جديد. نتّضع أمامه، نطلب منه غفران عثراتنا، نشكره على ما أمّننا عليه. نمجّده لأنّه بدعوته لنا، رفعنا من وضاعتنا، ونحن بهذه الدّعوة نحيا له ولمجد اسمه: إله واحد، ثالوث مقدّس.  

أمّا نذورنا، فقد أرادها مؤسّسنا دستورًا لحياتنا الـمكرّسة، ترسًا لإيماننا ومنهجًا للقاء الرّبّ إلهنا، الّذي يدعونا بنعمته كلّ يومٍ لنجدّد علاقتنا به ولنقترب منه أكثر. يجعلنا فعلةً في حقله، ويملأنا من كلمته ويصبح أساس ومبدأ وهدف حياتنا. هو من يدعونا، وهو من يلاقينا من خلال التزامنا بالمشورات الإنجيليّة وعيشها. وهكذا نتقدّس معًا بالطّاعة للكلمة والإصغاء لإرشادات الرّوح القدس وشكر وتمجيد الآب؛ نعمل على تقديس ذواتنا ومن حولنا، مشاركين القدّيسين والأبرار والصّدّيقين في تتميم مشروع الله الخلاصيّ.  

هذا كان همّ القدّيس أنطونيوس الكبير، أب الرّهبان، الّذي أراد أن يغتني بالله فقط، فترك ميراثه المادّيّ ليكسب ميراث السّماء. أراد الكمال وأدرك أنّ الكمال لا يكتسب إلّا مع الله، وكنز السّماء هو في اتّباع المسيح. فتخلّى عن غنى العالم ونذر الفقر، مفتّشًا على الله، لاجئًا إليه في العراء، متغذّيًا من كلمته، مرتويًا من وصاياه، زاهدًا مصلّيًا، متأمّلًا،... وحيدًا إلّا من رفقة الرّبّ. ولم تخف الصّحراء قدّيسنا لأنّه دخلها برغبةٍ كبيرةٍ أن يلتقي الله. فحين يقودنا الرّوح إلى الصّحراء، لا يتركنا بل يشدّدنا لننتصر على التّجارب.  

على غرار يسوع، دخل أنطونيوس الصّحراء، مرافقًا من الرّوح القدس، تاركًا العالم، زاهدًا به، ليلاقي الله وينتصر بقوّة الرّوح القدس ونعمة الابن على كلّ التّجارب. حياة صلاةٍ وتجرّدٍ ووحدةٍ، هي الحياة الّتي أغوت أنطونيوس، وميّزته فجذب الكثيرين الّذين كانوا يبحثون عن الفرح الّذي يدوم. ولم يكن غريبًا عن النّاس، لأنّ الكنيسة وخلاص النّفوس كانا همّه. فاستقى من لقائه مع الكلمة كلمة الرّجاء للمسيحيّين المضطهدين كي يثبتوا في الإيمان، وشهد لألوهة المسيح ضدّ الهراطقة.  

اليوم، وقد توالت القرون على وجود أنطونيوس في البرّيّة، وتضاعف عدد الدّعوات الّتي اتّخذته مثالًا، نجد نفوسنا في برّيّةٍ من نوعٍ جديد، تدخل علينا بالانشغالات والمصالح، والسّياسات وسبل التّواصل السّريعة الّتي تملأ فكرنا ووقتنا لتفرغنا من الوقت والفكر للحبيب الأوّل يسوع الّذي لم يخش صغرنا بل أرادنا أن نكون شركاءه في العمل الخلاصيّ. فهل نحن صادقون على مثال أنطونيوس، في عيش القرار والاستقرار بالله؟ هل نناضل في سبيل الانتصار على كلّ الحاجات الدّنيويّة؟ هل نخطو خطوةً جديدةً أو نبحث في مكانٍ جديدٍ عن الله؟ هل تشمل أهداف تكرّسنا خلاص الكثيرين؟ هل "الرّبّ وحده يكفي؟" أنبحث عن الكمال بالله؟  

"إن شئت أن تكون كاملًا بع ما لك وأعطه للمساكين واحمل صليبك واتبعني"، في كلّ مرّةٍ نسمع هذه الآية، نتذكّر نذورنا. هي الّتي أنارت طريق الدّعوة للشّابّ أنطونيوس وهي الّتي عاش بها، وكانت أساس تجرّده، لأنّه رغب فوق كلّ شيءٍ أن يلاقي الحبيب الأوّل وأن يكون كاملاً به ومن أجله. وتتجلّى نذورنا الرّهبانيّة، في الآية نفسها لأنّ مؤسّسنا، المثلّث الرّحمات، المطران عبدالله قراعلي، يوجّهنا من خلالها إلى نذورٍ أساسيّةٍ في الحياة الرّهبانيّة: فبقول الرّبّ "بع ما لك وأعطه للمساكين"، هو يقصد الفقر. وفي "إحمل صليبك"، يقصد الطّهارة، أمّا الطّاعة فنجدها بالأمر "إتبعني". وفي هذه كلّها نجد الكمال لأنّنا نكون قد بعدنا عن المادّة الدّنيويّة المجرّبة وهزئنا بها.  

هذا قرار واعٍ إن اتّخذناه، وفيه رسمنا طريقنا إلى يسوع، والرّوح سيأخذنا في هذه الطّريق، إلى الحبّ الكبير، وفي الحبّ الكبير نجد الحرّيّة. أجل يا إخوتي، إن عشنا نذورنا وأحببناها، لا نشعر بقيودٍ، ولا نحن مأسورون... إنّما نصبح مثل القدّيس بولس "أسراء المسيح" ومثل القدّيس أنطونيوس الكبير "كواكب" في العالم.  

إنّ عبدالله قراعلي وجبرايل حوّا، وجرمانوس فرحات ويوسف البتن، رغبوا بأن يكونوا للمسيح، ومن رغبتهم نحن جذبنا إلى الفرح في "ترك كلّ شيء واتّباع المسيح"، تمامًا مثل ما جذبت دعوة أب الرّهبان رهبانًا كثيرين.    

إخوتي الأحبّاء، قد يصعب علينا عيش النّذور إذا ما رغبنا بها وأحببناها، ورأيناها مصدر راحةٍ وحرّيّةٍ في لقاء يسوعنا الحبيب. لا بل هي مصدر راحةٍ وحرّيّةٍ في لقائنا العالم أيضًا إذا كانت رغبتنا بعيشها صادقة، فلا تقوى علينا التّجارب، وإن شنّت حربها، ننتصر بنذورنا عليها. فالطّاعة للمسيح تأتي من خلال طاعة المسؤولين، والعفّة أو الطّهارة، هي في الصّليب، في اعتناقه ومعانقته، أيّ في صلب اللّذّات والشّهوات الّتي تغوينا، أمّا الفقر، فهو بصون رغبة التّملّك والتّعلّق بالأشياء وبالرّفاهيّة والرّاحة... لن أطيل شرحي لهذه النّقطة لأنّني يا إخوتي، في تأمّلي بحياة القدّيس أنطونيوس الكبير، وجدت فضيلةً أطلبها لنا جميعًا اليوم، وهي الشّجاعة.  

الشّجاعة هي عطيّة الرّوح القدس، هي موهبة نحتاجها في حياتنا الرّهبانيّة على كلّ الأصعدة: في لقاء الرّبّ والإقرار له بضعفنا، في اجتماعنا مع الآخر الـمختلف عنّا من إخوتنا وقبوله ومحبّته دون الحكم عليه، في رؤية الحقيقة والعمل بحكمةٍ من أجل أن تكون الحقيقة أساسًا في حياتنا، في معرفة ذاتنا وقبولها والسّعي لتجرّدها ونموّها...  

اليوم، في تجديد نذورنا، نعيد قراءة السّنة الّتي مضت: نشكر الله على ما أعطانا أن ننجزه، نواجه ما أخفقنا به، ونجدّد السّعي نحو الكمال. وهذه هي دعوتنا، أن ندرك أنّنا فقراء دون الرّبّ، "عبيد بطّالون" حتّى في أجمل إنجازاتنا. نريد الكمال ونحن لا نزال بعيدين، لأنّ طريق الكمال تبدأ بالدّعوة وتنتهي بالتّواضع والوداعة. وكلتاهما نكسبهما في عيشنا الأخوّة المحبّة الصادقة، المنفتحة على عطيّة الله في الآخرين، ووجود الـمعلّمين والقدّيسين في رهبانيّتنا. بالشّجاعة والتّواضع والوداعة نلاقي الحرّيّة، وبالحرّيّة نجد سلام القلب وفرح لقاء المحبوب!    

إخوتي الأحبّاء، في تجديد نذورنا، نسأل شفاعة أمّنا مريم، سيّدة اللّويزة، معلّمتنا في عيش الطّاعة والفقر والعفّة، ومرشدتنا في الشّجاعة وقبول دعوة الله. هي السّاهرة علينا والمكرّسة الّتي تطيع مشيئة الآب وتسلّم ذاتها للرّوح القدس والمؤتمنة على حمل الكلمة إلى محيطها. شجاعة، متواضعة، وديعة، عفيفة، طاهرة، كلّها لله والله معها في كلّ مسيرة حياتها.    

في ختام كلمتي، أعايدكم إخوتي الرّهبان، وإذ نجدّد اليوم نذورنا الرّهبانيّة، أطلب منكم أن نصلّي بعضنا لبعضٍ، لأنّنا أعضاء جسدٍ واحدٍ، ونذورنا هي واحدة، والانتصار بها والسّير في القداسة هو هدف واحد. أطلب من الله أن يبارك رهبانيّتنا بدعواتٍ مقدّسة، تتجرّد من ذاتها في سبيل الدّعوة والرّسالة، وأشكر الله على كلّ واحدٍ منكم، وعلى من سبقونا ومن كانوا سبب وجودنا، ودوام رهبانيّتنا. وليحفظنا ربّنا بشفاعة القدّيس أنطونيوس. آمين."