العراق
19 كانون الثاني 2019, 14:40

بماذا أوصى ساكو الأساقفة الجدد؟

إحتفل البطريرك الكردينال مار لويس روفائيل ساكو صباح أمس الجمعة برسامة أسقفين جديدين للكنيسة الكلدانيّة: مار ميخائيل-نجيب موسى ميخائيل رئيسًا لأساقفة أبرشيّة الموصل وعقرة، ومار روبرت سعيد جرجيس معاونًا للبطريرك؛ وذلك في قدّاس ترأّسه في كاتدرائيّة مار يوسف الكلدانيّة في بغداد – الكرادة. شارك في الاحتفال رئيس أساقفة ليون – فرنسا الكردينال فيليب باربران، والسّفير البابويّ المطران ألبرتو أورتيغا مارتن وسكرتيره المونسنيور خوسيه ناحوم، والمطران جان سليمان، ومار يوسف افرام عبا ومار يوحنا بطرس موشي، ولفيف من الأساقفة والكهنة من مختلف أبرشيّات العراق، وبعضهم قادمين من سان دييكو في أميركا وايطاليا، والرّهبان الدومنيكان من فرنسا والعراق، وفاعليّات سياسيّة واجتماعيّة، وأعضاء السّلك الدّبلوماسيّ، وجمع غفير من المؤمنين غصّت بهم الكاتدرائية بحسب "عشتار".

بدأ الاحتفال بقراءة نبذة مختصرة عن حياة الأسقفين الجديدين من قبل المطران يلدو، ثمّ تلى الأسقفان قانون الإيمان وتقديم الطّاعة للبابا والبطريرك. وبعد ذلك بدأت رتبة الرّسامة الأسقفيّة. ثم كانت القراءات والإنجيل وعظة البطريرك ساكو التي جاء فيها:

"أودّ في البداية أن أهنّئكما من أعماق قلبي على نيلكما الرّسامة الأسقفيّة، والتي أضعها بين يدي الله أبينا، وبين يديكما كوديعة، وأيدي الجماعة المسيحيّة التي أؤتمنتما عليها.

كما تعلمون، الأسقفيّة دعوة وليست امتيازًا، فالأسقف هو خادم النّاس وحامل الرّجاء لهم ومحبة اللّه وغفرانه. انّه من أجلهم، وليس العكس.

الأسقف هو الأب الرّوحيّ لكهنته ومؤمنيه، وخصوصًا الفقراء منهم، وفي ظروفنا الحاليّة المهجّرين منهم، تجمعه بهم الاخوّة والأبوّة الرّوحيّة، ومن هنا جاء اسمه بالكلدانيّة – السّريانيّة "ابون معليا" الأب الأسمى، أو "حَسيا" أي حامل الغفران. والأب لا يمكن أن يكون إنتقائيًّا بين أولاده، لا يُفرِّق بينهم في المُعاملةِ والمحبّة والاحتضان، بل يُصغي إليهم، ويتحسّس مشاكلهم بكلّ جدّية وتواضع، ويسعى لمساعدتهم بكلّ ما أؤتي من نعمة وقدرة. فالسّلطة الأسقفيّة الممنوحة له، هي للخدمة والتّعليم والبناء الإنسانيّ والرّوحيّ وليست للتّسلّط، فحذار أن يتحوّل الكاهن أو الأسقف إلى مقاول!

من المؤسف أن نسمع في بعض الأحيان كاهنًا أو أسقفًا يردّد "أنا الكنيسة"، هذا غرور وفساد يتعارض مع انبطاحه على الأرض ليتذكّر أنّه  تراب وإلى التّراب يعود، ويتعارض أيضًا مع الإنجيل الذي وُضِع على ظهره، ليعيشه ويحمله إلى الآخرين ولا يسيء إليه.

ينبغي على الأسقف أن يدرك أنّ الكلّ، شُركاؤه ومعاونوه، يعملون كفريق واحد من أجل نموّ الكنيسة (الأبرشيّة) وتقدّمها وتألّقها بالإيمان والرّوح والمحبّة والفضيلة. وهذا يتطلّب حكمةً وإصغاءً وصبرًا وتشاورًا مع معاونيه. وأن تكون الصّلاة سنده لكي ينوّره الرّبّ في اتّخاذ القرار السّليم. وأذكر هنا ما ورد في توصية بولس الرّسول لتلميذه تيموثاوس في رسالته الأولى (3: 2-4) "فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ…، صَاحِيًا، عَاقِلًا، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، غيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، …، وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ حَلِيمًا، غَيْرَ مُخَاصِمٍ، وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ، يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا…".

سيّدنا نجيب، اُدرك تمامًا صعوبات أبرشيّة الموصل المنكوبة، لكنّ رسالتك هي أن تعمّق  مع مطرانيّي الموصل الجليلين مار يوحنا بطرش موشي ومار نيقوديموس  داود شرف، فرح التّحرير وترسّخ رجاء العودة، من خلال علاقاتك وسعيك مع ذويّ الإرادة الطّيّبة، في بناء السّلام من خلال بناء الثّقة بين مكوّنات الموصل وتعزيز العيش المشترك، وتفكيك ما أفرزه تنظيم الدّولة الإسلاميّة من فكر وعادات وتقاليد. هذا هو التّحدّي الأكبر الذي  يتطلّب مشاركة فاعلة للكنيسة والمسيحيّين في الحياة العامّة في مدينة شهدت دمارًا كبيرًا، وفيها أقدم كنائسنا، وتحكي صفحات تاريخها عن الإسهامات الوطنيّة والثّقافيّة والمهنيّة للمسيحيّين. نسأل الله أن تكون يونان الجديد لنينوى.

سيّدنا روبرت، أعرف أنّك كنت كاهن رعيّة ناجحًا وعشت منفردًا وحرًّا نوعًا ما. أمّا اليوم فأنت أسقف معاون، أتمنّى أن تتكيّف مع الحالة الجديدة؛ فتعيش معنا حياةً جماعيّةً، وتعمل ضمن فريق الدّائرة البطريركيّة بحرص وتفاهم ومحبّة وتواضع.  

أنا وآباء السّينودس الكلدانيّ سنرافقكما بصلاتنا وسنقف الى جانبكما في رسالتكما الجديدة.   

 ثلاثة أشياء أوصيكما بها: 

أن تتذكّرا أنّكما وريثا إيمان رسول كنيسة المشرق مار توما عندما سجد قائلًا: "ربّي وإلهي"، فتحبّا الله من كلّ قلبكما وتسلّما له ذاتكما تسليمًا مطلقًا وتتّكلا عليه، أيّ أن تمتلئا من اللّه وليس من الذّات أو المال أو العالم، فتقدرا أن تقودا مؤمنيكما إليه، كما قاد النّجم المجوس حيث ولد يسوع.

أن تُحبّا الكنيسة الكلدانيّة وأبنائها وبناتها، وأن تعملا من أجل تقوية وحدتها، من خلال علاقتكما بالبطريركيّة الكنيسة الأم، ومع الكنيسة الجامعة فنكون معًا فريق عمل جماعيّ واحد. فتعكسا نور الله على كلّ شيء، خصوصًا في مثل هذه الظّروف  التي نعيشها.

أن تُحبّا العراق "الأرض والوطن" فهو هويّتنا، وتعملا من أجل وحدته واستقراره، لينعم بالسّلام ويسير نحو التّقدّم والازدهار.

وأخيراً أوصي المؤمنين أن يلتفّوا حولكما بمحبّة وثيقة واحترام، وأن يحمِلُوكما في صلواتهم. فالرّاعي يتقوّى ويتشجّع ويفرح بالتفاف رعيّته حوله."

وقبل البركة الختاميّة، قدم مار ميخائيل-نجيب كلمة شكر باسمه واسم مار روبرت، ومُنحت البركة للمؤمنين؛ وبعدها قدّم الكردينال باربران هديّةً (أيقونة) باسم المسيحيّين في فرنسا–ليون إلى أبرشيّة الموصل، للتّعبير عن حبّهم وصلاتهم وتضامنهم مع أبناء هذه المدينة التّاريخيّة. وعند ختام الاحتفال، دعاهم البطريرك ساكو إلى الغذاء في قاعة الكنيسة على شرف الأساقفة الجدد.