لبنان
10 تشرين الثاني 2021, 08:50

بلدة المنصورة احتفت بإبنها المطران ميلاد الجاويش الّذي ترأّس فيها قدّاسه الأوّل

تيلي لوميار/ نورسات
من منزل أهله إلى الكنيسة توجّه سيرًا على الأقدام، سالكًا الشّارع الرّئيسيّ لبلدة المنصورة الّذي ازدان بالأعلام اللّبنانيّة والبابويّة ويافطات التّرحيب والورود، وعلت فيه أصوات الزّغاريد والتّرحيب بإبنها المطران ميلاد الجاويش.

بهذه الأجواء، استقبلت بلدة المنصورة في البقاع الغربيّ راعي أبرشيّة المخلّص في كندا الجديد، والّذي ترأّس قدّاسه الأوّل في مسقط رأسه في كنيسة القدّيس جاورجيوس، بحضور رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران عصام يوحنّا درويش، النّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم، الأب طانيوس حدّاد ممثّلاً الرّئيس العامّ للرّهبانيّة المخلّصيّة الأرشمندريت أنطوان ديب، نائب رئيس مجلس النّوّاب إيلي الفرزلي، رئيس بلديّة المنصورة داني الجاويش، مخاتير ورؤساء بلدّيات، أهل المطران الجديد، فرق الشّبيبة والأخويّات، حشد من الرّهبان المخلّصيّين، الرّاهبات المخلّصيّات، طلّاب الإكليركيّة الكبرى وأهالي المنصورة والبقاع الغربيّ.

بعد الإنجيل المقدّس الّذي تلاه المطران درويش، رحّب خادم الرّعيّة الأب طوني رزق بإبن الرّعيّة المطران الجاويش، فألقى كلمة قال فيها: "نحتفل اليوم بالقدّاس الإلهيّ ذبيحة شكر للرّبّ الإله على هذه النّعمة الّتي منحنا أيّاها الرّبّ يسوع بأن صيّر لنا رئيس كهنة من بلدتنا المنصورة، سيادة المطران ميلاد الجاويش راعيًا لأبرشيّة المخلّص في كندا.

وفيما كنت أشارك في احتفال السّيامة الأسقفيّة في دير المخلّص العامر استوقفتني وصيّة المؤسّس المثلّث الرّحمات المطران افتيميوس الصّيفي لأولاده حين قال لهم "أسّستكم وصيّرتكم قربانة رهبانيّة مقدّسة وجئت بكم من أماكن مختلفة وبعيدة، كمّلتكم بالوسم الكهنوتيّ المقدّس وقد وضعت البعض منكم في خدمة الرّعيّة الكاثوليكيّة ليس لكي أمكث هنا بطّالاً مستريحًا بل لكي أجدّ بواسطتكم في فلاحة كرم المسيح في رعيّتي وفي كلّ مكان". ومن تلك السّاعة انطلقت هذه الرّهبانيّة المباركة إلى أصقاع العالم تبشّر بكلمة الرّبّ.

وأذكر أيضًا حين كنت تلميذًا في معهد اللّاهوت بأنّني التقيت بكاهن نشيط أوكل إليه تدريسنا مادّة الكتاب المقدّس ولاسيّما القدّيس بولس، فتعجّبت لعشق هذا الكاهن للرّسول بولس القائل "إنّ كلّ خمير متّخذ من النّاس يُقام لأجل النّاس" وهذا ما سمعناه وشهدناه واختبرناه ولمسناه بأنّك كنت مثالاً صالحًا للمؤمنين في الكلام والتّصرّف والمحبّة والإيمان والعفاف.

وبالعودة إلى كلام المؤسّس أراك تحمل هذه الوصيّة في قلبك وفي عملك وفي حياتك، فتكون هذا العبد المختار من الله والمحبّ لله مستحقّ أن تحلّ عليك نعمة الرّوح القدس الّتي في كلّ حين تشفي المرضى وتكمّل النّاقصين، منتدبًا أسقفًا على أبرشيّة المخلّص في كندا، تسمع مجدّدًا أفواه رعيّتك تصرخ "مستحقّ مستحقّ مستحقّ "."

بدوره، ألقى المطران الجاويش كلمة شكر جاء فيها: "سيادة المطران عصام يوحنّا درويش راعي الأبرشيّة، الأب طانيوس حدّاد الحبيب ممثّلاً الرّئيس العامّ للرّهبانيّة المخلّصيّة الأرشمندريت أنطوان ديب، دولة الرّئيس إيلي الفرزلي، رئيس بلديّة المنصورة ابن العمّ الحبيب داني الجاويش، المخاتير ورؤساء البلديّات المجاورة، الآباء المحترمون.

الطّقس البيزنطيّ معروف بطابعه الأمبراطوريّ، بالثّياب والتّاج والعصا، لأنّه أاتى من القسطنطينيّة، والأساقفة والكهنة أخذوا هذا الطّابع ولبسوا ثيابًا حبريّة مميّزة. واليوم وأنا بين أبناء بلدتي الأحبّاء أشعر وكأنّي امبراطورًا واكثر. الرّبّ يسوع قال "ما من نبيّ له كرامة في وطنه" وهنا أستأذن السّيّد المسيح لأقول: أحيانًا النّبي يكون لديه كرامة في بيته بين أهله لأنّه يشعر بأنّه مدلّلاً بين أحبّائه. وما شاهدته من استقبال على الطّريق من جميع أبناء المنصورة مسيحيّين ومسلمين كلّهم استقبلوني بالأرزّ والورد، أنا لهم ممتنّ وشاكر.

ألف شكر لسيادة المطران عصام يوحنّا درويش لرعايته الأبويّة، ولكاهن الرّعيّة الأب طوني رزق ولكم جميعًا لأنّكم أصرّيتم على اجتياز مسافة طويلة للمشاركة في رسامتي الأسقفيّة في دير المخلّص، ووجودكم معنا اليوم يدخل الفرحة إلى قلبي، وأنا أفتخر ببلدتي المنصورة أمام الجميع.

من الجميل أن يُنتخب من بلدة المنصورة البقاعيّة الصّغيرة أسقفًا. أنتم تعلمون أنّي لست أوّل كاهن من البلدة ولكنّي أوّل مطران منها، كما أنّي لست أوّل كاهن من آل الجاويش. في سجلّات الرّهبنة المخلّصيّة هناك خمسة كهنة من آل الجاويش من جون وزحلة ودير القمر. المطران فارس معكرون أخبرني أنّه كان هناك مطرانًا من آل الجاويش في البرازيل أصله من زحلة، لذلك لست أوّل أسقف من هذه العائلة الكريمة."

وتابع: "عندما أزور بلدتي ينتابني شعوران: "صحيح أنّني لم أسكن كثيرًا في هذه البلدة. غادرتها وأنا فتى ولكنّي أشعر بالفخر لأنّي أخذت من بيت أهلي الطّيبة والعزّة والكرامة أحملها معي أينما حللت، وأخذتها من المرحوم والدي خاصّة. وإسمحوا لي اليوم أن أرفع من شأن والدي هذا الفلّاح ابن الأرض الّذي علّمني كرامة أهل البقاع وعزّة أهل البقاع.

في حياتي لم أقبّل يد أحد ولا سعيت وراء قرش من المال ولم أسع وراء المعالي. عزّة نفسي وكرامتي أخذتها من هنا، من منزل أهلي من هذه الضّيعة الكريمة ومن والدي خاصّة، لكم منّي ألف شكر وأنا أفتخر بأنّي إبن البقاع.

الشّعور الثّاني هو شعور الانسلاخ. دخلت صغيرًا إلى الدّير. رهبنتي وكهنوتي وأسقفيّتي وخدمتي كانت غالبًا خارج الأبرشيّة، واليوم سفري إلى الخارج وكنت سابقًا في الخارج، جعلني أشعر بنوع من الانسلاخ عن بيتي وأهلي، وبيننا اليوم وجوه جديدة لا أعرفها.

شعرت بهذا الانسلاخ حتّى عن مدفني لأنّ الأسقف عادة يدفن في رهبنته. هذا الشّعور ليس بسيطًا ولكن كون الرّبّ دعاني من هذه البلدة سلّمت إليه أمري، سفينة حياتي سلّمتها للرّبّ وأينما تأخذني الرّياح أسير.  

القرى والبلدات هي منبت ومشتل الدّعوات. في هذه الأيّام المدن حالتها تعيسة وفاسدة، يجب أن تبقى القرى خزّانًا ومنبتًا للقيم والفضائل والدّعوات. كما ربّنا اختار ابن الفلّاح ليصبح لاحقًا أخًا وراهبًا وكاهنًا وأسقفًا في بلاد كندا البعيدة. فلتبقى قريتنا والقرى القريبة منبتًا للتّقوى لأنّه إذا خربت المدن تبقى القرى مصدرًا للتّقوى للكنيسة ككلّ.

يسوع ولد في قرية، وعندما بدأ التّبشير بدأه في قرية وكان يتجنّب كثيرًا الدّخول إلى المدن. هو ابن ضيعة، مار شربل ورفقا والأخ إسطفان هم أبناء ضيع وبلدات. المطلوب من الأهل ألّا يستقيلوا من دورهم، أن يزرعوا في الشّبيبة الفضائل والقيم.

أنا سلّمت نفسي إلى الرّوح القدس ليأخذني أينما يشاء. كان لديّ قضيّة واحدة في حياتي هي الرّبّ يسوع المسيح، أحببته وسلّمته أمري وكما يقول القدّيس بولس "كلّ شيء يؤول إلى الخير للّذين يحبّون الله". أنا أحببت الله ومتوكّل عليه أينما كنت سواء في لبنان أو كندا، أطلب صلاتكم ودعمكم ومسبحتكم على نيّتي ونيّة الأبرشيّة الّتي أذهب إليها.

وفي هذه المناسبة الجميلة أشكر سيادة المطران عصام يوحنّا درويش ابن رهبنتي، وأنا لي الفخر أن أنتمي إلى هذه الرّهبنة وإلى الأبرشيّة الّتي كان على رأسها، وأشكره على عاطفته الأبويّة، وأشكر الأب طوني رزق الحبيب كاهن الرّعيّة على تحضيره هذا القدّاس الأوّل. أشكر الشّبيبة والجوقة والسّيّدات وكلّ من تعب في التّحضير، لكم منّي كلّ الشّكر".

وأنهى قائلاً: "سأحملكم دائمًا في صلاتي ولو من بعيد. سأعمل من الخارج لمساعدة أهل بلدتي وتقديم كلّ ما يحتاجونه."

بعد القدّاس، تقبّل المطران الجاويش التّهاني في قاعة الكنيسة.