لبنان
11 أيلول 2023, 08:45

بعد 70 عامًا جرس كنيسة سيّدة النّجاة الأثريّة- بياقوت عاد ليقرع من جديد

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد مولد العذراء مريم، عاد جرس كنيسة سيّدة النّجاة الأثريّة في بياقوت ليقرع من جديد بعد 70 عامًا من توقّف الاحتفالات اللّيتورجيّة فيها، وبعد إعادة ترميمها وتجديدها.

وللمناسبة، أعاد راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد السّاتر تكريس الكنيسة ومذبحها الجديد، واحتفل بالذّبيحة الإلهيّة مع خادم الرّعيّة الخوري شربل عون، والمتقدّم بين الكهنة في قطاع ساحل المتن الخوري بيار أبي صالح، بمشاركة القيّم العامّ الأبرشيّ الخوري جورج قليعاني ولفيف من كهنة القطاع، بحضور رئيس بلديّة بياقوت عصام زينون والمختار بشارة زينون وحشد من أبناء الرّعيّة.  

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد الساتر عظة جاء فيها: "من يدخل كنيسة سيّدة النّجاة الأثريّة يلمس عمق المحبّة الّتي دفعتكم إلى ترميمها وتجديدها وإنجاز مذبحها في ثلاثة أشهر. نشكر الله ونمجّده على كلّ فرد من بينكم، ووجودكم في هذا الوقت لنحتفل معًا بالقدّاس الإلهيّ هو علامة أيضًا على أنّ كنيسة بياقوت ليست فقط كنيسة الحجر بل هي أوّلًا كنيسة البشر.

تأمّلوا حجارة هذه الكنيسة. إنّ كلّ حجر لا يشبه الآخر، ولكنّه موضوع في مكانه، وغيابه يجعل البناء غير مكتمل. هكذا الكنيسة الّتي يبنيها ربّنا كلّ يوم وهي من صنع يديه. لننظر إلى بعضنا البعض، لا أحد منّا يشبه الآخر ولكن كلّ واحد منّا أساسيّ وضروريّ في الكنيسة- الجماعة لتكتمل.

لا تقوم الكنيسة إلّا بنا كلّنا مجموعين بالرّبّ يسوع الحاضر في قلبها وقلوبنا وبالرّوح القدس وبالمحبّة لبعضنا البعض.

كرّسنا اليوم كنيسة الحجر، ولكن الرّبّ يسوع كرّسكم جميعًا كنيسة بشر متّحدين بفعل الرّوح القدس بالمحبّة. كلّ واحد وواحدة منكم أساسيّ وضروريّ لقيام الكنيسة واستمرارها.

صلّوا على نيّة البعيدين عن الكنيسة ليعودوا إليها، حتّى تكتمل كنيسة بياقوت."

وفي ختام القدّاس، كانت كلمة للخوري شربل عون قال فيها:  

"سلِ الأرضَ سلِ السّماء،  

سلِ الانسان ومن تشاء،

يقولون إنَّها عذراءٌ عذراء، قدِّيسة، ملكة،  

عرشها لبنان وتاجها أرزة خضراء.

صاحب السيادة المطران بولس عبد السّاتر رئيس أساقفة بيروت السّامي الاحترام

نعمة فوق نعمة أن نجتمع معكم وحولكم اليوم في عيد مولد العذراء مريم وفي ذكرى سيامتكم الأسقفيّة الثّامنة، لنحتفل كأبناء مفضّلين لدى الرّبّ، بتكريس مذبح وكنيسة سيّدة النّجاة في بياقوت، هاتفين: هوشعنا لابن داود، هوشعنا للمباركة بين النّساء، هوشعنا لراعينا المبارك بولس عبد السّاتر الآتي باسم الرّبّ، ولسنين كثيرة يا سيّد.

صاحب السيادة، شهور أربعة مرّت على زيارتكم الرّعويّة المباركة إلى رعيّة سيّدة النّجاة بياقوت.  

مواسم فرح، بالمحبّة والتّواضع، زرعتها، وقد نضجت اليوم في قلوبنا، فحوَّلت أرضنا القاحلة إلى مراعٍ خصبةٍ.  

الزّيتونة قطرت زيتًا مباركًا شافيًا للنّفوس.  

التّينة أعطت حلاوتها بالكلمة والعمل والحبّ.  

والكرمة عصرت نبيذًا معتَّقا يكرّم قلب إلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح وبه فرح ويفرح جميع المدعوّين إلى وليمة عرس الحمل.  

ها هي الثّمار قد أينعت وراحت بالفرح تفرش ألوانها،  

والعيون والقلوب قبل الأيدي ممدودة لقطافها بالشّركة والمحبّة.

أمّا السّنابل الذّهبيّة فأعطت قمحها عجينًا جاهزًا للخبز تقدمةً وقرابين.  

إنّها لشعانين مباركة صنعتها يا سيِّد، وقد حلّت اليوم بقدومكم، وها هي بياقوت بكلّ ما فيها ولها وما عليها تهتف لسيادتكم من جديد: هوشعنا مبارك الآتي باسم الرّبّ.  

صاحب السّيادة، أن يقول ربّنا "كان بالأحرى بكم أن تفعلوا هذه ولا تتركوا تلك"، كان لا بدّ لنا أن ننطلق أيضًا في مسيرة التّرميم والعمران في الرّعيّة، وبدعم من سيادتكم، على الرّغم من الظّروف الاقتصاديّة الصّعبة الّتي يعاني منها جميع النّاس.

البداية كانت لترميم كنيسة سيّدة النّجاة الأثريّة، موضوع احتفالنا هذا، والّتي يعود تاريخ بناؤها إلى مئة وخمسين سنة خلت.  

هي كنيسة الأجداد والآباء والأحفاد، كنيستنا نحن اليوم.  

إن أمعنتم النّظر جيّدًا تشاهدون عرق الجبين محفورًا في كلّ حجر من حجارتها، وتبصرون تعب اليدين مرصوفًا في زوايا أساساتها ومداميكها، وعتيقَ الأيّام والسّنين قد شاخ في حنايا قُبّتها الّتي عادت لتحتضن صوت ترانيم الملائكة، ليتجدّد نسر شبابها.  

وإحتفالنا اليوم ما هو إلّا إعلان بعودة الاحتفالات اللّيتورجيّة إلى كنيسة سيّدة النّجاة الأثريّة بعد توقّف دام سبعين سنة، حيث أُهملت ودُنّست، ونُقلت الاحتفالات إلى الكنيسة الجديدة.  

وأغتنمُها مناسبةً لأعلن أمامكم يا صاحب السّيادة وعلى مسمع أبناء الرّعيّة، أنّنا على موعدٍ مع سيادتكم، لتدشين وتكريس مذبح وكنيسة الأمّ الحزينة الجديدة الّتي بدأت أعمال البناء فيها في الخامس عشر من شهر حزيران الفائت، على أمل أن تعود الاحتفالات إليها، بشفاعة الأمّ الحزينة، قبل عيد الميلاد المجيد القادم.  

وهي مناسبة أيضًا لأتقدّم بالشّكر من سيادتكم على ترؤّسكم هذا الاحتفال المهيب الّذي زادنا حبًّا لكنيستنا ولسيادتكم وشكرٌ مضاعف على الجرس الجديد الّذي قدّمتموه لكنيسة الرّعيّة. وعلى محبّتكم الخاصّة لرعيّة سيّدة النّجاة بياقوت، حيث أعربت عن محبّتك هذه قائلاً لي: "أحبّ بياقوت وأحبّ أن أذهب إلى بياقوت." ونحن بدورنا يا صاحب السّيادة نبادلك حبًّا بحبّ ونقول: حسنٌ لنا أن تكون معنا يا سيّد وأن تبقى معنا في بياقوت.

وأمّا عن غيرة أبناء الرّعيّة على الكنيسة قلت في كلمتي بمناسبة زيارتكم الرّعويّة في الثّلاثين من نيسان: أنّها كرامة المسيح الّتي لبسوها بالعماد وهي بالفعل تجلّت في تقديماتهم وتبرّعاتهم الوافرة، سائلًا ربّنا يسوع المسيح من أجلهم أن تكون تقديماتهم قرابين مقبولة لديه عنهم وعن عائلاتهم وأحبّائهم بشفاعة والدته العذراء مريم سيّدة النّجاة شفيعة الرّعيّة.  

كلّ هذا لا فضل لنا فيه، إنّما للّذي أحبّنا كلّ هذا الحبّ، ربّنا يسوع المسيح.  

وما نحن إلّا فعلة بطّالون لا نفع منّا، وقد فعلنا ما أُمرنا به.  

صاحب السّيادة، الكنيسة عبر تاريخها عملت وما زالت تعمل جاهدة من أجل خير الإنسان أيّ إنسان، وتعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعيّة وترقّي الشّعوب، وسعت وتسعى للمحافظة على كرامة الإنسان وحقّه، لأنّه على صورة الله ومثاله الّذي تؤمن به وتعبده وهي المؤتمنة على وديعة الإيمان. وعبر التّاريخ هناك من يعمل في الغرف المظلمة وبأفكار ظلاميّة ليُقوّض عملها ويُفني سعيها ويُفسد شعبها ويحيك لها إكليلاً من شوك الذّلّ والهوان، إلّا أنّها تبقى ثابتةً على إيمانها مدافعة عنه بقوّة ذاك الّذي يقوّيها وتنتصر. واليوم وصلنا إلى واقعٍ مرير يعيشه العالم بأسره، وبدأنا نسمع أصداءه في ساحاتنا، فالغرف المظلمة خرجت إلى العلن والظّلاميّون خرجوا من جحورهم وجلسوا في مراكز القرار والتّشريع وأصدروا تشريعات تتعدّى حدود الله وتقزم مبدأ الخلق، ذكرًا وأنثى خلقهما، وتُجهّل الله وتسخِّف عمله، وهو الخالق وضابط الكلّ، وذلك باسم الحرّيّة الشّخصيّة للأفراد، علّهم بذلك يُحكمون الطّوق عليها ويلبسونها إكليل شوك الذّلّ لإذلالها.

وغاب عن خاطرهم أنّ من قال لتلاميذه ثقوا أنا غلبت العالم، قد حوّل إكليل الشّوك والذّلّ إلى إكليل انتصار. وغاب عن بالهم أيضًا أن في الكنيسة أحبارًا أقوياء أشدّاء بإيمانهم، وأنتم يا صاحب السّيادة حبرٌ من أحبار الكنيسة الأقوياء والأشدّاء بالكلمة والموقف والحبّ، لا بقوَّة السّياسة أو النّفوذ أو المال أو التّشريع، بل بقوّة الرّوح القدس السّاكن في الكنيسة والنّاطق بالرّسل والأنبياء، وعلى مثال سيّدهم، سيحوّلون كلّ أكاليل الذّلّ والظّلام في العالم إلى إكليل انتصار.

صاحب السّيادة، باسم رعيّة سيّدة النّجاة بياقوت ولجنة الوقف ورئيس بلديّة بياقوت ومختار بياقوت والأخويّة وجماعة معًا محبّة وسلام والحركات الرّسوليّة والجوقة أقدّم لسيادتكم إكليل الانتصار، تاج الأحبار، لأنّك مستحقّ ومستحقّ ومستحقّ.

أهلاً وسهلاً بسيادتكم".

وبعد القدّاس وزيّاح أيقونة العذراء مريم، التقى المطران عبد السّاتر أبناء وبنات الرّعيّة في ساحة الكنيسة.