العالم
17 تشرين الأول 2019, 05:00

بعد ساحل العاج، الرّاعي في التوغو والبينان ماذا في التّفاصيل؟

بعد ساحل العاج، حطّ البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي رحاله في التوغو، المحطّة الخامسة من زيارته الراعوية إلى الأبرشيّات المارونية في وسط وغربيّ أفريقيا، وذلك في إطار جولته التي تشمل سبع دول.

وكان في استقباله في المطار وزير خارجية التوغو روبير دوسيه ممثلًا رئيس الجمهورية فور نياسيمبيه وفعاليات رسمية دبلوماسية وسياسية وحشد من أبناء الجالية اللبنانية.

وترأس الرّاعي الذبيحة الإلهية في كنيسة سيّدة لبنان، عاونه رئيس أساقفة أفريقيا للموارنة المطران سيمون فضّول، بحضور وزير خارجية التوغو وشخصيات سياسية ودبلوماسية واجتماعية، وحشد من المؤمنين.

إستهلّ القداس بكلمة لكاهن الرعية الخوري جورج كيروز الذي أكّد أنّه ما "من أحد يحمل عبء المسؤوليات التي يحملها البطريرك الراعي الذي لا ينطق إلّا بصوت الحق في وجه المسؤولين الذين شوّهوا روح المسؤولية".

وتابع: "إنّ حجم حضوركم اليوم بيننا يا صاحب الغبطة قد أغنانا وأغنى أبناء الرعية وأتى ليسلّحنا في وجه الرياح العاتية".

وتمنّى كيروز أن تكون زيارة الرّاعي التاريخية علامة فارقة في زمن الانشقاقات تهدم الحواجز بين المتخاصمين وتقرّب المسافات.

بعد الإنجيل، ألقى البطريرك الرّاعي عظة تحت عنوان: "وزّع وزناته على عبيده العشرة"، فقال:

"أنا سعيد جدًّا مع سيادة راعي الأبرشيّة والوفد المرافق من لبنان أن نقوم بهذه الزيارة الراعوية ولو كانت خاطفة لكنّها ستكون غنيّة. ويكفي أن أحمل صورة وجوهكم وتطلّعاتكم وتمنّياتكم إلى وطننا الحبيب لبنان.

بداية نودّ التعبير باسم جاليتنا اللبنانية في التوغو عن شكرنا وامتناننا للاستقبال الذي حظي به أهلنا في هذا البلد العزيز الذي أمّن لهم فرص العيش بكرامة وساعدهم على تحقيق قدراتهم.

وأودّ نقل تحيّاتنا إلى فخامة رئيس الجمهورية ووفائنا لكلّ ما تقدّمه السلطات لجاليّتنا في هذا البلد.

مثل الإنجيل اليوم يحدّثنا عن معنى الحياة. والوزنات التي وزّعها السيد على عبيده تعني القيم التي أعطانا إيّاها الله. وزنة الحياة ووزنة الإيمان ووزنة العطاء التي يوزّعها الله وهذا يعني أنّ لحياتنا معنى وقيمة بنظر الرّبّ.

وفي نهاية الأمر يطلب منّا تقديم ما جنيناه. فيكون الحكم الخاص حول كيفية استغلالنا لنعم الرّبّ.

نحن نصلّي لنكون أوفياء لهذه النّعم وأن نتذكّر دائمًا أنّ كل العطايا التي ننعم بها هي من عند الله وأنّه يجب علينا يومًا تقديم الحساب أمام عرش الله. هذا هو معنى إنجيل اليوم، وكلّ ما نملك ليس لنا وحدنا بل إنّه أيضًا للجماعة وعليه أن يوظّف في سبيل الخير العامّ.

ما هي الوزنة التي وزّعها؟

إنّها وزنة الحياة فحياتي ليست ملكي إنّها عطية من الله وهي جميلة لأنّها على صورة الله.

إيماني المسيحي هو عطيّة من الله ويجب أن أعيش بمقتضى هذا الإيمان وبتعاليمه وقيمه.

الوزنة هي ما يضعه الله بين يدي من خيرات مادّيّة ومعنويّة وثقافيّة واجتماعيّة والمطلوب أن أتذكّر أنّ كلّ ما عندي هو من الله، وألتمس مساعدته في تثمير العطايا وأحقّق ذاتي من خلال مساعدة الآخر في تحقيق ذاته

وأؤدّي حسابًا لدى الله عن عطاياه.

أنتم هنا في التوغو تثمرون عطايا الله التي لم يتوفّر لكم أن تثمروها في لبنان لسبب أو لآخر.

التوغو فتح لكم الإمكانيّات لتثمروا مواهبكم وعطاياكم وتؤمّنون حياة كريمة هنا وفي بلدكم. أنتم تمثّلون وجه لبنان والمجتمع التوغيّ يتعرّف إلى بلدكم من خلالكم. شكرًا لأنّكم محترمون من السلطات المدنية والكنسية هنا وهذا ما سمعناه منهم وهذا وسام نحمله على صدرنا بأنّكم مساهمون في حياة وازدهار البلدان المضيفة.

لقد تضافرتم وجمعتم ما لديكم لبناء هذه الكنيسة لكي تقفوا عبر القدّاس وتقدّموا ذبيحة الشكر وتشكرون الله على خيره ونعمه .

الحياة هي مشاركة ونحن عائلة واحدة نساعد الضعفاء والمتعثّرين والمرضى والفقراء بيننا لأنّنا نعيش من فيض مواهب الله وهذه هي المعاني التي تجمعنا في الإفخارستيّا حيث الرّبّ يعطينا ذاته ذبيحة فداء ومشربًا ومأكلاً روحيًّا.

أصلّي معكم من أجل التوغو ومن أجل وطننا الحبيب لبنان ونشكر الله أنّه تمّت السيطرة على الحرائق في لبنان.

نصلّي من أجل إخماد الحريق السياسي في لبنان الذي لا يشرّف وطننا. إنّه الانقسام والاتهامات والإساءات عبر وسائل التواصل. نصلّي لإخماد هذه النار السياسية لكي يسلم الوطن بإخماد النار السياسية تخمد النار الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والإنمائية.

أعرف أنكم تتالّمون لهذا الواقع في لبنان الذي هو غير مقبول لأنّكم تعيشون في دولة تحترمكم وتفتح المجالات أمامكم.

لا يحقّ للسياسيّين في لبنان أن يستثمروا في هذه الممارسة السياسية الهدّامة التي تهجر شبابه وشعبه

نصلّي معًا على نيّة إخماد هذه النيران وأن يعطينا الله مسؤولين سياسيين يدركون أنّ لبنان عطيّة من الله بكلّ مقدّراته وأنّ المسؤولين لا يحقّ لهم أن يثمروا طاقات لبنان من أجل مصالحهم الشخصية والفئوية والمذهبية فلبنان كنز لا ينضب.

وينبغي أن نحافظ عليه وأن يستعيد دوره الكبير على مستوى الأسرة الدولية والعربية."

بعد القدّاس ألقى رئيس الجالية اللبنانية في التوغو كلمة ترحيبيّة عبّر فيها عن العلاقة القوية التي تجمع بين الجالية اللبنانية والبلد المضيف التوغو التي تعتبره بمثابة بلدها الأمّ لما قدّمه لا على مدى مئة سنة. واعتبر نصّار أنّ زيارة البطريرك الراعي ليست راعوية وحسب وإنّما هي حدث وطني جمعت كلّ اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب حول قاسم مشترك وهو لبنان.

وألقى وزير الخارجية روبير دوسيه كلمة ترحيبية باسم رئيس الجمهورية رحّب فيها بالبطريرك الراعي والوفد المرافق متمنّيًا تطوير العلاقات بين البلدين على كافّة الأصعدة، وأعر ب عن دعمه لمسيحيّي الشرق وما يتعرّضون له مثمّنًا الدور الريادي الذي يقوم به البطريرك الراعي لاسيّما في مجال الحوار بين الأديان.

وبعد القدّاس الإلهي، وفي حديث مع الإعلاميين، قال الوزير دو سيه :

"في البداية إسمحوا لي أن أعبّر عن فرحي بزيارة صاحب الغبطة، وهذا شرف لنا ولشعب توغو، فالكلّ يعرف الروابط التاريخيّة التي تجمع لبنان وتوغو. وقد قال صاحب الغبطة في كلمته إنّ لبنان يتميّز بتنوّعه، وتوغو أيضًا تشارك لبنان هذه الميزة، ميزة التنوّع واحتواء كل الأديان والطوائف."

وأضاف دو سيه: "لقد تأثّرت جدًّا بالقدّاس الإلهي وشعرت بحرارة الإيمان، وكانت مناسبة للتأكيد أنّه على اختلاف طوائفنا وأدياننا، يبقى الله واحدًا."

وإختتم وزير الخارجية: "لا يسعنا إلّا أن نكون في قمّة السعادة بهذه الزيارة التاريخيّة للبطريرك الرّاعي، وبكل الجهود والمساعي التي يقوم بها، وهو بالنسبة لي رجل سلام ومحبّة وتبشير بالمسامحة."

هذا وزار الكردينال الرّاعي رئيس جمهوريّة التوغو فور نياسيمبيه قبيل مغادرته البلد متوجّهًا إلى البينان، وقد تمّ التأكيد خلال اللقاء على أهمّيّة تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها لما فيه خير البلدين. كما كان توافق تامّ على ضرورة مكافحة الإرهاب المتنقّل في العالم والحركات المتطرّفة وإرساء لغة الحوار والتفاهم وقبول الآخر واحترام كرامة الإنسان.

وشكر الرّاعي الرئيس التوغولي على حفاوة الاستقبال وإيفاده وزير الخارجية كممثّل له لاستقبال الوفد البطريركيّ والبقاء معه لحين مغادرة البلاد .

وثمّن البطريرك المارونيّ التعاطي اللائق والخاصّ الذي تحظى به الجالية اللبنانية في التوغو من قبل السلطات المدنية والكنسية، متمنّيًا لهذا البلد ولرئيسه وحكّامه دوام العطاء والتقدّم والازدهار.

أمّا مساءً فوصل البطريرك الرّاعي إلى دولة البينان في إفريقيا الغربية و الوسطى، حيث أعرب عن فرحه لزيارة كوتونو "حيث عشنا الفترة التأسيسيةً وانطلاقة الرعية وبتنا ننظر لليوم الذي نزوركم فيه مجدّدًا، وكل الشكر للمطران سيمون فضّول لإتاحته لنا فرصة القيام بهذه الجولة ولقاء أبنائنا وحصد أعمال الخير التي قاموا بها والإنجازات، إضافة إلى كلمات الترحيب الحارّة التي سمعناها في كافة الدّول التي زرناها من روساء جمهوريّات أو وزراء ونوّاب، والكلام التقييمي الإيجابي عن الجالية اللبنانية بكل مقوّماتها، والتأييد الإيجابي للجالية اللبنانية التي تمتاز بروح خلّاقة وبممارستها ومساهمتها بازدهار الدول وإخلاصها للدول المضيفة.

نحن اليوم في البينان وسعداء بلقائكم وبرؤيتكم تتقدّمون في كافّة المجالات وأنتم تساهمون بازدهار هذا البلد العزيز.

كما أودّ أن أشاطركم همًّا يختصّ ببلدنا لبنان والوجع الذي تعيشونه لرؤية وطنكم عاجزًا عن التقدم والتطور. على الصّعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وما نراه من أداء للشعب اللبناني في لبنان سواء على صعيد التظاهرات أو الإضرابات واشعال الإطارات وقطع الطرقات، يجعلنا نأسف سيّما وأنّنا نراه في بلدان الانتشار يعمل ويتقدّم ويكون بنّاءً وخلّاقًا في الخارج بينما في وطنه يكون يائسًا.

أتفهّم هذا الوجع وأودّ أن أوصل الرسالة معكم بأنّ هذا الأمر غير مسموح به على الإطلاق ولا يمكن الاستمرار بهذا الشكل.

المواطن له حقوقه والسلطات ملزمة بتأمين الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والمعيشي لكي ينعم اللبناني بوطنه وأرضه مثلما ينعم بها في البلدان التي تستقبله.

شكرًا لابناء جاليتنا بتنوّعها من مسيحيين ومسلمين على الصورة الجميلة للفسيفساء الرائعة التي تقدمونها للعالم من خلال تعاونكم ومحبتكم لبعضكم البعض".

وفور وصوله إلى مقرّ إقامته، التقى الرّاعي اللجان والمنظّمات الراعوية المكوّنة لرعية مار شربل في كوتونو- البينان، واطلّع على نشاطاتها وعلى التّحدّيات التي تواجهها واستمع من كلّ واحدة منها إلى تقرير خاصّ أعدّته خصّيصًا للزيارة الراعوية، بعد أن استمع إلى كلمة كاهن الرعية الخوري شربل الحاج، وقد رحّب فيها بالرّاعي، وتحدّث عن الخدمة الراعوية مقدّمًا لكل لجنة ومنظّمة، وهي كالتالي: المجلس الراعوي وقد تحدث باسمه السيد أسعد الشاغوري، ثم تليت تقارير اللجنة الاجتماعية، اللجنة الليتورجية، لجنة التعليم المسيحي، تجمّع الشبيبة، جماعة "أذكرني في ملكوتك"، اللجنة الاقتصادية وجوقة الرعية.

في ختام اللقاء كانت كلمة عبّر فيها البطريرك الرّاعي عن إعجابه بنشاط المجلس الراعوي بكلّ لجانه في البينان، لافتًا إلى أنّ عددهم المميّز يشكّل علامة فارقة. وأضاف: "أستذكر في هذه اللّحظة ما قاله المكرّم البابا بيوس الثاني عشر في الخمسينيات، متوجّهًا للعلمانيين بقوله "أنتم لا تنتمون إلى الكنيسة فقط بل أنتم الكنيسة".

نشكرالله على تنظيمكم بهذه الطريقة ومعكم كاهن الرعية، فأنتم تقومون بعمل المشاركين في السلطة الكنسية والخدمات الثلاث المتمثّلة بخدمة الكلمة وخدمة الليتورجية وخدمة المحبّة. كل هذا تعيشونه نتيجة المعمودية التي من خلالها أصبحنا شركاء لكهنوت المسيح المثلّث، ونحن كمعمّدين وموسومين بالميرون أصبحنا شركاء المسيح في خدمة الكلمة لإحياء الإيمان وخدمة الأسرار لتقديس النفوس وخدمة المحبّة لخلق الجماعة المسيحية المؤمنة، ويتفرّع عن الأنشطة التي تقومون بها وظائف أساسية تقومون بها انتم بحكم المعمودية، والكاهن بحكم الكهنوت، وسيّدنا بحكم الأسقفية، لأجل ذلك أنتم تقومون بعمل كنسي وليس مجرّد خدمة. يمكنكم القيام بعمل جبّار على الأرض وإنجيل الليلة يقول لنا إنّه بالمعمودية أصبحنا أعضاء بجسد المسيح وأصبحنا مدعوّين لإعطاء ثمار المسيح. انّه لشرف أنّنا أصبحنا أعضاء لجسد المسيح المشبّه بالكرمة وأغصانها ولكنّها مسؤولية بإعطاء ثمار المسيح.

إنّ التنوّع في اللجان يساهم في إعطاء ثمار المسيح في الكنيسة وهكذا تعملون بفرح واندفاع وتواكبون خوري الرعية والأسقف. أعبّر عن شكري الكبير لكم لما تضحّون به من أجل أن تكونوا في خدمة الرّبّ والرّبّ يكافئ أكثر بكثير فعطاياه لا حدود لها. وأهنّئكم على قيامكم بعمل من صميم قلبكم وإذا كنّا الأغصان في كرمة المسيح وأعضاء جسده فهو لا يمكنه القيام بشيء من دوننا."

وكانت لراعي الأبرشية المطران سيمون فضّول كلمة لفت فيها إلى نشاط الرعية المنظّمة منذ نشأتها، وإلى تجاوب أبنائها موجّهًا تحيّة تقدير لكلّ ما يقوم به أبناء الرعية. وتحدث عن ضرورة تفعيل المبادرات المطروحة منوّهًا بهمّة الشباب. وأنهى قائلاً: "القديس شربل يساعدنا كثيرًا فلنضع يدنا بيده لنقدّم الأفضل لرعايانا ولكنيستنا".