بعد تعثّره في قدّاس الفصح... البطريرك الرّاعي يخضع لعمليّة جراحيّة تكلّلت بالنّجاح
وبحسب بيان صدر قبل قليل عن مكتب الإعلام في الكرسيّ البطريركيّ، فإنّ "البطريرك الرّاعي يشكر إدارة المستشفى والطّاقم الطّبّيّ على اهتمامهم، والمؤمنين والمحبّين الّذين رفعوا الصّلوات على نيّته، وحضروا واتّصلوا للاطمئنان عليه، يسأل الله أن يمنحهم جميعًا ويمنح لبنان السّلام والرّاحة والخلاص من الأوجاع، ويغدق عليهم نعمه المباركة".
وكان البطريرك الرّاعي قد ألقى خلال القدّاس عظة أحد القيامة بعنوان "أتطلبن يسوع النّاصريّ المصلوب؟ إنّه قام وليس ههنا" (مر 16: 6)، قال فيها:
"1.يسعدنا، فخامة الرّئيس، أن نرحّب بكم على رأس المصلّين، في عيد قيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات، يحوط بكم وزراء ونوّاب ورؤساء مجالس بلديّات ومخاتير وسواهم من العاملين في الحقلين العامّ والخاصّ، وأن نتقدّم من فخامتكم ومن الحضور الكريم بأخلص التّهاني بالعيد، وأطيب التّمنّيات ليفيض المسيح الرّبّ عليكم جميعًا نعمه وسلامه، وعلى لبنان الاستقرار والسّلام العادل والشّامل.
2.ونصلّي معكم، فخامة الرّئيس، كي يعضدكم الله وجميع اللّبنانيّين في تحقيق أمنياتكم الّتي أعربتم عنها في كلمتكم بمناسبة مرور خمسين سنة على بداية الحرب اللّبنانيّة المشؤومة 1975 وهي:
أوّلًا: جميعنا متساوون. فلا أحد منّا خائف، ولا أحد منّا يخيف. لا أحد منّا ظالم، ولا أحد مظلوم. لا أحد منّا غابن، ولا أحد منّا مغبون. جميعنا، نستظلّ علمًا واحدًا، ونحمل هويّة واحدة.
ثانيًا: الدّولة وحدها هي الّتي تحمينا، الدّولة القويّة، السّيّدة، العادلة، المنبثقة من إرادة اللّبنانيّين، والسّاعية بجدّ إلى خيرهم وسلامهم وازدهارهم.
ثالثًا: وطالما أنّنا مجمعون على أنّ أيّ سلاح خارج إطار الدّولة أو قرارها من شأنه أن يُعرّض مصلحة لبنان للخطر لأكثر من سبب، فقد آن الأوان لنقول جميعًا: لا يحمي لبنان إلّا دولته، وجيشه، وقواه الأمنيّة الرّسميّة.
رابعًا: وحدتنا هي سلاحنا، وسلاحنا هو جيشنا، لكي تكون كلّ خمسينيّات السّنوات المقبلة أيّام خير، وسلام، وفرح، وحياة، لأنّنا خُلقنا للحياة... والحياة خُلقت لنا.
3. "أتطلبن يسوع النّاصريّ المصلوب؟ إنّه قام وليس ههنا" (مر 16: 6). مات يسوع على الصّليب فداءً عن خطايا البشريّة جمعاء، وصالح الله بدمه مع كلّ إنسان، وقام ليبرّرنا (روم 4: 25)، وزرع السّلام في قلوبنا، وجعلنا صانعي سلام، وسفراء مصالحة (راجع 2 كور 5: 20). قدّاسنا اليوم يحمل اسم "رتبة صلاة السّلام"، السّلام المنبثق من موت المسيح وقيامته. فأضحى "المسيح سلامنا"، على حدّ قول بولس الرّسول (أفسس 2: 14). ويسمّيه أشعيا النّبيّ "أمير السّلام" (أشعيا 9: 5). السّلام ثمرة النّشاط السّياسيّ، والسّعي لإزالة ما يعرّضه للخطر، مثل: العنف والحرب والتّعذيب والإرهاب والاعتقالات وعسكرة السّياسة، وانتهاك حقوق الإنسان الأساسيّة.
4.بموت المسيح وقيامته صالح البشريّة مع الآب ومع بعضها البعض بالغفران. فمع المصالحة تنتهي حرب المصالح الخاصّة الّتي هي أخطر من الحرب المسلّحة. وبالمصالحة تخمد الخلافات وتزول العداوات وتتبدّل الذّهنيّات.
تبدأ المصالحة مع الذّات بترميم العلاقة مع الله الّذي صالحنا بالمسيح، ودعانا إلى تغيير المسلك والموقف والنّظرة. ثمّ تنتقل من المستوى الشّخصيّ لتصبح مصالحة إجتماعيّة بترميم العلاقة مع الآخر من خلال حلّ الخلافات والنّزاعات وسوء التّفاهم، ومع الفقراء والمعوزين بمبادرات محبّة، ومع الجميع بتعزيز العدالة الاجتماعيّة ورفع الظّلم والفساد. وترتفع إلى مستوى أهل السّياسة والأحزاب لتصبح مصالحة سياسيّة بإعادة بناء الوحدة الوطنيّة، ودولة الحقّ الصّالحة والعادلة. وتكتمل أخيرًا بالمصالحة الوطنيّة القائمة على التزام عقد اجتماعيّ ميثاقيّ يحصّن العيش معًا، ومشاركة الجميع العادلة والمنظّمة في إدارة شؤون البلاد (شرعة العمل السّياسيّ، ص22).
5. قيامة المسيح هي أهمّ حدث على الإطلاق في تاريخ العالم. فلو لم يقم المسيح لكان إيماننا باطلًا، وتبشيرنا بلا جدوى، ولكنّا بعد أمواتًا في خطايانا، ولكنّا شهود زور لها، ولو لم يقم المسيح لما كانت الكنيسة.
كلّ موت يحزن القلب، إلّا موت المسيح فهو يعزّي ويُفرح. في قبر الإنسان ينتهي كلّ شيء. إنّ القيامة الّتي شهدها قبر المسيح هي أساس ديانتنا. عظيم هذا القبر الّذي منه نهض يسوع، فقد غلب الموت وانتصر على كلّ ما يجرّه الموت من حزن وإحباط ويأس. قبر المسيح هو أساس الدّين المسيحيّ، والبرهان السّاطع والمحبّة الثّابتة لصحّة رسالة الإنجيل.
6. والنّسوة اللّواتي بكّرنا إلى القبر، ووجدنه فارغًا، تحوّلن من مشاهدات إلى شاهدات. فبدل يسوع وجدن "شابًّا" يقول لهنّ: "لا تخفن! أنتنّ تطلبن يسوع النّاصريّ المطلوب. إنّه قام، وليس ههنا. وهذا هو المكان الّذي وُضع فيه. فاذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنّه يسبقكم إلى الجليل وهناك ترونه" (مر 16: 6-7).
لقد حمّلهنّ الملاك مسؤوليّة خبر القيامة، بفضل انفتاحهنّ على السّرّ، وقبولهنّ له، وتأثّرهنّ به تأثّرًا عميقًا سمّرهنّ في الصّبر المطلق. هكذا تحوّلن من مشاهدات إلى شاهدات، ومبشّرات بقيامة يسوع.
سبحانك يا من أنت القيامة والحياة، حوّلنا بموتك إلى فصح جديد وعبور إليك، فنعلن إيماننا الثّابت والرّاسخ:
المسيح قام! حقًّا قام!".
وسبق القدّاس الإلهيّ خلوة بين البطريرك الرّاعي والرّئيس عون.