بسترس في قدّاس الغطاس: من يعتمد بالمسيح يدخل الملكوت السماوي
بعد الإنجيل المقدس، ألقى بسترس عظة العيد قال فيها: "نعيّد اليوم عيد الغطاس، هذا العيد الذي ندعوه لاهوتياً عيد "الظهور الالهي". فعندما غطس يسوع في مياه الأردن واعتمد على يد يوحنا الذي يدعى "المعمدان" لكونه عمّد المسيح، اعتلن للعالم الثالوث الالهي. فالله الآب أعلن عن يسوع:"هذا هو ابني الحبيب". والروح القدس ظهر على يسوع ليؤكّد حقيقة الكلمة، بأنّ يسوع هذا هو الحقيقة ابن الله المسيح أي الممسوح من الروح القدس. بظهور يسوع المسيح في نهر الأردن ظهرت نعمة الله على الأرض. كلمة الله نزل من السماء ليرفع الناس الى السماء. اصطبغ بانسانيّتنا ليجعلنا نصطبغ بألوهيّته. ولا كمال للانسان إلا "بصبغة الله" هذه. لبس طبيعتنا البشرية ليلبسنا طبيعته الالهية، كما يقول بولس الرسول: "أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح".
أضاف:"الوصول الى الله هو حلم البشرية منذ بدايتها. هذا ما يصوره سفر التكوين بقوله انّ آدم أراد أن يصير إلهاً "من دون الله"، فخاب أمله، وكل ما حصل عليه هو أنّه اكتشف عريه. لذلك صار ابن الله انساناً ليجعل من كل انسان ابناً لله، ويلبسنا مجده. لا سبيل للناس للوصول الى التألّه إلا بواسطة ابن الله، الذي هو "الوسيط الوحيد بين الله والبشر"، لكونه من الله ومن البشر في الوقت عينه. وكل من يؤمن بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله يعتمد كما اعتمد المسيح ليصير به ومعه ابن الله، بحسب ما جاء في مقدّمة انجيل يوحنا:"جاء الى خاصّته، وخاصّته لم تقبله. أمّا الذين قبلوه فقد أتاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله، أبناء لم يولدوا من دم، ولا من رغبة جسد، ولا من إرادة رجل، بل من الله".
وتابع:"وصية المعمودية هي الوصية الاخيرة التي أوصى بها يسوع تلاميذه قبل ارتفاعه الى السماء: "اذهبوا تلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنذا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر".
وقال: "في سائر الأديان ثمّة طقوس مختلفة للوصول الى الله. أمّا في المسيحيّة، فالله نفسه أتى إلينا في شخص ابنه وكلمته يسوع المسيح. يقول اللاهوتي الألماني كارل رانر موضحاً جوهر الرسالة المسيحية:"أنّ ما يشكل، بالنسبة إليّ، القلب الحقيقي والوحيد للمسيحية ولرسالتها هو أنّ الله قد أعطى ذاته عطاءً حقيقياً لكائنات بشرية في ما يكون كامل حقيقته ومجده اللامتناهي، مع قداسته، وحريته، يمكن أن يأتي إلينا حقاً وبدون انتقاص، في وسط وجودنا كخلائق. مقابل ذلك كل ما تقدمه المسيحية أو تطلبه منّا هو على سبيل الموقت والنتيجة الثانوية".
أضاف:"انّ مجيء الله إلينا في شخص ابنه وكلمته يسوع المسيح هو ما يدعوه الانجيل "الملكوت"، الذي يعني ملك الله في قلوب البشر من خلال اتحادهم بالمسيح. لذلك قال آباء الكنيسة منذ أوريجانيس في القرن الثالث: انّ يسوع المسيح هو "الملكوت بالذات". ومن يعتمد بالمسيح يدخل منذ الآن في الملكوت السماوي، لأنّ السماء ليست مكاناً، بل هي صفة لله الذي لا يحده مكان ولا زمان. هذا ما يعيشه القديسون الذين وصلوا منذ هذه الحياة الى الاتحاد الكامل بالله من خلال اتحادهم بالمسيح وسلوكهم بالروح القدس الذي كان المسيح ممتلئاً به. هؤلاء يكونون مع المسيح فجر البشرية الجديدة المشعة بنور المسيح والممتلئة من روحه القدوس مع ثماره التسعة التي يذكرها بولس الرسول في رسالته الى الغلاطيين بقوله:"أمّا ثمار الروح فهي: المحبة والفرح والسلام، وطول الأناة واللطف والصلاح، والأمانة والوداعة والعفاف".
وختم:"أمنياتنا لهذه السّنة الجديدة أن ينتشر نور المسيح في العالم كلّه، ويمتلىء الناس من الروح القدس ويثمروا ثماره، ليكون لنا على هذه الأرض بعض أيّام السّماء".
وفي نهاية القدّاس، أقيمت صلاة تبريك الماء المقدّس وأخذ بركة من المياه.